رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هناك من يقف.. يمد يده بحثًا عن الأمن والسلام.. وفتات الخبز

وجّه الرئيس الأمريكي "جو بايدن" انتقادات، غير مسبوقة، إلى زعيمي الصين وروسيا، بسبب غيابهما عن قمّة المناخ في جلاسكو.
ماذا لو كان الأمر، عكس ذلك، كيف ستكون المواجهة؟.

احتمت الإدارة الأمريكية، بما في ذلك رئيسها، من مخاوف ما بعد قمة دول العشرين التي عقدت في العاصمة الإيطالية روما، فكان أن توسعت القمم بالتوازي، منها القمة الروسية - البيلاروسية، التي أعادت محاولة وحدة سياسية اقتصادية بين بيلاروسيا وروسيا الاتحادية، في وقت تبدو مؤشراتها سياسية، موجهة لأوروبا والغرب، بالذات الولايات المتحدة. 
 ومع كل هذه القمم، وبينها، أحدث الملك عبدالله الثاني، ملك الأردن، تباينات ومواقف سياسية واقتصادية وبيئية مهمة عبر جولة أوروبية، اخترقت توقيتات قمة دول العشرين وقمة المناخ، وإن كانت لجولة الملك عبدالله الثاني، دلالات تعالج قضايا الأردن وفلسطين وسوريا والعراق ولبنان والأمة الخليجية اللبنانية وغيرها من آفاق التعاون العربي الأوروبي. 
الجولة الملكية للملك عبدالله الثاني، تزامنت مع تصريحات الرئيس بايدن، التي واجهتها بقوله (بايدن، القوة الأمريكية):  إن المناخ "مشكلة ضخمة"، والصين "انسحبت"، مضيفًا "الأمر ذاته بالنسبة إلى روسيا وبوتين".
 وعلينا أن نؤكد، ان الإدارة الأمريكية، تتابع نهج وفكر الملك الهاشمي، وتعتبر قوة استراتيجية وحليفًا سياسيًا، في منطقة تغلى بالأزمات، لهذا انتبهت أوروبا السياسية والاقتصادية، إلى قوة التأثير الأردني الهاشمي، أوروبيًا وأمريكيًا، عدا عن صورة الأردن العربية الإسلامية والأممية التي تهتم مع منظمات الأمم المتحدة في مؤتمراتها، وتنظر للأمور جيوسياسيًا، على موروث اقتصادي، أمني.

العالم يحاول أن يدرس، البعد السيكولوجي، الذي تدل عليه "ورقة غياب"، زعامات تقليدية، لها صراعاتها الباردة مع الغرب، وخصوصًا بعد مؤشرات ناتجة عن:
* أولًا:الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعودة طالبان لتستحوذ على السلطة في كابول. 
* ثانيًا: ما يشبه الحرب الباردة، بين الولايات المتحدة وروسيا، وبدء سياسة بناء ترسانات من الأسلحة المستقبلية الرقمية. 
* ثالثًا: الجدل الجيوسياسي، الجيوأمني، بين الصين والولايات المتحدة، جراء صراع التنافس التجاري الاقتصادي، عدا عن الخلاف على استقلالية تايوان. 
* رابعًا: الأزمة اللبنانية الخليجية، إذ باتت، مسرحًا لكشف هشاشة النظام العربي، المرتهن لقرار غربي ضاغط على حدي السكين، خليجيًا ولبنانيًا، برغم تفاقم الأزمة اللبنانية الاقتصادية الاجتماعية. 
* خامسًا: مراوحة الصراع الإيراني مع الولايات المتحدة، وإسرائيل والخليج العربي والغرب، ذلك بما في جعبة إيران من سلاح نووي، وصراع مذهبي، وتدخل في أزمات المنطقة، تحديدًا في سوريا والعراق ولبنان واليمن. 
هنا، ماذا يشكل الغياب، عن قمة المناخ، في ظروف سياسية تنذر بالحروب، التشريد ومزيد الهجران واللاجئين؟.

عمليًا، الإدارة الأمريكية تراقب، تغيب الرئيسين الصيني والروسي عن حضور قمة المناخ التي ستستمر محادثاتها حتى الرابع عشر من نوفمبر الجاري،  علمًا، وهذا أمر معروف، فقد أرسلت (الصين وروسيا) بعثتين للمشاركة، وللرقابة، وتحديد أطر البيان الختامي.

في ظل أزمات تحد العالم من الشمال والجنوب، والشرق والغرب، فليس هناك  من يضع تصورات على نجاح قمم ثلاث، في مسرح أحداث مهيمنة، لن يكون هناك أي دلالة  نحتكم إليها، لنشير إلى نجاح أو فشل  قمة العشرين في تحقيق أهدافها، بينما ليس، على قمة المناخ، غير وضع قرارات ووعود، وقراءات لمخاطر يفرضها تعامل الإنسان في المجتمع الصناعي، مع المناخ. 
عمليًا، قد تكون الأهداف في الأصل، بعيدة عن جذور معيقات الأعمال والسياسة والاقتصاد، في ظل الدول الكبرى، والأحلاف، في محيط قمة العشرين، أو قمة جلاكسو المناخ، وقطعوا الأهداف، متواضعة، والقليل، القليل، ينفذ من قراراتها.
بالنسبة لدول المنطقة والشرق الأوسط، الأزمات والتحديات وتداعيات جائحة كورونا،  حقائق، لها أهميتها الدولية والأمنية، لأن القوة العظمى، الولايات المتحدة، في وقائع وجود السنة الأولى من إدارة بايدن، فعلينا أن نقلل الطموح بالنسبة لمستقبل توازن القوة عند أي قمة، عدا عن القمة الافتراضية التي تعني، التأشير إلى الخصوصية الأمريكية أولًا، ومن ثم بقية عالمنا. 
 تنتبه الولايات المتحدة، لكل من  يدرس دلالة غياب بعض الزعامات الدولية، لأن الغياب، يعني، ما قد يكون قد تأجل من فرص، اتخاذ القرار الأصعب المتعلق باللحظة التاريخية  الاستراتيجية، التي تؤطر قواعد  مستقبل  التنظيم الدولي، إذا ما نظرنا إلى نتائج ذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإلى اليوم وهو الدور الحق، الذي احتكرته الولايات المتحدة، برغم صراعاتها المتوالية في كوبا وفيتنام والعراق والصومال. 
 قمة مجموعة العشرين روما 2021 هو الاجتماع السادس عشر لمجموعة العشرين الذي عقد في روما،  في 30-31 أكتوبر الماضي، كشفت عن هشاشة الأدوار التي تتبادلها الشخصيات السياسية والأممية وحتى العلمية والعسكرية وسط هيمنة مقنعة للولايات المتحدة، وظلال تأثيرها على  منظمات الأمم المتحدة، وهنا نستعيد، كيف رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس بـ"التزام مجموعة العشرين المتجدد بإيجاد حلول على الصعيد العالمي" فيما يتعلق بالمناخ والبيئة، لافتًا إلى   أنه (يغادر)، "روما بآمال محبطة".
وبين روما، وجلاسكو، كانت معطيات أعمال مؤتمر  "كوب 26"، بمشاركة أكثر من 120 من قادة الدول والحكومات، فيما تعمدت قيادات  الصين وروسيا، عن مواجهة آثار قوتهم في الصناعات والمجلات العسكرية منها، التي تحدث أكثر من ثلث تلوث المناخ دوليًا.

 ما بين مساحة سياسية، هناك مساحة موازية اقتصادية تقابلها أخرى عسكرية، وبالتالي، الربع المعطل تلك المساحة البيئية أو التي تتعلق بمستقبل المناخ عالميًا وكونيًا. 
جيد أن قمة العشرين، اجتازت عتبة الخوف من الاقتصاد بعد أزمات العالم، والتغير المناخي وجائحة كورونا، وهي أمور أعلنت، فيما تشبعت الجلسات السرية، وتصدرت نتائجها الخفية، حدود روما لتصل تداعياتها إلى جلاسكو، ومن ثم روسيا، وبيلا روسيا.


من راقب البيان الختامي لقمة كانت مستحية لولا شخصية بايدن، وأزمات تتحدى الإدارة الأمريكية، فنطلق البيان مكونات عائمة، استشرافية من 61 بندًا، وحمل تواقيع كافة بلدان مجموعة العشرين، وذلك في ختام القمة التي استمرت يومين، حراك وتدافع سياسي، عين على الولايات المتحدة وعين على أوروبا، وتدافع صوتي، على دول المنطقة وأزماتها المؤجلة، دون إبداء الأسباب، ما جعل دولًا مثل إيران وإسرائيل والخليج العربي ولبنان، تتصارع في نطاق أزمة تدور في فلكها عشرات الأحداث المصيرية.


هي قمم، ووعودها ترنو إلى قمم أبعد، فأي توافق  بين القادة والدول والمنظمات  في القمة على الوصول إلى الإيقاف الكامل للانبعاثات الحرارية منتصف القرن الحالي، مع تقديم الدعم للدول الفقيرة لمواجهة آثار تغير المناخ.

 وماذا عن تعهد  القمة بالعمل على ضبط زيادة حرارة الأرض، بحسب  البيان الختامي إلى ضرورة مواصلة الإجراءات "الهادفة والفعالة" لقصر الزيادة في درجة حرارة الأرض على 1.5 درجة مئوية، مقارنة بالفترة التي سبقت عصر الصناعة.

وتضمن البيان، بطرق مدهشة (....) تعهدًا بوقف تمويل مشروعات توليد الطاقة بالفحم في الخارج بحلول العام المقبل، لكنه لم يحدد وقتًا للتوقف نهائيًا عن توليد الكهرباء من الفحم، ووعد فقط بتحقيق ذلك في أسرع وقت ممكن،.. ويجب أن نضحك، لم لا، فبعض الدول، لا تجد هذا الوقود لحل أزماتها في ظل فقدان الطاقة أو الكهرباء، ولبنان نموذج أمامنا. 
 لقمة (العشرين)، حكاية حول تعزيز دور المرأة والفتيات، الشباب في  المجالات كافة. 
 وذلك، لتحقيق النهضة الاقتصادية "الشاملة والدائمة" وحماية أمن الطاقة، وتأمين الأمن الغذائي من أجل الجميع.

أما لماذا اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أن القمة حققت نتائج "ملموسة" بشأن المناخ ووباء كوفيد-19 وفي  بعض الملفات الاقتصادية، فالأمر منوط، بأداء إدارته التي، حولت القمة، إلى جسر نحو قمة المناخ، وقد أكد ذلك بالقول: "أعتقد أننا أحرزنا نتائج ملموسة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى العزم الذي أظهرته الولايات المتحدة على طاولة، مفاوضات حادة، تقنية، لهذا جاء ما نشرته  صحيفة "إكسبريس" البريطانية، من تقارير خطرة، توازت مع أزمات تأكل رءوس القادة والزعماء وتحبس الأسرار، ذلك ما أوضحت، الصحافة العالمية، من أن  الاحتباس الحراري العالمي سيؤدي إلى اختفاء العديد من الدول بسبب ذوبان الجليد وارتفاع منسوب  البحار، غالبًا في كيريباتي وتوفالو وجزر مارشال".

 لدينا، حتى نهاية العام، قمم حائرة، حروب خفية، قروض عشوائية تعيد هيمنة رأس المال الغربي، وتأجيل للقضايا وأزمات تطال دول المنطقة والعالم. 
 بيننا، في كل مكان، أو محيط يظللنا، هناك من يقف يمد يده بحثًا عن الأمن والأمان والسلام.. وفتات الخبز. 

حسين دعسة- مدير تحرير جريدة الرأي الأردنية