«ملتقى الحوار»: الولادة القيصرية من أكثر صور عنف التوليد انتشارًا
أصدرت وحدة البحوث والدراسات بمؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان اليوم الأربعاء، تقريرا بعنون: "العنف عند الولادة في مناطق النزاع المسلح".
وأكد التقرير أن العنف عند الولادة هو أحد صور انتهاكات حقوق المرأة، حيث تعاني المرأة الحامل أثناء عملية الولادة في بعض الأحيان من السلوكيات الضارة التي تعد انتهاكًا صريحًا لحقوقها الصحية والتي قد تتفاقم وتعرضها للموت، أي والحق في الحياة. وهذا العنف له صور عدة تختلف باختلاف المواقف والأشخاص المعنية بالتعامل مع عملية الوضع. وأصبح الأطباء يصفونه بالواسع الانتشار عالميًا، وبرزت ملامحه في العقد الأخير وفي أماكن النزاع المسلح له مظاهر أكثر تطرفًا.
وناقش التقرير عددا من المحاور، أهمها:
- ماهية وأشكال العنف عند الولادة
يُعرَف عنف الولادة بأنه الإساءة الجسدية أو الجنسية أو اللفظية أو التنمر أو الإكراه أو الإذلال أو الاعتداء الذي يحدث للناس أثناء المخاض والولادة من قبل الطاقم الطبي، بما في ذلك الممرضات والأطباء، باختصار عنف الولادة هو ما تتعرض له المرأة أثناء المخاض أو الولادة لسوء المعاملة أو عدم احترام حقوقها، بما في ذلك إجبارها على اتخاذ إجراءات ضد إرادتها على أيدي العاملين في المجال الطبي.
في خمسينيات القرن الماضي، كشف تقرير نُشر في مجلة Ladies 'Home Journal الأمريكية أن استخدام الإجراءات الطبية القسرية أثناء الولادة له تاريخ طويل والأمثلة شديدة للغاية من خلال الكشف عن المعاملة اللاإنسانية التي تعاني منها النساء في أجنحة الولادة في جميع أنحاء البلاد.
ويتم تقسيم العنف عند الولادة إلى عدد من التصنيفات، وهي:
الإهانة اللفظية، والعنف الجسدي والممارسات الانتهاكية، التعرض للإهمال وتجاهل آلام واحتياجات المرأة، انتهاك الخصوصية والسرية، التعرض للتمييز، عدم الالتزام بالمعايير المهنية أثناء تقديم الرعاية الصحية، واستخدام علاجات طبية لا حاجة لها، أو اجراء تدخلات طبية بدون مبرر، الحرمان من العلاج، والاحتجاز.
وتشير بعض التقارير الطبية في هذا الشأن أن أكثر النساء عرضة للعنف أثناء الولادة هن مرضى الإيدز، كما أن تلك الأشكال من العنف تسبب الشعور بالخذلان، وعدم الكفاءة النفسية، وقلة الثقة وامتناعها عن أي رعاية طبية قبل عملية الولادة، بالإضافة إلى شعورها بفوبيا الولادة، وتعجيل الاكتئاب الذي يحدث بعد الحمل.
ورغم كل التطورات المتلاحقة في المجال الطبي من أجهزة شديدة الدقة لقياس المؤشرات الحيوية للجنين وعقاقير فعالة بنسب عالية لتخفيف الآلام الولادة، إلا أن العنف عند الولادة ما زال مستمرًا وبصور متعددة في المستشفيات العامة أو الخاصة.
وتعتبر الولادة القيصرية من أكثر صور عنف التوليد انتشارًا، فطبقًا لدراسات مختلفة نشرت في دورية "The Lancet" الطبية حول عمليات الولادة القيصرية، أشارت أنها زادت 3 أضعاف عن معدلها، وهي تعرض للموت بنسبة 60% وفي أحيان أخرى 70%. كما يمكن أن تؤدي إلى خطر تعرض المرأة لمضاعفات تهدد حياتها أثناء الولادة، مثل النزيف وتمزق الرحم واستئصال الرحم والسكتة القلبية بنحو 5 أضعاف، ويرتفع هذا الخطر أكثر في الولادات اللاحقة. فيجب اللجوء إليها كخيار أخير، وليست الأولى.
وتجدر الإشارة إلى أنه تسود صور العنف أثناء الولادة في دول أمريكا اللاتينية وبشكل خاص في البرازيل، حيث أجرت مؤسسة Perseu Abramo دراسة مسحية على عينة من السيدات الاتي خضعن للولادة وتبينت أن امرأة واحدة من كل أربع نساء تعاني من أشكال العدوان أثناء الولادة، ويعتبر 80% منهن أجرين الولادة القيصرية، ولبضع الفرج بنسبة 53.5%.
كما أظهرت دراستان عن العنف عند الولادة في فنزويلا ونيجيريا انتشارًا يتراوح بين 79.5٪ و 98٪ مع أداء الإجراءات دون موافقة باعتبارها الشكل الأكثر شيوعًا لسوء المعاملة والممرضات هم الجناة الرئيسيون.
- واقع عنف التوليد في أماكن النزاع المسلح
وقد ذكر التقرير أن للنزاع المسلح آثار متعددة على السكان العسكريين والمدنيين على حد سواء، وقد تختلف آثار النزاع المسلح من مكان إلى آخر بما في ذلك الآليات/ القنوات التي قد يؤدي النزاع من خلالها إلى ضعف الوصول إلى الخدمات الصحية وجودتها. كما يمكن للنزاعات المسلحة أن تدمر البنى التحتية المحلية وإمدادات الغذاء والمياه وأنظمة الصرف الصحي مما يجعل من الصعب بشكل متزايد الوصول إلى الرعاية الصحية العامة و الرعاية السابقة للولادة بشكل خاص للمرأة الحامل.
إن كان العنف عند الولادة ينتشر في ظل التقدم الطبي والعلمي إلا أن جميع صوره سائدة في الصراعات والنزاعات المسلحة بشكل متطرف، حيث التعرض للضرب والتحرش الجنسي ومنع المسكنات والتقييد في الأسرة، وعدم اتباع السلامات الصحية، والنظر إليهن كوسمة عار وعبيدات خاصة النساء الواقعات في الأسر.
وفوق ذلك تشير التقديرات الواقعية لتسبب الحرب في وفاة الكثير من السيدات الحوامل بحوالي 140 ألف كل عام. وتعتبر جنوب السودان هي الأعلى من بين الدول حيث المعدلات هي الأعلى حيث تموت أكثر من ألفين امرأة مقابل كل 100.000 ولادة حية.
ورصد التقرير أنه ومن بين كل أربع سيدات في كولومبيا تعرضن للعنف عند الولادة هناك سيدة تعرضت له في النزاع المسلح الكولومبي الذي انتهى في 2016. وتواجهن تلك السيدات ولا سيما المقاتلات السابقات والفتيات المجندات عقبات قانونية للتعويض.
وفي تقرير لليونسيف صدر في عام 2015 تبين أنه يولد طفلًا كل ثانيتين بمناطق الصراع المسلح أبرزها في العراق واليمن وسوريا والسودان وأفغانستان وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهذا يدلل على قلة الرعاية والحقوق الصحية التي تحصل عليها المرأة عند الولادة في ظل التغيرات البيئية والمناخية وقلة الغذاء والمياه.
- عنف التوليد والمنظمات الدولية
يقع تجريم عنف التوليد ضمنيًا في حالات الحرب والصراعات المسلحة من خلال القانون الدولي الإنساني في اتفاقية جنيف الرابعة الذي تنص به الفقرة (1) من المادة (3). كما يجب على الدول الاهتمام بالرعاية الصحية للمرأة كما تنص المادة (12) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وفيما يتعلق بمنظمة الصحة العالمية نجد أنها عرفت العنف أثناء الولادة بأنه: "استيلاء على جسد المرأة من قبل العاملين الصحيين، في شكل علاج غير إنساني، وإضفاء طابع طبي تعسفي، وكذلك إضفاء طابع مرضي على العمليات الطبيعية، بما في ذلك فقدان المرأة الاستقلال والقدرة على اتخاذ قراراتها بحرية بشأن جسدها وحياتها الجنسية، مما يسبب عواقب سلبية على نوعية حياة المرأة."
وقد بينت دراسة بين منظمة الصحة العالمية واليونيسيف وعدد من المنظمات الدولية، أن حوالي 42% من النساء تعرضن لعنف التوليد بصوره المختلفة مثل الإيذاء الجسدي أو اللفظي أو التمييز أثناء الولادة في المراكز الصحية، مع تعرض بعضهن لللكم والصفع والصراخ في وجوههن أو الاستهزاء بهن أو الضغط عليهن بالقوة.
وفي نفس الإطار تناولت سيمونوفيتش المقرر الخاص بمسألة العنف ضد المرأة بتقرير قُدم للجمعية العامة في عام 2019، وصرحت بأن: "سوء المعاملة والعنف ضد المرأة أثناء الولادة من انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق والمنهجية التي لا تزال تُلحِق الضرر بحياة النساء في جميع أنحاء العالم ويجب وقفها." وطالبت الدول بتحمل المسئولية بمحاسبة المؤسسات الصحية ووقف هذه الانتهاكات التي تحدث للنساء أثناء الولادة.
وفيما يخص العنف عند التوليد بمناطق النزاع المسلح، فقد صرح قال باباتوندي أوسوتيمهين، المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان في 2016، "على الرغم من أن هذه السيناريوهات هي نموذجية للصعوبات التي تواجهها النساء في مناطق النزاع أو الكوارث، إلا أنه يتم بذل القليل جدًا لتلبية احتياجاتهن بخلاف تزويدهن بالمساعدات الإنسانية الأساسية." وقال أمين صندوق الأمم المتحدة للسكان إنه يسعى للحصول على 107 ملايين دولار لتلبية احتياجات النساء والفتيات المتضررات من الحرب في سوريا.
وفي اليمن حيث الحرب مشتعلة، رصدت منظمة أطباء بلا حدود أن النساء الحوامل كن يبحثن عن ملجأ في الكهوف للولادة بدلاً من المخاطرة بالذهاب إلى المستشفى.
وأخيرا، إن عدم الاحترام وسوء المعاملة أثناء الولادة ظاهرة موثقة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بعلاقات القوة والسياقات الأوسع لعدم الاستقرار في العائلات والمجتمعات والدول. فإن تعريف العنف عند الولادة كمجموعة فرعية من العنف القائم على النوع الاجتماعي يبرز أنه أيضًا نوع من العنف الهيكلي، وبالتالي يحتاج إلى معالجة منهجية.
وقد بين التقرير إذا لم تتحدث المزيد من العائلات عن سوء المعاملة والأذى الذي يحدث في بيئة رعاية الأمومة، فلن تتغير البيئة وسيستمر مقدمو الخدمة والموظفون في الممارسة بنفس الطرق. وأوصى التقرير للقضاء على ظاهرة العنف عند الولادة يقتضى مساهمة الهيئات الدولية والمحلية في كل دول العالم بالجهود والدعم الفني والنفسي والمادي.