محمد حسنين هيكل.. «العراب» الذي عاصر 7 عهود
«العراب.. العميد.. الأستاذ» عندما تذكر تلك الصفات الثلاث في أي مؤسسة صحفية مصرية يعني هذا شخص واحد له كتاب من التاريخ لا تغلق صفحاته، الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل الذي رافق الحكام منذ ثورة 1953 حتى غادر الحياة قبل 5 سنوات.
في يوم تشابهت أرقام شهره مع عدد السنين فيه ولد هيكل في الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1923 لأسرة تنتمي إلى محافظة القليوبية، وكحال كل الآباء أراد والده أن يكون ابنه طبيبًا شهيرًا يحمل اسمه ويعالج المرضى إلا أن هيكل اختار طريقًا مغايرًا لحلم والده.
التحق هيكل بالقسم الأوربي في الجامعة الأمريكية بعدما أنهى دراسته في المدارس التجارية المتوسطة، لتكون أولى خطواته في عالم الصحافة عندما اكتشفه الصحفي سكوت واتسون من جريدة إيجيبشان جازيت، وكان عمره حينها 19 عامًا.
بداية السبق الصحفي
دوّن التاريخ أولى صفحات هيكل الصحفية في 8 فبراير 1942 عندما بدأ في جمع أخبار الحوادث، وفي هذه الأثناء أصدر الحاكم البريطاني لمصر قرارًا بمنع البغاء في مصر بعدما أصيب بعض الجنود البريطانيين بأمراض معدية، واتهمت حينها فتيات الليل بأنهن السبب في نقل هذه الأمراض.
نجح هيكل في الوصول إلى بعض هؤلاء الفتيات والحديث معهن حول القرار وتأثيره عليهن، في قضية أثارت الرأي العام حينها، ليبدأ اسم محمد حسنين هيكل في التردد في الأوساط الصحفية والشعبية، خاصة بعد أن نجح في تغطية أحداث الحرب العربية الثانية التي كانت تدور رحاها حتى انتهت عام 1945.
توالت نجاحات هيكل الصحفية وكان أهمها في عام 1948 عندما تولى مهمة تغطية حرب فلسطين، ومن بعدها ثورة محمد مصدق في إيران، والانقلابات التي شهدتها سوريا، واغتيال حسني الزعيم في دمشق واغتيال الملك عبد الله في القدس.
صديق عبد الناصر
رقم 23 كان كلمة السر مرة أخرى في حياة هيكل عندما اندلعت ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 لتكون بداية علاقة الصداقة الوطيدة التي جمعته بالرئيس جمال عبد الناصر، حتى أن الأخير اختاره لتحرير كتابه فلسفة الثورة الصادر بعد عام واحد من الثورة.
صفحة أخرى دونها هيكل في كتابه الخاص عندما دخل مؤسسة الأهرام لأول مرة عام 1957 ليعرف بمجدد الأهرام فساهم في زيادة توزيعها وصال وجال داخلها حتى أهلته ليكون رئيس تحريرها ثم وزيرًا للإعلام عام 1970.
ليس ذلك فقط وإنما نجح في أن يتولى وزارة الخارجية إلى جانب الإعلام لمدة أسبوعين عندما غاب عنها الوزير محمود رياض، كما كان لهيكل الفضل في تخطي الرئيس أنور السادات لبعض القلاقل التي واجهته في بداية حكمه.
وثق السادات في هيكل كما وثق عبد الناصر، فأسند إليه مهمة كتابة التوجيه الاستراتيجي قبيل حرب أكتوبر والصادر من الرئيس إلى القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل، والذي تلاه التوقيع على بدء عمليات حرب أكتوبر والذي وقع عليه السادات في الخامس من أكتوبر عام 1973.
الخروج الكبير
عام واحد على حرب أكتوبر تغيرت فيه الأمور وأخرج فيه السادات هيكل من مكانه الأقرب إلى قلبه عندما نقله من الأهرام إلى قصر الرئاسة ليكون مستشاره الخاص، فرفض هيكل، ومنذ هذا التاريخ تحوّل إلى كاتب حر لا ينتمي إلى الأهرام أو غيرها من المؤسسات الصحفية.
كان العام 1981 صدمة كبيرة في الأوساط الصحفية والعامة عندما حل اسم محمد حسنين هيكل في قائمة اعتقالات الرئيس السادات، ولكن لم يدم به الحال طويلًا حتى جاء حكم الرئيس محمد حسني مبارك الذي أصدر قرارًا بالعفو عنه.
وفي 2003 كان هيكل يطفئ شموع ذكرى ميلاده الثمانين، عندما لمعت برأسه فكرة التقاعد عن العمل المنتظم، لينهي مسيرته في مجلة وجهات نظر التي كان يكتب بها مقالًا منتظمًا، وظلّت مكتبته الخاصة حزينة على فراق جمهوره حتى احترقت عام 2013 بعد عشر سنوات من التوقف عن الكتابة المنتظمة لتعبر عن رفضها لتوقف قلم الأستاذ عن الكتابة.
السابع عشر من فبراير 2016 بعد مروره بعهود 7 للحكم في مصر، بعد أن عاصر الملك فاروق، الرؤساء محمد نجيب، جمال عبد الناصر، السادات، حسني مبارك، محمد مرسي، عدلي منصور، عبد الفتاح السيسي، أسلم روحه لخالقها ورفع قلمه ولكن لم تجف صحفه.