رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مدير المركز الديموجرافى: حوافز مالية تصل لـ60 ألف جنيه للملتزمين بطفلين (حوار)

الدكتورة أميرة تواضروس
الدكتورة أميرة تواضروس

قالت الدكتورة أميرة تواضروس، مدير المركز الديموجرافى بالقاهرة التابع لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، إنه من المقرر إطلاق الاستراتيجية القومية لتنمية الأسرة المصرية رسميًا بنهاية شهر أكتوبر المقبل أو مطلع شهر نوفمبر على أقصى تقدير، لتغطى المرحلة الأولى منها ١٥٠٠ قرية من القرى الأكثر فقرًا والأعلى إنجابًا، من بين قرى المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، وذلك فى ٢٠ محافظة.

وأضافت، فى حوارها مع «الدستور»، أنه سيجرى إطلاق برنامج حوافز مالية، بتمويل وطنى ١٠٠٪، لكل أسرة ملتزمة بإنجاب طفلين، مع العمل على تشديد العقوبات ضد ولى الأمر الذى ينجب من أجل استغلال أطفاله كمصدر للدخل، منوهة إلى أن الفترة بين عامى ٢٠٠٦ و٢٠١٧ شهدت تغييرًا فى تركيبة الهرم السكانى للمصريين، بعدما أصبحت فئة الأطفال حتى ٩ سنوات تشكل ٢٥٪ من المجتمع المصرى، بدلًا من فئة الشباب، ما يعنى أن مصر ستواجه طفرة سكانية بحلول عام ٢٠٣٠، عندما يصل هؤلاء الأطفال إلى سن الزواج والإنجاب، الأمر الذى يستدعى اتخاذ خطوات استباقية لاستيعاب تلك الزيادة المتوقعة.

■ بداية.. ما التركيبة الديموجرافية لمصر وكيف تغيرت فى السنوات الأخيرة؟

- التركيبة الديموجرافية هى صورة تشريحية لخصائص السكان وأعدادهم من حيث الفئة العمرية والنوع، ويتم إعدادها بناءً على بيانات التعداد العام للسكان، الذى يجريه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء كل ١٠ سنوات.

وأظهرت بيانات الإحصاء حدوث تغيير كبير فى تركيبة الهرم السكانى لمصر بين عامى ٢٠٠٦ و٢٠١٧، فبعدما كانت الكتلة الأكبر من السكان من فئة الشباب فى عام ٢٠٠٦ أصبحت نسبة الأطفال فى الفئة العمرية بين المواليد إلى ٩ سنوات هى الأعلى، وتشكل ٢٥٪ من المجمتع المصرى.

ويعنى ذلك أنه أثناء العام الحالي ٢٠٢١ ستتراوح أعمار ٢٥٪ من المجتمع المصرى بين ٤ و١٣ سنة، وبالتالى فإن ربع سكان مصر سيكونون فى مرحلة التعليم الأساسى، ومن هنا جاء اهتمام الدولة بملف المدارس والتعليم خلال المرحلة الراهنة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب.

وسيمتد تأثير هذا التغيير فى تركيبة الهرم السكانى حتى عام ٢٠٣٠، وستصبح تلك الفئة العريضة من السكان فى سن الزواج، لذا نتوقع خلال السنوات العشر المقبلة حدوث طفرة فى أعداد السكان حتى لو اتخذت الدولة سياسات خاصة بتحديد النسل وضبط النمو السكانى.

ونحن نعمل حاليًا بخطوات استباقية لاستيعاب تلك الزيادة المتوقعة فى أعداد السكان، مع تحقيق التنمية بحلول عام ٢٠٣٠، بكل ما يتضمنه ذلك من مشروعات إسكان وطرق ومدن جديدة تعيد التوزيع الجغرافى للسكان.

■ هل تواجه مصر خللًا فى تركيبة الهرم السكانى مقارنة بباقى دول العالم؟

- لا مطلقًا، فتركيبة الهرم السكانى لمصر شهدت تغييرًا لا خللًا، وهذا التغيير أمر طبيعى ومتكرر، ويحدث كل ١٠ سنوات بالتبادل بين فئتى الشباب والأطفال، إلا أن ذروة التغيير حدثت خلال عامى ٢٠١١ و٢٠١٢، التى شهدت أعلى معدل للمواليد منذ ٢٠ سنة، نتيجة للأوضاع غير المستقرة التى شهدتها الدولة خلال أحداث ٢٥ يناير وما تبعها من تداعيات سياسية وأمنية، وترتب على ذلك تجاوزات كبيرة فى البناء بشكل أتاح لمن يريد السكن والزواج والإنجاب.

وبشكل عام، فإن القضية السكانية ليست قضية عدد فقط، لأن السكان أو ما يسمى «الكتلة الحيوية» تعد أحد مصادر قوة الدولة، لكنها تقاس بجودة الخصائص السكانية من حيث مستوى التعليم والصحة ومعدل الأمية والابتكار وتوزيع السكان جغرافيًا، ونسبة النمو السكانى بالمقارنة بمعدلات النمو الاقتصادى.

وكلما تدنت تلك الخصائص أصبح السكان عبئًا يضعف من قوة الدولة، لكن كلما كان العدد كبيرًا ومنتجًا ازدادت دخول الأفراد، وانعكس ذلك على تحسن الدخل القومى للدولة.

لذلك، فإن الدولة أنفقت بالفعل تريليونات الجنيهات من أجل الحفاظ على ثبات مستوى الخدمات الأساسية ودخول الأفراد دون أى تراجع رغم الضغوط المتزايدة والناتجة عن ارتفاع أعداد السكان، لكن تحقيق التنمية وتحسين مستوى معيشة الأفراد يتطلبان جهدًا وتمويلًا مضاعفًا لن يتحمله الاقتصاد الوطنى.

وبالتالى، لا بديل عن العمل بالتوازى من أجل خفض معدلات النمو السكانى، نظرًا لأن أى زيادة فى الاستثمارات التى تضخها الدولة فى مختلف القطاعات، مثل التعليم والصحة والطرق والإسكان، وفى ظل الزيادة المطردة فى أعداد السكان، سيكون أقصى عائد منها هو الإبقاء على الوضع الحالى كما هو دون تراجع، ولن يشعر المواطن بأى تحسن فى مستوى معيشته، لأن الدولة ستظل منهكة لملاحقة الزيادة المستمرة فى المواليد.

■ هل شهدت معدلات النمو السكانى تحسنًا فى السنوات الأخيرة؟

- هناك تحسن فى بعض المؤشرات، مثل تراجع متوسط معدلات الإنجاب، من ٣.٤ مولود لكل سيدة فى عام ٢٠١٧ إلى ٢.٩ مولود لكل سيدة فى ٢٠٢٠، ثم ٢.٧ مولود لكل سيدة خلال عام ٢٠٢١، أى أن معدل إنجاب كل ١٠ سيدات تراجع من ٣٤ طفلًا إلى ٢٩ طفلًا ثم إلى ٢٧ طفلًا خلال ٤ سنوات فقط.

ورغم تلك المؤشرات الإيجابية فإن الوضع لا يزال مقلقًا لسببين، الأول هو الطفرة المنتظرة فى أعداد السكان بحلول عام ٢٠٣٠، بسبب تغيير الهرم السكانى، والسبب الثانى والأخطر هو أن التراجع الأخير ناتج عن أسباب اقتصادية لا وعيًا اجتماعيًا، لأنه تزامن مع فترة انتشار جائحة «كورونا» وما صاحبها من فقدان للوظائف وقلق نفسى دفع البعض لتأجيل قرار الإنجاب، كما تسبب فى تراجع معدلات الزواج بسبب الإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعى وغلق قاعات الأفراح وغير ذلك.

■ ما معدل النمو السكانى المطلوب لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستهدفة؟

- المعدل العالمى المثالى يتراوح بين ١.٩ و٢.١ مولود لكل سيدة، وهو ما يسمى «معدل الإحلال»، لتحقيق ثبات فى عدد السكان دون طفرات، ونحن فى مصر نستهدف تحقيق ذلك المعدل، أى طفلين لكل أسرة، بحلول عام ٢٠٣٠، وإلا سنواجه أزمة كبيرة.

ونحن، حاليًا، أمام أحد سيناريوهين، الأول يتوقع ارتفاع عدد السكان إلى ١٩٠ مليون نسمة بحلول عام ٢٠٥٠ عند معدل إنجاب ٣.٤ مولود لكل سيدة، والثانى يتوقع وصول عدد السكان إلى ١٤٠ مليون نسمة بحلول ٢٠٥٠ وذلك فى حال خفض معدل الإنجاب لـ١.٩ مولود لكل سيدة، والفارق هنا كبير وهو ٥٠ مليون مواطن، وذلك يشكل ضعف تعداد قارة بأكملها مثل قارة أستراليا. 

■ نجح بعض الدول مثل الصين فى السيطرة على الزيادة السكانية.. فهل تلك التجارب قابلة للتطبيق فى مصر؟

- التجربة الصينية حققت نجاحًا كبيرًا وسريعًا فى السيطرة على الزيادة السكانية، وتراجع معدل الإنجاب من ٦.٥ طفل لكل سيدة إلى ١.٩ طفل لكل سيدة، من خلال اتباع سياسات وإجراءات قاسية وقوية لن يتحملها الشعب المصرى، ومن بينها فرض عقوبات ضد الأسر التى تنجب طفلًا ثالثًا، ولا يمكن تطبيقها هنا.

■ ما الحلول القابلة للتطبيق فى الحالة المصرية التى تتضمنها الاستراتيجية القومية لتنمية الأسرة؟

- بدأنا فى إعداد الاستراتيجية القومية لتنمية الأسرة منذ أكتوبر ٢٠٢٠، وبناءً على توجيهات من رئاسة الجمهورية، أجرينا العديد من الدراسات حول خصائص السكان من تعليم وصحة وبطالة، مع التوقعات بالتغييرات الممكنة بحلول عام ٢٠٣٠.

كما درسنا تجارب الدول المشابهة فى التعامل مع الزيادة السكانية، وفى ضوء نتائج تلك الدراسات توصلنا إلى ضرورة الإسراع فى إطلاق خطة شاملة تتضمن مزايا وحوافز إيجابية للأسر الملتزمة، مع العمل على التمكين الاقتصادى والتوعية الثقافية، باعتبار ذلك هو أنجح السبل التى تتماشى مع الشعب المصرى.

ووضعنا بالفعل خطة تنفيذية للمرحلة الأولى من المشروع، تمتد ٣ سنوات، وتبدأ من نهاية العام الجارى ٢٠٢١ وحتى عام ٢٠٢٣، وتم عرضها على الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى وافق عليها، وقرر إطلاق الاستراتيجية اعتبارًا من نهاية العام الحالى ٢٠٢١.

■ ما محاور تلك الاستراتيجية؟

- المحور الأول والأهم هو محور التمكين الاقتصادى للسيدات فى الفئة العمرية من ١٨ إلى ٤٥ سنة، ويتضمن توفير فرص العمل وتحقيق الاستقلالية المالية، من خلال تنفيذ مليون مشروع متناهى الصغر، وتدريب مليونى سيدة على إدارة المشروعات، مع تأهيلهن لسوق العمل طبقًا للفرص الاستثمارية بكل محافظة.

أما المحور الثانى فهو المحور الخدمى، ويتعلق بتوفير وسائل تنظيم الأسرة بالمجان لجميع المواطنين، مع تدريب ١٥٠٠ طبيبة لمساعدة السيدات على استعمالها.

ويتعلق المحور الثالث بنشر الوعى بالآثار الاجتماعية والاقتصادية للزيادة السكانية، وذلك من خلال تنفيذ ١٢ مليون زيارة منزلية، تستهدف ٦ ملايين سيدة فى سن الإنجاب، مع العمل على تطوير ورفع كفاءة الرائدات المجتمعيات، ومكلفات الخدمة العامة.

وأخيرًا، يأتى المحور التشريعى، الذى يتضمن وضع إطار قانونى وتنظيمى حاكم للسياسات المتخذة لضبط النمو السكانى.

■ متى يبدأ إطلاق الاستراتيجية القومية لتنمية الأسرة رسميًا؟

- من المقرر أن تنطلق الاستراتيجية رسميًا بنهاية شهر أكتوبر المقبل، أو مطلع نوفمبر على أقصى تقدير، وتنفيذها سيكون على عدة مراحل، وسنعمل، خلال السنة الأولى، على تغطية القرى والمراكز الأكثر فقرًا والأعلى إنجابًا، التى تضمنتها المرحلة الأولى من مبادرة «حياة كريمة»، وهى ١٥٠٠ قرية على مستوى ٢٠ محافظة، وتقع ٧٠٪ منها فى صعيد مصر.

وللتأكد من تنفيذ الاستراتيجية على أرض الواقع، صدر قرار من الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، بإنشاء مرصد ديموجرافى لرصد وتقييم أداء المشروع القومى لتنمية الأسرة، وكذلك رصد خصائص الأسر فى الريف والمدن، وربطها بالخدمات التى ستقدم إليها تحت مظلة الاستراتيجية، والمزايا التى ستحصل عليها الأسر، مع متابعة تأثير القرارات على الخصائص السكانية أولًا بأول، ورصد الفجوات ونقاط الاحتياج للخدمات، لإعادة تخصيص الموارد المالية لخدمة الأسر الأكثر احتياجًا.

ومن المقرر أن يرفع المرصد تقارير دورية شهرية وربع سنوية وسنوية لقياس أثر الاستراتيجية القومية على أرض الواقع.

■هل هناك عقوبات ضد غير الملتزمين بقواعد تنظيم الأسرة؟

- لدنيا العديد من التعديلات التشريعية المقرر عرضها على مجلس النواب فى دور الانعقاد المقبل، وتهدف لتغليظ العقوبات على عدم تسجيل المواليد، والتسرب من التعليم وعمالة الأطفال وزواج القاصرات، وكلها تتضمن فرض عقوبات على ولى الأمر قد تصل فى بعض الأحيان إلى الحبس، والهدف منها أن تكون عقوبات رادعة لمن ينجب من أجل استغلال أطفاله كمصدر دخل. 

 

■ ما طبيعة الحوافز التى ستقدم للأسر الملتزمة بضوابط تنمية الأسرة؟ 

- الخطة تتضمن تقديم حوافز مالية من الدولة، بتمويل وطنى ١٠٠٪، لكل أسرة ملتزمة بالضوابط المحددة، التى لا تقتصر فقط على فكرة الاكتفاء بطفلين، وإنما تمتد الضوابط إلى ضمان تعليم الأطفال ورعايتهم صحيًا.

وسيتمثل الحافز المالى فى حساب بنكى، يجرى فتحه باسم السيدة التى فى سن الإنجاب، ولا يسمح بالصرف منه إلا بعد مرور ١٠ سنوات على فتحه، مع احتساب الفوائد، ويتاح لها الصرف بأحد خيارين، إما على دفعتين بينهما ١٠ سنوات، أو صرف المبلغ دفعة واحدة بفوائد أكبر عند بلوغ السيدة سن الـ٤٥ سنة، الذى يمثل نهاية سن الإنجاب، بمبلغ قد تصل قيمته إلى ٦٠ ألف جنيه كحد أقصى.