على جمعة: عبدالقادر الجيلانى كان يسبح فى الخلوة فتمتلئ نورًا

قال الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إنه يحكى عن الشيخ عبدالقادر الجيلاني إنه: كان يسبّح في الخلوة فإذا بالخلوة تمتلئ نورًا، قال: ما رأيتُ ألذَّ منه، ثم سمعت صوتًا ما سمعت أحلى منه قط في حياتي، وقال: يا عبد القادر! قلت: لبيكَ، قال: لقد أحببناك، قال: فذُبتُ كما يذوب المِلْح في الماء، وقَرَّبْنَاكَ، قال: فاقشعرَّ جلدي. أنا ربُّك يا عبدالقادر قال: لبيك ربي لبيك. قال: أحلننا لك الحرام. قال: قلت: اذهب يا لعين، قال: فانطفأ النور وشعرت ببرد وظلمة، وسمعت صوتًا ما سمعتُ أقبحَ منه قط؟ وهو يقول: عِلْمُكَ نَجَّاكَ يا عبدالقادر، والله أخرجت سبعين وليًا من ديوان الولاية بها، لماذا نذكر هذه القصة؟ لأنه علينا أن نعرف قواعد هامة: أولًا: أن الواقع لا يرتفع. (فلا يمكن أن أمسح وأمحو ما وقع فعلًا).

القاعدة الثانية: أن هناك قواعد للإيمان: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}.

وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية أن القاعدة الثالثة: أنه قد خُتِمَ الوحي بخَتم النبوة سيدنا رسول الله وخاتم النبيين ﷺ، وأنه تعالى لم يسقط التكليف عن نبي قط، فكيف يسقط التكليف عن وَلِي؟!

كل هذه القواعد هي المكوِّن لروح ونفس وعقل وقلب السيد عبدالقادر الجيلاني، ولذلك استطاع أن يخرج من هذا الاختبار الصعب، هذه القصة نتعلم منها: أنه عندما يحدث مثل هذا يجب أن تكون متلفتًا لنفسك ولربك ولقواعد دينك ولشريعتك، ولا تجعل هذه المغريات ولو كانت ملبسة ومحكمة هذا الإحكام أن تُضِلَّك عن الطريق، هذا هو علم التصوف.

يأتينا من يقول: إن هذا لم يحدث للصحابة؟ نعم لم يحدث لهم، وأيضًا الصحابة لم تعرف (Pharmacology) وهو علم الأدوية، عندما تدخل الصيدلية تجد أنواعًا عديدة من الأدوية وصل الآن إلى نحو عشرين ألف نوع، هل الصحابة يعرفون هذا؟ لا ولكن هذا نافع، هذا الكلام نقض وألغى الطب النبوي؟ لا، حاشا، لكن الطب النبوي وأنا أستعمله يجب أن أستعمله بشروطه حتى يأتي بأثر، لأنه أيضًا كان مرده مع الوحي الوجود، ولذلك عندما جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال إن أخي استطلق بطنه. فقال: اسقه عسلًا. فسقاه. فقال: إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا. فقال: صدق الله وكذب بطن أخيك. لأن فيه يقينًا، فقد يكون أخوه أخذ العسل بطريقة خطأ فلم يأت بالمفعول، ولذلك الوجود مصدر من المصادر المهمة في التصوف، المقيَّد بالكتاب والسنة.

وتابع "جمعة" إذن هذا أمر في غاية الأهمية لأن عليه جُل اعتراض المعترضين، هل الصحابة قالت حال ومقام وكشف وسر؟ لا لم تقل، كما أنها لم تقل كل مصطلحات الفقه من أولها إلى آخرها، ولا كل مصطلحات التوحيد من أولها إلى آخرها، ولا كل مصطلحات اللغة حتى الفاعل والمفعول والإضافة وكذا إلى آخره، لم تقل كل هذا، إنما هذه العلوم نشأت لحماية الدين ولتنظيمه، ولجعله قابلًا للتعلم، وقابلًا للنقل جيلًا بعد جيل، فمن هنا نهتم جدًا بمصدر التصوف (الوجود). الذي هو مقيد بالكتاب والسنة، ومن هنا فقد أجمع علماءُ التصوف أن الشريعة والحقيقة وجهان لعملة واحدة، وأن من تشرَّع دون أن يتحقَّقَ فقد تفسَّقَ، ومن تحقق دون أن يتشرَّع فقد تزندَقَ.