رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نفق «الوباء» لا يزال ممتدًا!

موجة وبائية جديدة، على أبواب أوروبا، ربما تكون أقل خطورة من تلك التى شهدتها القارة العجوز، العام الماضى، لكن ارتفاع عدد الإصابات قد يضع أنظمتها الصحية فى مأزق، والصورة أكثر قتامة فى أمريكا اللاتينية وإفريقيا وبعض الدول الآسيوية الكبرى. 

لم تدخل أوروبا والمناطق المشار إليها، فقط، دائرة الخطر، بل شهد كل مناطق العالم ارتفاعًا ملحوظًا فى عدد الإصابات الجديدة، خلال الأسبوع الماضى، طبقًا لما أعلنه مايك رايان، مدير الطوارئ الصحية فى منظمة الصحة العالمية، الذى نصح بعدم الوقوع فى خطأ الاعتقاد بأن اللقاحات وحدها تكفى لمنع انتشار الفيروس، وحذّر من عواقب تخفيف القيود والتدابير الوقائية. وما يدعم النصيحة ويؤكد صحة التحذير، أن مالطا، التى حصل ٧٩٪ من مواطنيها البالغين على اللقاح، تضاعف فيها عدد الإصابات الجديدة خمس مرات فى الأيام العشرة الماضية.

فى الولايات المتحدة، التى قامت بتطعيم أكثر من نصف سكانها، لا يتوقع الخبراء موجة جديدة من الوفيات أو اكتظاظ وحدات العناية المركزة، لكنهم أكدوا استمرار الخطر، لأنه لا يزال من الممكن، نظريًا، إصابة بعض الأشخاص الذين تم تطعيمهم بمضاعفات طويلة المدى، جراء الإصابة. كما أعلنت أستراليا، أمس الإثنين، عن تسجيل ارتفاع جديد فى عدد الإصابات. وأصبح المتحور «دلتا»، الذى تم اكتشافه فى الهند، مصدر قلق من اتساع رقعة الموجات الوبائية الجديدة، لكونه أكثر انتشارًا من سلالة «ألفا»، التى انطلقت من بريطانيا.

إلى جانب تحذيرات منظمة الصحة العالمية، قال «المركز الأوروبى لمكافحة الأمراض المعدية» إن الموجة الجديدة قد تشهد عددًا أكبر من الإصابات، ومع الخريطة، التى ينشرها أسبوعيًا للتنبيه من مخاطر السفر داخل دول الاتحاد الأوروبى، أرفق تحذيرًا من أن المتحور «دلتا» تتسع دائرة انتشاره بسرعة، وقد يجتاح جميع دول الاتحاد قبل نهاية هذا الصيف، ليعيد رسم مشهد وبائى قاتم، بعد أشهر من التراجع فى عدد الإصابات والوفيات واستعادة المنظومات الصحية عافيتها.

المركز الأوروبى حذّر، أيضًا، من خطورة الانقياد وراء الثقة المفرطة فى قدرة اللقاحات على منع انتشار الوباء، خاصة خلال هذه الفترة التى تشهد حركة تنقل كثيفة وتجمعات كبيرة يشارك فيها شباب لم يتلقوا اللقاح. ودعا خبراء المركز الحكومات الأوروبية إلى تشديد تدابير الرقابة على أنشطة الشباب وتحركاتهم خلال فترة الصيف، وتكثيف جهود التلقيح وزيادة حملات التوعية.

اللافت، أن خريطة المركز الأخيرة، أظهرت معظم الدول الأوروبية باللون الأخضر، الذى يدل على تدنى مستوى المخاطر، بينما ظهرت إسبانيا والبرتغال، فقط، باللون الأحمر كمؤشر على درجة عالية من الخطورة. كما أظهرت قاعدة بيانات جامعة أكسفورد تفاوتًا كبيرًا فى عدد الإصابات الجديدة بالدول الأوروبية، تراوح بين ٧ و٣١٧ إصابة لكل مائة ألف مواطن. 

النسبة المرتفعة كانت من نصيب إسبانيا، التى بدأت، منذ مايو الماضى، تخفيف التدابير الوقائية، فى حين لم ترفع فرنسا القيود على أماكن الترفيه الليلية حتى نهاية الأسبوع الماضى، وواصلت ألمانيا منع التجمعات فى الأماكن المغلقة لما يزيد على عشرة أشخاص. وبالنظر إلى الزيادة الواضحة فى عدد حالات الإصابة فى بريطانيا، قال فرانك أولريش مونتجومرى، رئيس الاتحاد العالمى للأطباء، إن إلغاء القيود، المخطط له هناك، تصرف «غير مسئول على الإطلاق».

المهم، هو أن الدول الأوروبية تستعد لمواجهة أسبوع حاسم فى معركتها ضد الوباء، بعد أن سجل معظمها ارتفاعًا فى عدد الإصابات لعشرة أيام متتالية. ومن المفترض أن يكون الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، قد أعلن عن حزمة جديدة من القيود والتدابير الوقائية، فى كلمته، بعد الاجتماع الاستثنائى الذى عقده مجلس الدفاع الوطنى، أمس الإثنين، بشأن الأزمة الصحية.

أمام المنتدى الأوروبى حول تداعيات «كورونا المستجد» على الاقتصاد العالمى، بدا جوزيب بوريل، مسئول العلاقات الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، أكثر تفاؤلًا، وقال إن «أوروبا بدأت تخرج من نفق الوباء»، لكنه رجّح ألا يتجاوز العالم هذا النفق قبل حلول سنة ٢٠٢٣، أى بعد عام ونصف العام تقريبًا، وجدد تحذيرات الأمم المتحدة من عواقب عدم توزيع اللقاحات على جميع دول العالم بسرعة وعدالة وإنصاف، متجاهلًا أن الاتحاد الأوروبى لا يزال يفرض قيودًا على تصدير اللقاحات، ويضع كل إنتاج شركات الأدوية الأوروبية تحت رقابة مشددة!.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الوباء، كما أوضح بوريل وسبقه إلى ذلك كثيرون، سيترك لنا عالمًا مختلفًا عن ذلك الذى كنا نعرفه: عالم رقمى بامتياز، مع فوارق كبيرة وأعمق من شأنها أن تهدد الاستقرار الاجتماعى والسياسى فى مناطق كثيرة. وعليه، بات التحذير واجبًا من تزايد حالة التمزق التى يعيشها العالم، والتى قد تجعله أكثر اضطرابًا وأقل استقرارًا.