رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ومن الفتوى ما قتل

استيقظ ذات يوم فوجد ابنته ذات التسع عشرة عاما المصابة بحالة نفسية قد اختفت ولم يبد لها أثر.
استمرت الأسرة في البحث المضني دون جدوى لشهور عديدة إلى أن فقدوا الأمل ؛ إلا أن مكالمة هاتفية تخبرهم أن ابنتهم موجودة عندهم؛ بدد ظلام اليأس. انطلق الأب والأعمام إلى العنوان الذي أمدتهم به صاحبة المكالمة.
بعد لقاء حار بين الفتاة وأبيها وأعمامها؛ كانت الأحضان والدموع الساخنة سيدة الموقف؛ أخبرت السيدة التي تبدو عليها إمارات الطيبة أن ابنتهم بخير؛ وأنها أحبتها وزوجتها ابنها الوحيد. أذهل الخبر الأب؛ ولم يرتح إلى تلك القصة على الرغم من العقد الرسمي لتلك الزيجة؛ فانطلق يستفتي أحد الشيوخ الذي أخبره أن تلك زيجة باطلة لأنها تمت بغير إذنه كولي لها؛ وأن العلاقة التي تمت بين ابنته وزوجها زنا.
استشاط الرجل غضبا وانطلق إلى منزل ابنته وذبحها تطهيرا لشرفه وغسلا لعارها.
حين شاهدت هذه القصة و لأب يروي أحداثها؛ كنت أضرب كفا بكف من بعض من يسمون أنفسهم شيوخا وهم يفتون في أمور مصيرية فيأخذون برأي فقهي ويتركون آخر دون مراعاة لواقع الظرف الذي يفتون فيه وما قد يترتب على ذلك من مفسدة كالتي حدثت؛ مع أن الأصل أن الرسول صلي الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما. وكما أن هناك رأيا فقهيا بأنه لا يجوز للبكر أن تتزوج بغير إذن وليها استنادا لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" فإن أبي حنيفة ومعه بعض الفقهاء؛ يرى أن المرأة إذا زوجت نفسها كفؤا بشاهدين فذلك نكاح جائز، وهو قول زفر من الحنفية.
ويقول الأوزاعي: إذا ولّت المرأة أمرها رجلاً فزوجها كفؤا فالنكاح جائز، وليس للولي أن يفرق بينهما إلا أن تكون عربية تزوجت مولى؛ إذ لا كفاءة في تلك الحالة.
وفسّر القائلون بمذهب الزهري وأبي حنيفة والشعبي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي»؛ أي على الكمال لا على الوجوب، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد»، على افتراض أن الحديث صحيح.
وورد عن القرطبي قال: «وقد كان الزهري والشعبي يقولان: إذا زوّجت نفسها كفؤا بشاهدين فذلك نكاح جائز».
إن هذا الرجل الذي لم يكتف بالفتوى ببطلان الزواج وتمادى في الفتوى فوصف العلاقة بالزنا دون الوقوف على الواقع والأخذ برأي دون آخر كان يلائم واقع الحالة ويحول دون ما يترتب على الأخذ بالراي المتشدد من مفسدة عظيمة بإزهاق نفس ابتغت الحلال عن جهل بخلاف فقهي في حالتها.
؛ لا يختلف كثيرا عن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا فلما أراد التوبة فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلوه على راهب فقال له لا أجد لك توبة فقتله وأكمل المائة. وسأل غيره هل لي من توبة فقال نعم ومن يحول بينك وبين التوبة؟

للأسف كثيرون يتصدون للفتوى بغير فقه؛ وفارق بين حامل العلم والفقيه؛ فحامل العلم حافظ للعلوم لكن قد يكون بغير فقه أو فهم؛ والفقيه حامل للعلم يفقه ما فيه ويفهمه ويميز بين مسائله فينزل كل مسألة منزلها.
إن هذا الشيخ الذي أفتى برأي دون رأي ووصف العلاقة بما يستوجب غسل العار لشريك أصيل في تلك الجريمة يستحق العقاب.