رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

برامج رمضان فى الميزان (2 -2)

  في ذات السياق البرامجي، ولكن على صعيد آخر - يمكن أن يكون مفهومًا ومتقبلًا - كانت هناك برامج الطهي المعتادة في ذلك الموسم البرامجي، قدمتها وجوه أصبحت معتادة من أشهر الطهاة. معظم هذه البرامج - للأسف - لم تضع في اعتبارها الظرف الاقتصادي الذي مرت به البيوت المصرية هذا العام.

طلبت تلك البرامج في غالبية الأحوال مقادير وخامات طهي مبالغ فيها تناسب فئة مجتمعية محدودة العدد مهما زادت قياسًا بتعداد سكان المحروسة. أمر قد يكون فيه بعض الاستفزاز للجمهور، ليتركهم أمام خيار واحد هو هجر تلك البرامج لأهلها وللجمهور المحدود الذي سيجد فيها نفعًا وفائدة تليق بميزانيته خلال شهر رمضان. آخذ على تلك البرامج أيضًا تركها الساحة كاملة للطهاة بحيث انفردوا بتقديم المحتوى دون وجود برامجيين مهنيين يستضيفون الطهاة، وفي هذا نوع من الخلط الذي لا أحبه ولا أستسيغه، خاصة وقد سمح بعض هؤلاء الطهاة  لأنفسهم بمناقشة أمور عامة تخرج عن نطاق تخصصهم وسياق برامجهم، فضلًا على كونهم غير مؤهلين لطرح مثل تلك الموضوعات ومناقشتها على الهواء كقادة رأي.

      كما قدم عمرو أديب برنامجًا حواريًا شاركت في تقديم بعض حلقاته المطربة أصالة - فيما لم أفهمه - وهو فورمات برامجي بسيط اعتمد على الحوار الهادئ والإنساني من نوعية حوار الشخصية، حيث استضاف عددًا من كبار النجوم، نجحت الجهة المنتجة في حشد أسماء عربية كبيرة كضيوف له، وإن كنت أظن أن بعض ضيوفه لم تكن حلقاتهم تحتمل مدة البرنامج الطويلة نسبيًا.

ولهذا كانت حلقات تستدعي جهدًا أكبر من معدي البرنامج لخلق محاور جديدة أعتقد أن أديب اضطر أحيانًا لارتجالها بخبرته لتكتمل الحلقة مع المصدر.

        ثم نأتي لشكل برامجي هو برامج "النميمة"، وإن لم يكن هذا تصنيفًا أكاديميًا تعترف به كليات الإعلام، ولكنه أصبح تصنيفًا واقعيًا لبعض البرامج الحوارية التي تقوم على التقليب في ملفات الضيوف من نجوم المجتمع والسؤال الثابت - وإن كان بصيغ مختلفة - من عينة ما ردك أو ما رأيك أو ما قولك فيما نسب إليك؟ بحيث أصبحنا نرى تكرارًا في الأسئلة وهي في غالبها حوارات شخصية لا تفيد جمهور المشاهدين ولا تترك أثرًا إيجابيًا، بل تنكأ جراحًا عند الضيوف وتنتقص من صورتهم الذهنية لدى الجماهير.

وفي هذا السياق تجد برامج من نوعية: حبر سري، العرافة، وهي برامج تدعوك في النهاية لطرح السؤال: ما الذي أجبر الضيف على الحضور لكشف ما خفي من أسراره، هل هي ميزانيات البرامج؟ ربما. لكن خسارة النجم غالبًا ما تكون أفدح مما تحصل عليه مقابل الظهور البرامجي.

    أستثني من تلك النوعية برنامج "ع المسرح" لمقدمته منى عبدالوهاب، الذي نجح صناعه نسبيًا في عدم الانزلاق إلى مستوى برامج أخرى مشابهة، ويعد هذا البرنامج هو الأنضج فنيًا في مسيرتها التي شهدت عددًا من البرامج الأخرى الناجحة. فيما تستمر انتقادات الجمهور لبرنامج المقالب الشهير لرامز جلال والذي يجتهد في تغيير الاسم ويحاول تغيير فورمات البرنامج كل عام، لكنه يظل قابعًا في مربع برامج المقالب.

    حرصت هذه البرامج في معظمها على استضافة شخصيات مثيرة للجدل، أقل ما يوصفون به أنهم ضيوف مستديمة لبرامج الإثارة، يصاحب الجدل معظهم أينما حلوا، وهذا هو رصيدهم الوحيد الذي يقدمون به أنفسهم. وفي المقابل افتقدت مثل تلك البرامج ضيوفًا من العلماء والكتّاب والأدباء والمفكرين، لصالح وجوه مكررة ولمناقشة أمور شخصية وليست قضايا عامة تهم الوطن والمواطن وتدفع بالمجتمع إلى الأمام، فأين مثلًا نجوم مصر الحقيقيون من أمثال: سلماوي وأبوالغار ويعقوب وحجازي ونعينع والمخزنجي ونوار وشهاب وغيرهم  في كافة المجالات.

     ورغم بعض تلك الملحوظات التي رصدتها آنفًا، إلا أنني في النهاية أراه موسمًا برامجيًا ناجحًا بتقديمه عددًا من البرامج الهادفة. يبقى على القنوات فقط أن تترك مساحة أكبر للبرامج على حساب الدراما، وأن تستعين ببرامجيين من ذوي الكفاءة - حتى ولو كمعدين - لضخ أفكار وفورمات أكثر مواكبة للعصر ومراعاة لتوقيت البث وتوافقًا مع الوسيلة المرئية التي تبث تلك البرامج عبرها، وأكثر وعيًا  برموز القوة الناعمة المصرية التي يجب أن نصدّر تجربتها لجمهور المشاهدين خلال موسم رمضان البرامجي باعتباره الأعلى متابعة على مدار العام.