قال أن شعره كالبحر متعدد الألوان والأمواج
شهادة يحيى حقي: الرباعيات هي صلاح جاهين
لم يكتب أحد عن إبداع صلاح جاهين الذي تحل ذكرى رحيله في 21 إبريل الجاري، الشعري كما كتب يحيى حقي، وكأن يحيى حقي بأبوته الروحية وفنه العظيم كما يقول فاروق شوشة كان يعتذر نيابة عن كل نقاد العصر الذين تجاهلوا صلاح جاهين ولم يحاولوا الاقتراب من نجوم عبقريته إلا بعد رحيله.
- يحيى حقي يكشف عن عبقرية شاعر العامية الأكبر
يتحدث الشاعر الكبير والإعلامي فاروق شوشه في جريدة الأهرام بتاريخ 3 يونيو 2001، عن دور يحيى حقي وريادته في الكشف عن عبقرية شاعر العامية الأكبر صلاح جاهين فيقول: "ولعلي أبادر إلى تسجيل سبق يحيى حقي وريادته في الكشف عن عبقرية صلاح جاهين في رباعياته، وكان الظن الشائع لدى الجمهور الأدبي وعامة المثقفين أن العامية غير قادرة على أن تكون لغة فكر، تغتني بمضامين فلسفية ومعان مجردة وقضايا كبرى، وأن الفصحى -بحكم الميراث والتاريخ والإمكانيات- هي القادرة على حمل هذا كله والاتساع لتجلياته وفنون إبداعه، فإذا بعامية صلاح جاهين في رباعياته تزاحم الترجمات الفصيحة لرباعيات الخيام، وإذا بهذا القالب "الرباعيات" المحدد التصميم، يتوهج بما يمتلئ به من وعي إنساني وخبرة حياتيه وجودية وعمق بصيرة ونفاذ رؤية وعمق تأمل يفوح بها جميعا عطر صلاح جاهين".
- الرباعية بمثابة الومضة المتألقة
بتلك الكلمات ينسب فاروق شوشة الفضل ليحيى حقي في الكشف عن عبقرية صلاح جاهين، كتب يحيى حقي عن قالب الرباعيات: “هي أحب قوالب الشعر عندي لأنها تعين على نفي الفضول وعلى التحرر من أسر القافية، فتجئ كل رباعية بمثابة الومضة المتألقة، أو بمثابة الحجر الكريم، قيمته فى اختصاره إلى قلبه، وصقله، لا في كبر حجمه”.
ثم يقترب "حقي" أكثر من فن "جاهين" وسماته شديدة التفرد والتميز فيقول: "هذه الرباعيات هي صلاح جاهين، وصلاح جاهين هو هذه الرباعيات، لذلك لم يجد غضاضة في أن يتخذ من نفسه هو مرجعا لكل رموزه، فقد وصف نفسه بأنه قرين مهرج السيرك، لا تدري هل هو يضحك أم يبكي، هل هو مطمئن أم خائف، هل هو مستسلم للحياة أم رافض لها، هل هو يؤمن بالبشر أم يكفر، بافناء أم بالبقاء، هل يعطف على ضعف الإنسان أم يضيق به؟ قد لا تعرف كيف تجيب على هذه الأسئلة ولكنك ستعرف -ولا ريب- شيئا واحدا لا يمكن لك إنكاره هو أنك لقيت عنده السعادة التي كنت تتمناها ولا تجدها، أن تقابل فنانا أصيلا لا حد لإنسانيته ورقته وصدق نظرته وعمقها، هو وحده الذي يجود عليك بفيض الكريم".
- شعر جاهين كالبحر متعدد الألوان والأمواج
كان شعر صلاح جاهين في نظر يحيى حقي ماء كالبحر الخضم الذي يصعب عليك أن ترى ساحله إنه يبتلعك فتغوص فيه، وهيهات أن تصل إلى أعماقه، متعدد الأمواج والألوان، بل هو كالغابة المتشابكة يتكشف لك عند كل خطوة منظر مختلف، أنت ماض في سبيلك ولكنك ربما تكون قد ضللت الطريق من حيث لا تدري وكأن الغابة تستدرجك عن عمد لتفنى بين أحضانها، أما صلاح نفسه فهو في نظر يحيى حقى ابن بلد مصفى، لم يفسده التعليم أو التثقيف بل زاده رقة على رقة.
- تقارب روحي
ويحكي فاروق شوشة عن التقارب الروحي بين جاهين وحقي، بل أبوة حقي لجاهين، فحين دعى شوشة حقي ذات مرة ليكون ضيفا في إحدى حلقات السهرة التليفزيونية "شريط الذكريات" وكانت المفاجأة في إصرار يحيى حقي على أن يكون صلاح جاهين ضيفه في هذه السهرة، وأن يترك لهما الكاميرا والميكرفون ليتحاورا معا دون حاجة إلى تدخل من شوشه أو من غيره، وهو ما حدث بالفعل حيث تبادل كل من حقي وجاهين موقف المذيع والضيف، كل منهما يسأل وكل منهما يجيب، في فقرة تعد كنزا من كنوز التليفزيون النادرة.
و يعلق "شوشة" الذي سببا مباشرا في إجراء هذه السهرة التي لم تتكرر "هل هي الرغبة الحميمة في أن يفضي كل منهما إلى الآخر دون عائق؟ أم أن كلا منهما كان يرى فى الآخر مرآة نفسه وصدى لاهتزاز عقله ووجدانه، فلم يشأ للمرآة أن تعكس غير ذاته ولا للصدى أن يضيع في تلافيف المداخلات والمقاطعات"، لكن أيا ما كان الأمر فقد كشف يحيى حقي فى هذه السهرة التليفزيونية الفريدة عن انشغاله بشعر صلاح جاهين ورباعياته على وجه التحديد.