رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كوسوفو والقدس.. صفقة عبثية


لا تزال كوسوفو مشروع دولة، أو مجرد إقليم يسعى للاستقلال عن صربيا، ولم يحصل بعد على عضوية الأمم المتحدة. ومع ذلك، امتلكت حكومة الإقليم، الساقطة بحكم قضائى، جرأة، أو بجاحة، الخروج على الشرعية الدولية، وانتهاك القانون الدولى، واعترفت بالقدس عاصمة للدولة العبرية، وأقامت لها سفارة فى المدينة المحتلة.

خلال مراسم افتراضية، أقيمت فى مدينتى القدس وبريشتينا، الإثنين الماضى، عبر تطبيق «زووم»، قام وزيرا خارجية الكيانين: جابى أشكينازى وميليزا هاراديناى ستوبلا بتوقيع إعلان تطبيع العلاقات، بناء على صفقة عبثية، عقدتها الإدارة الأمريكية السابقة مع حكومة عبدالله هوتى، التى تشكلت فى ٣ يونيو الماضى، بأغلبية برلمانية ضئيلة: ٦١ صوتًا من أصل ١٢٠، وفى ٢١ ديسمبر قضت المحكمة الدستورية الكوسوفوية، بعدم شرعية التصويت على تشكيلها.

كوسوفو، أيضًا، بلا رئيس، وتتولى المنصب فيوسا عثمانى، رئيسة البرلمان، بشكل مؤقت، منذ استقالة هاشم تاجى «ثاتشى أو تقى»، Hashim Thaçi، فى ٥ نوفمبر الماضى، واحتجازه فى لاهاى إثر اتهام المحكمة الخاصة بكوسوفو له بارتكاب عدد من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وبالمسئولية الجنائية عن حوالى مائة جريمة قتل حين كان قائدًا لـ«جيش تحرير كوسوفو» الانفصالى، الذى خاض حربًا ضد الصرب، أودت بحياة أكثر من ١٣ ألفًا. والمذكور، كان مدعومًا من واشنطن، وسبق أن وصفه جو بايدن، حين كان نائبًا للرئيس الأسبق باراك أوباما، بأنه «جورج واشنطن كوسوفو» بزعم وجود تشابه بينه وبين أول رئيس أمريكى!.

المهم، هو أن المراسم الافتراضية لتطبيع العلاقات بين الكيانين الافتراضيين، تفاخر بها وزير الخارجية الإسرائيلى، لكونها المرة الأولى فى التاريخ التى تقام فيها علاقات دبلوماسية عبر «زووم». ووصف تلك العلاقات بأنها تاريخية وقال إنه يقدر تضحية كوسوفو بإقامة سفارتها فى القدس، لأنها «خطوة غير عادية مخالفة لموقف منظمة الدول الإسلامية، التى تنتمى إليها كوسوفو الأوروبية المسلمة». وفى المقابل قدمت وزيرة الخارجية الكوسوفية الشكر لإسرائيل على كونها الدولة رقم ١١٧، التى تعترف باستقلال بلادها، وأشارت إلى أنها تحدثت، مؤخرًا، مع نظيرها الأمريكى، أنتونى بلينكن، وأنه نقل إليها دعم الرئيس جو بايدن.

لا نعرف من أين جاءت المذكورة برقم ١١٧، فالثابت هو أن مشروع تلك الدولة، أو شبه الدولة، لم تعترف به، إلى الآن، غير ٩٢ دولة أو ٩٣ لو أضفنا إسرائيل. وكان العدد قد وصل إلى مائة، ثم سحبت ١٨ منها اعترافها، أحدثها سيراليون. وفى كل الأحوال ما زال هذا المشروع يحتاج إلى اعتراف دول أخرى كثيرة، حتى تحصل على عضوية الأمم المتحدة: يحتاج إلى اعتراف ثلثى عدد الأعضاء، أى ١٢٩ من أصل ١٩٣ دولة، إضافة إلى موافقة مجلس الأمن، التى لن تتم، لو ظلت روسيا والصين، غير معترفتين به، والدولتان، كما لعلك تعرف لهما حق الفيتو.

الإقليم ذو الغالبية المسلمة أعلن، فى مثل هذا الشهر سنة ٢٠٠٨، استقلاله عن صربيا من جانب واحد، وكان الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، قد أعلن فى سبتمبر الماضى عن إقامة علاقات بين الكيانين فى إطار صفقة مزدوجة، أو مركّبة، نراها عبثية، شملت توقيع اتفاق ثنائى بين صربيا والولايات المتحدة. ووقتها أكد الرئيس الصربى ألكسندر فوتشيتش أن الاتفاق يتعلق فقط بالتعاون الاقتصادى ولا يتضمن الاعتراف بكوسوفو كطرف يتمتع بكيان قانونى دولى.

تطبيع العلاقات بين الكيانين رآه الاتحاد الأوروبى «أمرًا جيدًا»، لكنه أعرب عن أسفه لقرار افتتاح سفارة فى القدس. وقال بيتر ستانو، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية، إن سفارات دول الاتحاد جميعها، يجب أن تكون فى تل أبيب، التزامًا بقرار الأمم المتحدة، وأشار إلى أنه يتوقّع من كوسوفو أن «تسير على هذا الخط وألا تخاطر بالمساس بهويتها الأوروبية».

أيضًا، أدانت جامعة الدول العربية، والبرلمان العربى، فى بيانين منفصلين، اعتراف كوسوفو بالقدس عاصمة لإسرائيل، وافتتاح سفارة فى المدينة الواقعة تحت الاحتلال. والشىء نفسه، فعلته الخارجية الفلسطينية ودعت كوسوفو، أمس الأول الأربعاء، إلى التراجع عن قرار فتح سفارة فى القدس، الذى وصفته بأنه «مخيب للآمال والتوقعات». وقالت، فى بيان، إن تلك الخطوة «تتناقض تمامًا مع كل ما تحاول بريشتينا القيام به لإقناع دول العالم للاعتراف بها».

اعتراف هذه الدولة أو تلك بالقدس عاصمة للدولة العبرية، أو افتتاحها سفارة فيها، لن يغير من حقيقة كون المدينة تحت الاحتلال، ومحظور على الدول إقامة بعثات دبلوماسية فيها. لكن ما يعنينا فى حالة «جمهورية كوسوفو» المزعومة، هو أنها حصلت على عضوية منظمة التعاون الإسلامى، ونالت اعتراف ٣٤ من الدول الـ٥٧ الأعضاء فيها، ما يُوجب على المنظمة طردها أو شطبها، وعلى الدول الـ٣٤ سحب اعترافها، الآن.. الآن.. وليس غدًا.