رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا نحب؟ «2-2»



يحب الناس فى جميع أنحاء العالم، يغنون للحب، يرقصون للحب، يؤلفون القصائد والقصص عن الحب، يتلون الخرافات والأساطير عن الحب، يتوقون للحب، ويعيشون للحب، يُقتلون من أجل الحب، ويموتون من أجل الحب.
وحال كل محب كما يقول الشاعر الأمريكى: والت ويتمان: «أوه، وأود أن أجمع الكل من أجلك»، لا يوجد مجتمع يخلو من الحب.
ولكن الحب ليس دائمًا تجربة سعيدة.. فكما تقول العالمة الأمريكية هيلين فيشر: «فى دراسة عن طلاب الجامعات، سألوا الكثير من الأسئلة عن الحب، ولكن أكثر سؤالين استوقفانى: هل سبق لك أن تم رفضك من قِبل شخص كنت تحبه حقًا؟، والسؤال الثانى هو: هل سبق لك أن هجرت شخصًا أحبك بحق؟»، وتقريبًا ٩٥ فى المائة من الرجال والنساء، على حد سواء قالوا نعم. تقريبًا لا أحد يخرج من الحب على قيد الحياة.
الشاعرة إميلى ديكنسون كتبتُ ذات مرة «الفراق هو كل ما نحن بحاجة لمعرفته من الجحيم»، فالحب الرومانسى هو واحد من أقوى الأحاسيس على وجه الأرض، وتعتقد «فيشر» أن الحب الرومانسى هو إدمان. إدمان رائع عندما تسير الأمور على ما يرام، وإدمان مروع عندما تسوء الأمور.
يمتلك الحب كل خصائص الإدمان، عليك التركيز على الشخص، وتفكر بتعلق شديد به، التوق له، يجعلك تشوه الواقع، لديك الاستعداد لتحمل المخاطر الهائلة للفوز بهذا الشخص، وهو أعلى بكثير من مجرد ذروة الكوكايين.
الحب الرومانسى هاجس يتملكك، تفقد شعورك بالذات، لا تستطيع التوقف عن التفكير بالشخص الآخر، شخص ما يخيم فى رأسك، شاعر يابانى من القرن الثامن يصفه بالقول: «شوقى ليس له وقت ليتوقف»، الحب متوحش، والهاجس يصبح أشد عندما تُرفض.
وفى كتابها «لماذا نحب؟»، تلقى هيلين فيشر الضوء على واحد من أهم الاتجاهات الاجتماعية الذى أصبح كبير الأثر على الحب الرومانسى، وهذا الاتجاه هو: دخول المرأة سوق العمل.
لقد فحصتْ ما بين ١٣٠ و١٥٠ مجتمعًا من خلال سجلات السكان السنوية بالأمم المتحدة، ووجدتْ أن معظم نساء العالم ليس فقط يدخلن فى سوق العمل، وإنما فى بطء شديد يملأن الفجوة التى بين الرجال والنساء من حيث القوة الاقتصادية والصحة والتعليم. وتستغل النساء المهارات المخية المميزة لهن فى اختيار ما يناسب إمكانياتهن، فاليوم ٥٤٪ من الكتاب بأمريكا من النساء، إنها إحدى المواصفات العديدة التى يتصفن بها، لقد تميزن بمهارات لا تصدق وقدرة على التفاوض، ويتمتعن بخيال خصب، ونحن نعلم الآن دورة المخ الخاصة بالخيال والخطط طويلة المدى، فهن يملن للعمل كمفكرات متشعبات، وذلك لأن أجزاء المخ الخاصة بالمرأة متصلة بشكل جيد، فهن يملن لجمع العديد من البيانات عندما يفكرن، ويضعن هذه البيانات فى أكثر من نموذج معقد لإيجاد أكثر من اختيار وأكثر من نتيجة، فهن يفضلن أن يكن مفكرات شاملات وملمات بكل شىء.
والمأمول أن نتجه نحو مجتمع متعاون فى مجتمع أصبح أكثر تفهمًا لمواهب النساء والرجال وتقديرًا وتوظيفًا.
وقد تغيرت على مدى قرون التقاليد الخاصة بالحب والزواج، وأصبح هناك ارتفاع فى الحب الرومانسى.. ٩١٪ من النساء و٨٦٪ من الرجال الأمريكيين لن يتزوجوا شخصًا ما لديه كل ما يشتهون فى شريك العمر، إن لم يكونوا فى علاقة حب مع ذلك الشخص. الناس حول العالم، فى دراسة لـ٣٧ مجتمعًا، يرغبون فى أن يكونوا فى حب من يتزوجون، بالطبع، الزيجات المدبرة فى طريقها للخروج من هذا الشريط لحياة الإنسان.
الاتجاه الثانى الذى سيجعل الزيجات أكثر استقرارًا بفعل الاتجاه العالمى الثانى العظيم. وهو أن يصبح سكان العالم أطول عمرًا. فقد زاد متوسط عمر الإنسان فى كل مكان فى العالم، وسيصبح متوسط عمر الإنسان أكثر من ٧٦ عامًا.
وبالنظر إلى بيانات الطلاق فى ٥٨ مجتمعًا، اتضح لهيلين فيشر أنه كلما تقدم العمر بالإنسان يقل احتمال الطلاق. لذا فمعدل الطلاق أصبح مستقرًا فى أمريكا، وهو ينخفض فى الواقع، وربما ينخفض أكثر مع الفياجرا، وبدائل الاستيروجين.
وتضحك عالمة الأنثروبولجى قائلة: لم يحدث فى تاريخ الكوكب إن كانت النساء، متعلمات جدًا، مثيرات جدًا، قادرات جدًا كما هو الآن. ولذا فبكل صراحة أعتقد أنه إذا كان هناك أى وقت فى تاريخ تطور الإنسان، حيث أتيحت الفرصة لعمل زواج ناجح، فإن الوقت هو الآن.