رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فؤاد حداد في عيون محبيه.. جماعة شعر في جسدِ واحد

الشاعر فؤاد حداد
الشاعر فؤاد حداد


تمر اليوم الذكرى الـ35 لرحيل الشاعر فؤاد حداد، الإمام كما وصفه الأبنودي والذي رضي به الشعراء، مازال أحد أبرز وأشهر شعراء العامية المصرية والذي رحل عن عمر يناهز 58 عامًا.

عن الشاعر الراحل فؤاد حداد في عيون الأجيال الجديدة كان هذا الملف للدستور:

• مثل جراب الحاوي لا تنفد عجائبه
يقول الشاعر محمود الحلواني، إن تجربة فؤاد حداد تجاوزت تخوم الشعر الغنائي إلى غيره من الفضاءات السرد شعرية، التي راح يقدمها- بجرأة- كاقتراحات وبدائل فنية وجمالية جديدة، استقدم لبنائها أدوات وتقنيات من فنون وسرود شتى، ينتمي جلها إلى التراث العربي، الشفاهي منه والمكتوب، الأمر الذي لا يمكن معه اختزال تجربة حداد في شكل أو صورة، أو مضمون.

ويشير الحلواني إلى أنه لم تكن صورة الشاعر الغنائي هي الصورة الوحيدة أو المهيمنة على تجربته الشعرية، وربما أيضا لم تكن أكثر صور الذات الشاعرة حضورا فيها، إذ تعددت صورها بتعدد التقنيات التي استعارها من فنون شعرية وسردية أخرى، وكذلك بتعدد السرود التي أسهمت في إنجازها تلك التقنيات، ومن ثم اختلفت صورة الشاعر، وقد وضعتنا سرود حداد المختلفة أمام رواة متعددين، يتناوبون السرد من كتاب لآخر، بل ومن نص لآخر.

ويؤكد الحلواني أن الحداد شاعر سِيَر وملاحم، منشد صوفي، فقيه لغوي، أدباتي، مسحراتي، بلياتشو وأراجوز. حداد حامل فنون الشارع التي طالما مارسها فنانو الشعب بعيدا عن خشبة المسرح وتقاليدها الرصينة، وريث الموال والهم الثقيل والحلم الكبير. ومع ذلك فهو الحافظ لمتون التراث، والشيخ العارف بفنونه وقواعده وضوابطه.

ويضيف الحلواني يبدو الشاعر الراحل فؤاد حداد، مثل جراب الحاوي، لا تنفد عجائبه. يفاجئك بالتفاتاته المدهشة شديدة التفلّت، يطوِّح بك بعيدا، يضعك في قلب دوامة، أو على حافة شلال، يحملك على إيقاع دفاق، سيّال، هادر، بمزاجٍ متقلب، ولغة عامية خصبتها الفصحى، أو فصحى خصبتها العامية، فلا تعرف بأي جناح ستضرب، ولا بأي خيالٍ مستبد سيأخذك صاحبها وأين سيستقر بك.

ويختم الحلواني بأن الحداد يتجاوز كثيرا كونه شاعرا وكونه مصريا وكونه فردا. لم تشغله هموم نفسه، ولا هموم وطنه الأصغر، عن انتمائه العربي الإسلامي الأوسع، وعن هموم جماعته المرجعية الأشمل، فاختار أن يكون شاعرها وراويها، الأمر الذي رفد الكثير من أشعاره بنَفَس ملحمي أكيد، يعد من أبرز ملامح تجربته الشعرية.

• لقد زدنا شاعرًا
يقول الشاعر سعيد شحاتة: يتحرك الزمن بآلياته وناسه وخطاه الثقيلة على أفئدة الشعراء الشعراء.. ليسقط منهم من التفت فوق آلته الحادة ويبقى من تؤهله تجربته الصادقة على البقاء، من الصادقين القادرين على هذه الاستمرارية عمنا الكبير الأب فؤاد حداد، هذا الرجل الذي وهب حياته للشعر فبقى شاعرًا ضخمًا يتحدى مرور الأيام بكلماته وصدقه وسعة ثقافته وتجربته الجادة العظيمة.

ويلفت سعيد شحاته إلى أن من الحكايات التي تدهشك عن هذا الكبير كلام الشاعر محمد كشيك عنه، كان يحكي ويبكي كلما ضربه الشوق لفؤاد حداد.

ويضيف شحاتة، حكى لي الشاعر الراحل محمد كشيك عن والد الشعراء عمنا وأبينا فؤاد حداد العديد من الحكايات المشرفة المبهجة المشرقة، أبسطها أنه كلما ذهب إليه شاعر شاب استقبله استقبال الفاتحين واستمع إليه وكأنه يستمع إلى رجل مجرب وإذا أجاد الشاعر تهللت أساريره وهو يقول لقد زدنا شاعرًا.

ويوضح شحاتة كان كشيك يحكي وعيناه تفيض بالمحبة ولا يكف عن الحكي إلا إذا اتصل بي مدير إدارتي لأمر ملح.. حينها أتركه وأنا كلي شوق لاستكمال رؤية البهجة التي تطل من عينيه وهو يحكي عن أستاذ الشعراء ومصمم هيكل قصيدة العامية المصرية ووالد الشعراء.

ويختم سعيد شحاته "لقد زدنا واحدًا. عبارة الشاعر الذي يبحث عن دفء وونس الجماعة، المؤمن بإمكانياته، القادر على احتواء كل هذه القصائد لتضميد جراحها وجراح كاتبيها بثقة العارفين وقدرة المجربين. فؤاد حداد كان جماعة في ذاته. لم يكن فردًا يخشى من الأفراد. لذا كان يأتنس بالشاعر الفذ ويجلس إليه يسمعه قصائده ويستمع إليه، ويهلل حينما يطرب. لقد زدنا شاعرًا، فيهلل مريدوه وينتشي مجالسوه.. ويتورد مجلسه الذي لم تغادره رائحة الورد. وهذا الاختلاف الجوهري بين مجلسه المطمئن الجاذب للحقيقيين ومجالس بعض الأسماء الكبيرة القلقة الطاردة للحقيقيين من أجل ذواتهم المتورمة".
ويقول الشاعر والناقد محمد على عزب، إن فؤاد حداد شاعر كبير من أكبر شعراء القرن العشرين مثل نيرودا ولوركا وسيزار باييخو وفرناندو بيسوا، ومن لا يصدق ذلك يعود لشعر فؤاد حداد ليرى التجديد والابتكار والتنوع فى ثلاثين ديوان. لكن الثقافة العربية لم تعطه حقه لأنه كان يكتب بالعامية تلك الثقافة التى أهملت أبى بكر بن قزمان الأندلسي واهتم به المستشرقون الإسبان بداية من جارسيا جومث حتى فيدريكو كورينتي وبعدها اهتم به العرب بعد أن قدمته لنا الثقافة الإسبانية. لن يحدث ذلك مع فؤاد حداد لأن الأولاد والأحفاد شعراء العامية الذى قال عنهم حداد فى إحدى قصائده:
سلم لى على الأحفاد
اولاد اللى كانوا ولاد
اليكر فى الاستشهاد
الطير اللى عدى السلك
يكرامة فؤاد حداد

هؤلاء الأولاد والأحفاد شعراء العامية كانوا ومازالوا الجدار الأخير الذى تحتمى به الروح الشعرية المصرية. هؤلاء الأولاد والأحفاد هم من انتزعوا اعترافا من المؤسسة الثقافية رغما عن أنفها بأن الشعر العامى شعر من الدرجة الأولى. وليس مجرد وصيف لشعر الفصحى.

صوت فؤاد حداد سيظل حيا نابضا كما قال هو في قصيدة من ديوان 'أيام العجب والموت':
خلى صوتنا بعد موتنا مليح
مش عمل باطل وقبض الريح
مش كلامنا اللى هيبقى تراب.
فؤاد حداد روح الشعر

تقول الشاعرة الشابة حبيبة الزين: في اللحظة التي أردت فيها الكتابة ولو بكلمة واحدة فقط عن والد الشعراء (فؤاد حداد) توقفت كثيرًا وتخيلته هنا معنا وأريد أن أقول له شيء، فما سيكون؟! الشكر لا يكفي والامتنان وحده لا يكفي فربما المحبة تشفع!

وتشير حبيبة الزين عندما بدأت قراءة (فؤاد حداد) كنت أشعر بطاقة شعره تمس روحي،وتريدني أن ألتهم الكثير والكثير من نبع هذا الجمال، النبع الذي لا يشبه أحد في صفاءه وفكره وفلسفته، لكني عليّ القول بأني تعلمت كيف يكون الشعر وكيف تستطيع بحياكة بسيطة ربطة بالفلسفة، حتى يصبح كالكائن الحي، تقرأ البيت وتشعر فيه روح وتقرأ ما يليه فتمسك تلك الروح، روح الشعر.

(كنت واقف في المكان الذليل شال بإيده الشومة عن راسي)

وتستطرد الزين أحب هذا البيت يا عم فؤاد، أحبه كثيرًا لأنه علمني كيف تكون المحبة وكلما ضاق بي الحال ووقفت في (المكان الذليل) أنتظر من الذي يزيح الشومة عن رأسي ومن بعدها أعرف بأنه الحبيب والرفيق، ويصبح في تلك المنزلة الأخرى".

( كان حبيبي وكان أرق حبيب)

وتختم حبيبة الزين "لعل أقرب ما يكون في وصفي لفؤاد حداد ومكانته في نظري تكون في ذلك البيت السابق، دائمًا ما أقول عنه أنه الأرق والأصدق والأجمل على الدوام، ومثلما قال عنه الخال:

"إنت الإمام الكبير.. وأصلنا الجامع
وانت اللي نقبل نصلي وراك في الجامع"