رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد مجدى همام يكتب: كيف استثمر «الإعلام المصرى» حقبة كورونا لخلق جيل يقتدى بـ«المنسى»

أحمد مجدي همام
أحمد مجدي همام

كان من الطبيعي أن يندهش العالم بأسره من الكيفية التي تجاوزت بها مصر أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد كوفيد- 19، لا سيما وقد اكتسحت الجائحة دولًا كبرى كانت مضرب الأمثال في قوتها وتنظيمها وصلابة وتماسك أنظمتها الصحية، إلا أن مصر استطاعت أن تحوز الريادة من حيث الآليات المتبعة في تجاوز الأزمة، والزوايا الدقيقة والذكية التي نظر بها المسئولون المصريون للجائحة والظروف المحيطة بها وكيفية استغلالها، وخطط دعم المتضررين وفرض إجراءات الوقاية وغيرها من الخطوات التي أدت لـ"نجاة" مصر والمصريين من تسونامي الكورونا.

أحد أذكى تلك الخطوات التي اتبعها المسؤئلون هو القدرة على تقديم منتج فني للمصريين يحقق نتيجتين رائعتين في آن واحد: أولهما هو ترغيب المصريين في البقاء في البيوت والالتفاف حول أجهزة التليفزيون لمتابعة ذلك المنتج الفني، والنتيجة الأخرى هي شحن المصريين بجرعة كبيرة من المشاعر الوطنية وتغذية إحساسهم بهذه البلاد وفرسانها وأبطالها، وربط هؤلاء الأبطال وأعمالهم الخالدة بالمواطن البسيط أو ما يُسمى "رجل الشارع".

وكان مسلسل "الاختيار" اختيارًا موفقًا من هذه الزاوية، إذ شكّل عنصر إغراء كبير للمصريين بشكل عام ومحبي الدراما على وجه الخصوص للبقاء في الحيز الآمن في بيوتهم في توقيتات عرض المسلسل، الأمر الذي ساهم بلا شك في جعل الشوارع هادئة وتقليل معدلات الزحام والاختلاط، وهو أمر يؤدي في المحصلة لتقليل احتمالية انتقال العدوى الفيروسية بين المواطنين. هذا بخلاف الدور التوعوي الكبير الذي لعبه المسلسل، إذ كشف بجلاء الكيفية التي تعمل بها الجماعات المتطرفة من تحت الأرض، وتنظيماتهم وتسليحهم وطرقهم في تحديد أهدافهم وضربها، كل ذلك تحت غطاء زائف ينسب نفسه للدين، وربما تكون جملة مثل "حرس سلاح" التي كان أبطال الجيش المصري ينطقون بها في لحظات الاشتباك، قد تحولت إلى تيمة متداولة بين الأطفال المصريين وإشارة إلى وجود خطر وضرورة البقاء على أهبة الاستعداد.

لم تكتفِ شركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" بتقديم الاختيار، إذ حرصت على أن تكون منتجاتها الفنية متنوعة كباقة وردة مشكَلة، فقدمت الكوميديا في أعمال مثل "فالنتينو" للمخضرم عادل إمام، و"رجالة البيت" للكوميديانات الشباب أكرم حسني وأحمد فهمي، ويمكن هنا بسهولة ملاحظة تنوع الأجيال والمدارس الكوميدية بين العملين، وكأنما يحاول القائمون على تلك المسلسلات أن يقولوا للمشاهد إن طلبه موجود عندهم أيًا كان ذوقه ونوعه المفضل. ثم انتقلت لمنطقة الأكشن وقدمت "البرنس" لمحمد رمضان، والخيال العلمي في "النهاية" ليوسف الشريف، والدراما الاجتماعية في "ليالينا 80" وهكذا.. ويبدو أن الخطة كانت تقوم على توفير كل الأشكال والتيارات الفنية بمنطق "من كل بستان زهرة" بحيث تضمن جذب المشاهد وبقاءه أمام الشاشة من جهة، وتضمن في المقابل الوصول لكل الأذواق والتفضيلات.

هكذا تفاعل الإعلام المصري ممثلا في "المتحدة للخدمات الإعلامية" بشكل سريع مع جمهور الدراما المصرية في حقبة كورونا، وهكذا استطاعت أن تغتنم تلك الفترة الحساسة، في تغذية وعي المواطن المصري من جهة، وتقليل معدلات الاختلاط من جهة أخرى.