فى ذكرى وفاة تحية كاريوكا.. الفنانة التى احترفت «الغناء من الخصر»
حررت الرقص الشرقي من نطاق الأجنبيات، كما حرر الفنان سيد درويش الموسيقى المصرية من تأثير الأتراك، فالرقص الشرقي لم يكن بالنسبة لها وظيفة تؤديها بل كان الجسد يرقص ويستمع للموسيقى بشغف وحب ورغبة في التفرد وعدم تقليد الغير، بل خلق خطا آخر تسير عليه لم يسبقها أحد إليه، فهي لا تحتاج سوى متر مربع واحد فقط لتبهرك بما لديها من حركات مختلفة في الرقص، ولا داعي لأن تتحرك بطول المسرح لفعل هذا. إنها الفنانة الراحلة تحية كاريكوكا التي قال عنها الأديب إحسان عبدالقدوس: "استطاعت أن تحول الرقص الشرقي لفن بعد أن كان استعراضًا للجسد" فألف تحية لـ"تحية كاريوكا".
- ولادة طفلة شجاعة
البداية كانت منذ عام 1921 وتحديدًا في 22 فبراير حينما أطلقت الطفلة بدوية محمد صرختها الأولى في قرية المنزلة ببورسعيد حيث يقطن أهل الأم، وأطلق عليها والدها بدوية نسبة إلى السيد البدوي وهو أحد الأولياء بمدينة طنطا، ولكن الولادة تمت بعدم حضور لأبيها الذي كان في السعودية، وكل من يعرف هذه الطفلة يشبهها بأبيها، فهي ورثت منه كل شيء اليدين الكبيرتين والشجاعة، وعدم الخوف من الإقدام على مشروع جديد في حياتها، الطيبة الشديدة وهي أخلاق البحارة والذي كان والدها منهم.
- تمرد ورغبة فى الهروب
ولم تتعد الطفلة 14 عامًا حينما قررت الهرب من بطش أخيها غير الشقيق وزوجته وذلك بعد وفاة الأب، فحملت ملابسها وقررت ركوب القطار المتوجه للقاهرة باحثة عن راقصة كانت قد التقت بها من قبل وهي سعاد محاسن التى ذهبت وراءها إلى الإسكندرية عندما بحثت عنها في القاهرة في مكانها ولكن لم تجدها.
وتمر الأيام وتذهب تحية إلى الممثل بشارة واكيم الذي قدمها لفرقة بديعة مصابني التى كانت حينها تمتلك معهدًا تمثيليًا يضم فنانين عدة وراقصات يتعلمن في مدرسة ملكة الليل والمسارح حينذاك بديعة مصابني، وأطلقت الأخيرة عليها اسم تحية، أما الاسم الآخر فجاء لها حينما قدمها مصمم الرقصات في الفرقة برقصة مميزة وهي الكاريوكي وهي من التراث الشعبي البرازيلي ومنذ ذلك الحين وهي تعرف باسم تحية كاريوكا عام 1940 وهو عام انطلاقها الحقيقي.
- تأثير في الرقص الشرقي
عملت كاريوكا على إعادة الهارمونيا الشرقية القديمة في الرقص وهي مدرسة مستقلة تميزت بها تحية في هذا التوقيت، فكانت تسير على خطوات خاصة بها خلال الرقصة في متر وربع المتر من المساحة معها الوشاح الذي سرعان ما تتخلص منه وتقوم بحركات إيقاعية لجميع أجزاء جسدها، من صدرها وبطنها وأردافها في حركات متتالية محسوبة ثم تنزل بظهرها إلى أسفل في حركة توضح مدى رشاقة جسدها مع حركة الكتفين وتختتم الرقصة باللفة مع تصفيق الجمهور لها بحرارة.
- أم كلثوم وتحية
كما تعتمد الراقصة عمومًا على عرض الرقص وليس عرض الجسد، لذا ترى أن البدلة لا تظهر جسدها بقدر ما تركز الراقصة على إظهار حركات مختلفة في الرقص لإمتاع الجمهور، ووافقت أم كلثوم أن تغني أمام راقصة مرتين إحداهما خلال عرس الملك فاروق والمرة الثانية وهي خلال فوز النادي الأهلى بلقب الدوري العام لكرة القدم وحينها قالت لتحية "أنتي بتغني بوسطك".
- حب الحياة
لم تكن تحية تجد في الرقص متعتها الوحيدة، فلها دور سياسي أيضًا داخل المجتمع وهو ما نتطرق له فيما بعد، بل وتجد حياتها أيضًا في الزواج، فتزوجت 17 مرة وكانت أطول فترة من الكاتب المسرحي الراحل فايز حلاوة، التى مكثت معه 18 عامًا وانتهى الأمر بينهما بالقضاء.
وتزوجت أيضًا من الفنان رشدي أباظة الذى انفصلت عنه بسبب الخيانة، والمخرج فطين عبدالوهاب والذى انفصلت عنه بسبب الغيرة الشديدة من الزوج، الفنان أحمد سالم، وتزوجت من الشاب عبدالمنعم الخادم الذي كان مشهورا بوسامته ومكثت معه خمس سنوات.
- دور سياسي لتحية
كانت تحية قريبة من السياسيين والمعارضين والكتاب اليساريين، وانخرطت في "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني"، فوالدها قضى بعض الوقت داخل المعتقلات، وقُتل عمها على يد الإنجليز، كما كان لها نشاط في الخمسينيات مع الفدائيين، وكانت تحية من ضمن من ساعد أنور السادات على الهرب وفي لقائه لها وهو رئيس جمهورية قال لها: إنى كنت أعمل مع شقيقك فردت عليه: "لا يا ريس أنت كنت هربان".
- وفاتها
توفيت تحية كاريوكا في 19 سبتمبر عام 1999 وتركت ميراثا كبيرا من التطور في الرقص الشرقي واستطاعت أن تنشئ مدرسة خاصة بها.