رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شعبية «السيسى» فى الجزائر


بمقر رئاسة الجمهورية، اجتمع مجلس الوزراء الجزائرى أمس، الأحد، لمناقشة التعديلات الدستورية، قبل إحالتها إلى البرلمان، بغرفتيه، تمهيدًا لطرحها، حال إقرارها، فى أول نوفمبر المقبل، للاستفتاء الشعبى، الذى يرجّح كثيرون أن يكون استفتاءً على شعبية الرئيس: الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون، وليس الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى!.
الجزائريون احتلوا المرتبة الأولى بين الشعوب العربية، التى لا تريد عبدالفتاح السيسى رئيسًا، بينما جاءت تغريدات المصريين، التى حملت «هاشتاج» أو وسم «مش عايزينك يا سيسى»، فى ذيل القائمة، طبقًا لإحصاءات موقع «getdaytrends»، المتخصص فى رصد وتحليل الوسوم الأكثر تداولًا: التريندات. ومع أن إجمالى العدد كان ضئيلًا للغاية، قياسًا بتعداد العالم العربى، أو حتى بتعداد المصريين. ومع أن نصيب اللجان الإلكترونية يزيد على ٩٠٪ من هذا العدد الضئيل للغاية، فإن تصدّر الجزائريين القائمة كان لافتًا، وأثار غضب البعض وسخرية آخرين.
صورة قاتمة للأوضاع فى الجزائر، رسمها الرئيس تبون، منتصف الشهر الماضى، ووجه انتقادات لاذعة إلى عدة جهات حكومية، وحذّر من «ثورة مضادة» تستهدف استقرار البلاد، واتهم أطرافًا فى الإدارة بالتواطؤ معها، وأشار إلى أن هناك عصابة داخل السجون تُحرك الأفراد والأموال، ووصف وضع البلاد المالى بأنه «صعب للغاية». وفى حوار نشرته جريدة «لوفيجارو» الفرنسية، فى ٢٠ فبراير الماضى، قال إن ما تم إفساده فى ٢٠ سنة، لا يمكن إصلاحه فى سنتين. وأعلن الحرب على من «استنزفوا الاقتصاد الوطنى» وشدّد على أن الجزائريين يرفضون التدخل الخارجى فى شئونهم أو فى خياراتهم.
الرئيس الجزائرى الثامن، منذ الاستقلال، قرر أن يتوجه نحو الزراعة، وطالب بضخ استثمارات جديدة فيها لخلق فرص عمل وتحقيق الأمن الغذائى. كما شهدت فترة حكمه القصيرة تفعيل المادة ١٩ من الدستور التى شدّدت على ضرورة حماية الأراضى الزراعية والغابات، وتم التوسع فى تطبيق القانون، الصادر سنة ٢٠١٨، الذى قام بتغليظ العقوبات على تجريفها أو البناء عليها أو تحويلها إلى مناطق صناعية. وعلى خطى الرئيس الراحل هوارى بومدين، يسعى الرئيس تبون إلى بناء اقتصاد لا يعتمد فقط على البترول. ووضع إعادة إحياء مشروع «السد الأخضر»، الذى أطلقه بومدين سنة ١٩٧١، على رأس أولويات المخطط الوطنى الجزائرى.
من المشروعات الجزائرية الواعدة، أيضًا، التى بدأها بومدين فى سبعينيات القرن الماضى، ويسعى تبون لاستكمالها، مشروع طريق الوحدة الإفريقية، الذى يهدف إلى فك العزلة عن الجنوب، ورفع مستوى التبادل التجارى مع دول القارة. خاصة، بعد تجديد اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبى أو تعديله، الذى تم توقيعه، سنة ٢٠٠٥، وكبّد الدولة الشقيقة خسائر تتجاوز الـ٣٠ مليار دولار، منذ دخوله حيز التنفيذ، لأنه لم يكن متوازنًا، ومنح الاتحاد الأوروبى مزايا كبيرة جعلت الجزائر مجرد سوق لتصريف منتجاتها دون أى فوائد تعود عليها. تلك مجرد عينة من أقوال وأفعال الرئيس الجزائرى، والتى ستدرك، بقليل من التركيز، أنه يسير بخطوات، تشبه تلك التى سار بها نظيره المصرى. وعليه، لن نكون مبالغين لو قلنا إن الذين لا يريدون السيسى فى الجزائر، هم أنفسهم الذين لا يريدون تبون، وهم أنفسهم عبيد الرئيس التركى، الذين أيدوا الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى أثناء فترة حكمه، وبكوا عليه حين قام المصريون بالإطاحة به وبجماعته الإرهابية. وهم أنفسهم، أيضًا، الذين لم يجدوا ما يردّون به على هزيمتهم المنطقية فى انتخابات الرئاسة الجزائرية، إلا بمحاولة تحميلها للجيش، وخرجوا إلى الشوارع والميادين مرددين هتافات من عينة: «الله أكبر.. رئيس مزوّر.. جابوه العسكر».
صدمة رحيل «بوتفليقة» عن الحكم، أفقدت إخوان الجزائر توازنهم، بعد أن تحالفوا معه، ضد الشعب، ثم انقلبوا عليه، وظنوا أن بإمكانهم غسل ماضيهم وركوب الاحتجاجات، والوصول إلى كرسى الحكم، غير أن مرشحهم فى الانتخابات الرئاسية، التى جرت فى ١٢ ديسمبر الماضى، تلقى هزيمة قاسية، مستحقة ومنطقية، لا يمكن مقارنتها بالهزائم الثلاث، الشكلية، السابقة.
طوال حملته الانتخابية، تعرض المرشح الإخوانى، عبدالقادر بن قرينة، لوابل من الانتقادات والشتائم والسخرية فى مختلف المدن والمحافظات، والشىء نفسه، بات يتكرر مع أى ظهور للإخوان، بعد أن اتضحت حقيقتهم، وظهرت وجوههم القبيحة، وافتضحت أجندتهم المشبوهة، التى لا تخدم إلا مصالح «الجماعة» ومَن يستعملونها. ومع ذلك، لم يمنعهم اهتزاز مصداقيتهم وضعف تأثيرهم، فى الداخل، من محاولة تنفيذ أجندة «الجماعة الأم» فى الخارج.
.. وأخيرًا، قل: إخوان الجزائر لا يريدون، أو «مش عايزين»، السيسى أو تبون، ولا تقل: الشعب الجزائرى. ولعلك تعرف أن الإخوان، فى شرق العالم وغربه، لا وطن لهم ولا دين. فقط، يتخذون الإسلام ستارًا، الدوحة بنكًا، وأنقرة عاصمة مركزية، يطبخون فيها مؤامراتهم، بناء على توجيهات أجهزة مخابرات الدول، التى صنعتهم وفشلت فى استعمالهم.