سيد أبوليلة يكتب: هل من حقنا أن نعصي الله؟.. النبي آدم نموذجًا
"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة".. وفقًا للرواية الإسلامية، خلق الإله النبي آدم كأول بشري ليجعله خليفة في "الأرض" لا "السماء"، ويبدو أن هذا القرار سبق فعل الخلق بحسب القرآن الكريم، ثم علمه "الأسماء كلها"، ومن المؤكد أن أي نبي لن يوصل رسالة سماوية أفضل من صاحبها، فليس هناك بشري حظي بمعلومة واضحة وأكيدة مثل آدم، لأن الإله –نفسه- هو الذي علمه.
وبحسب الرواية الإسلامية أيضًا، لم يبلغ الإله، آدم، بمصيره كمناضل على هذا الكوكب، بل تركه يجرب النعيم "ثم" يحتاج إلى حواء "وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا"، ثم يقرر مخالفة الأمر الجلي من ربه، بمحض إرادته، رغم التحذير "فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِين"، ووصف الإله هذه المعصية التي يعلم بأنه ستقع مسبقًا، قائلًا: "وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ"، ثم قرر الله أن يعلمه الاستغفار "فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْه"، وأخيرًا أرسله إلى الأرض، لتكون الرسالة الأخيرة لمن يؤمنون بدين الإسلام الآن هي "القصة ككل".
أعتقد أن الرب لم يخبر آدم بمصيره المعلوم مسبقًا بهدف اختباره، وهو يعلم أنه سيخطئ رغم وجود كل صنوف النعيم من حوله، لكن هناك أسئلة قد تكشف الكثير عن أول اختبار إلهي للبشر.
لماذا لم يمنع الله آدم من ارتكاب المعصية قبل أن يفعلها؟
لماذا لم يرسل له من ينبهه قبل أن يكون "من الظالمين" أو يوصف بأنه "غوى"؟
ماذا إن كان هناك ألف آدم.. أو نحو 8 مليارات آدم.. جميعهم تلقوا رسائل من السماء، وجميعهم يخضعون لنفس الاختبار في لجنة واحدة، هل سيكون على أحدهم أن يترك اختباره وينبه "آدم الزميل" بأن ما يفعله معصية، وأنه سيكون "من الظالمين" حينما ينتهي الاختبار؟
هل لأحد الآدميين أن يمنع آخر من ارتكاب المعصية؟
هل هذا الأمر يعد إباحة لارتكاب الجرائم؟
هل كل معصية جريمة؟
قد يكون اختبار آدم مختلفًا عن الاختبارات التي يخوضها البشر على الأرض، ففي الجنة ليس هناك تضارب في المصالح أو موارد قد تنفد، وبدا ذلك جليًا في الخطيئة الثانية، والجريمة الأولى، التي ارتكبها البشر –بحسب القرآن- وهي قتل قابيل لأخيه هابيل، وهنا لم يستعن الإله بالنبي آدم -الحي حينها- ليكون طرفًا في المعادلة، ليمنع الجريمة، بل بدأ تأسيس شريعة التعايش، بداية بتجريم فعل القتل، وهو ما تؤيده جميع الأديان.
ولحل الأزمة أرسل الإله "غرابًا" ليعلم القاتل كيف يتصرف في الجثة، وحكى لنا كيف ندم المجرم على فعلته، وكيف تعلم من تجاربه "الشخصية" دون وسائل مساعدة سماوية.
أرى أن الفرق بين الخطيئتين، أن الأولى لم تسفر عن إيذاء شخص، ولم يأمر الله أحدًا بمنعها، بل ترك الأمر يمر لترشدنا القصة في المستقبل عن طبيعة العلاقة بين العبد وربه فيما يخص المعاصي لا الجرائم، فليس من حق أي شخص أن يقاطع اختبار زميله في الكوكب بحجة أنه يعصي الله.. اتركه يعصي ويحظى بفرصته في التجربة، وإن بحث عن كلمات للاستغفار فسيجد من يرحب به "إنه هو التواب الرحيم".. "اشمعنا آدم ياخي".
أما في الخطيئة الثانية، فأتبعها الإله بتجريم واضح يستوجب المنع، وهذا أمر لا خلاف فيه في الأديان.
خد هنا.. ما تكمل سورة "المائدة" يا شيخ.. "إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"
هل للمسلمين المطالبة بتطبيق شريعتهم على سائر البشر؟
أرى أنه للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نسأل سؤالًا قبله.. هل طبق قابيل شريعته الشخصية على أخيه حينما قتله؟ وهل يحق له ذلك؟
رغم اجتهاد الآدميين "المسلمين" في تفسير كتابهم المقدس إلا أن كلا منهم لا يزال يخوض تجربته الشخصية مع الله، أو خاضها ومات ولا نعلم مصيره، ولا أستطيع أن أتصور أن أحدهم "متبجح" بما فيه الكفاية ليجزم بأن الله أمره بالثأر بدلًا عنه.
لذا فحتى لو كان "كل المسلمين" يروا أن الإله أمر بالقتل والصلب والنفي، فهذا لا يعطي الحق لهم أو لأي شخص أن يطبق شريعته على الجميع عنوة، بل ليبحث كل منا عن غرابه الشخصي، فتكرار جريمة قابيل ليست حلًا لمنع الجرائم.. بل الحل أن يجلس هابيل وقابيل ويتحدثان، ويضعان "دستور الغراب" ويلتزمان به دون أن يسأل أي منهما عن شريعة أخيه.