رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزرق.. أزرق.. أزرق!



لا شىء هنا غير الأزرق.. الموج الأزرق فى عينيك..
يجرجرنى نحو الأعمق وأنا ما عندى تجربةٌ
فى الحب.. ولا عندى زورق
إنى أتنفس تحت الماء.. إنى أغرق..
أغرق.. أغرق.
.. وكما غرق نزار قبانى فى لون العينين الأزرق، وكتب «رسالة من تحت الماء»، غرق الإخوان ومركوبوهم، العملاء والبلهاء، فى «الدخان الأزرق»، وكتبوا «رسالة من تحت القاع» زعموا فيها أن استخدام هذا اللون فى واجهات أقسام الشرطة، يهدف إلى تعويد المواطنين على رؤية علم إسرائيل، مستندين إلى مقطع فيديو، أعده قطاع الإعلام والعلاقات العامة بوزارة الداخلية، عن أعمال تطوير عدد من أقسام الشرطة، وفقًا لنموذج موحد، قامت بتنفيذه الأجهزة الاستشارية بالوزارة، يغلب عليه اللونين الأزرق والرصاصى، بالإضافة إلى اللون الأبيض.
من تركيا، الشريك العسكرى التجارى، والسياحى الأكبر لإسرائيل فى المنطقة، وفى ستوديو قناة «مكملين»، الذى لا شىء به غير الأزرق، وقف المدعو محمد ناصر، مرتديًا بدلة زرقاء قاتمة، وقميصًا أبيض، رابطة عنق باللون المميز للعلم الإسرائيلى، ليقرأ تلك الرسالة، على متابعيه، وكأنه يراهن على أنهم عميان، وهم غالبًا كذلك، وإلا ما امتلك جرأة وبجاحة أن يقرأ خبرًا عنوانه: «فى ذكرى ٣٠ يونيو.. صدفة أم تعمد.. تجديد أقسام الشرطة المصرية بألوان علم إسرائيل»، وعلى قناة «الشرق»، ظهر معتوه آخر، اسمه وليد الهوارى، ليكرر الرسالة نفسها.
هذه الرسالة أو «التحشيشة»، خرجت من تغريدة كتبها أيمن نور، فى حسابه على «تويتر»، هذا نصها: «شاهد، نقلًا عن اليوم السابع، الصورة تقول: عدد كبير من أقسام ومراكز الشرطة فى مصر اكتست باللونين الأزرق والأبيض، وبنفس درجات ألوان علم إسرائيل، وكذلك فعلت بعض المصالح الحكومية ومنطقة كاملة فى رفح فضلا عن تكرار استخدام ذات اللونين فى احتفالات عسكرية». ثم طرح المذكور هذا الاستفتاءً على متابعيه: «هل هى مجرد صدفة؟.. هل هى تعليمات رسمية؟.. مجرد نفاق للسيسى؟.. أم هى محاولة لتعويد الناس؟».
الغلمان الثلاثة، نور وناصر والهوارى، تمولهم وتحركهم المخابرات التركية، القطرية والإسرائيلية. وللأول قصص وحكايات وحواديت مع عضو الكنيست الإسرائيلى السابق عزمى بشارة، والإسرائيلى البريطانى عزام التميمى، لن نتوقف عندها الآن. كما لن نتوقف عند دلالات اللون الأزرق، الذى رأت قناة «الجزيرة»، فى ٨ مارس الماضى، أنه «يتناغم مع الأفكار الإيجابية، ويجسد البراءة والنقاء»، فقط، سننقل عن خالد إسماعيل، أحد المفصولين من قناة الشرق، أن أيمن نور أوقف أحد برامج القناة، لأنه تضمن هجومًا على إسرائيل، وهو ما لم نره غريبًا، استنادًا إلى واقعة سابقة حكاها ديفيد سلطان، السفير الإسرائيلى الخامس فى القاهرة.
فى كتابه « بين القاهرة وأورشليم»، ذكر سلطان، أن «حزب الوفد لم يكن له موقف ضد السلام مع إسرائيل لكنه زاد من مواقفه المعادية لإسرائيل، لأن هذه كانت أسهل طريقة لإظهار تواجده وترسيخ نشاطه ضد النظام». ثم أشار إلى أنه خلال فترة عمله فى مصر «بين عامى ١٩٩٢ و١٩٩٦» عقد لقاءات عديدة مع عناصر قيادية فى الحزب، ولم يذكر من بين تلك العناصر، غير اسم أيمن نور، الذى قال له خلال اللقاء، إن موقف حزب الوفد السلبى من التطبيع مع إسرائيل اختلف الآن، بعد التقدم فى العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين!.
الطريف هو أن حدوتة ألوان العلم الإسرائيلى، أو التغريدة التى كتبها أيمن نور من تحت القاع، أو من تحت قدمى ضابط فى المخابرات التركية، تأتى بعد أسابيع من فضيحة إرسال تركيا معدات ومستلزمات طبية إلى تل أبيب، ومعروف أن المخابرات الإسرائيلية، منذ تفشى وباء «كورونا المستجد»، هى التى تتولى عقد صفقات المعدات الطبية، ومعروف، أيضًا، هو أن تركيا امتنعت عن توريد معدات ومستلزمات طبية إلى دول دفعت ثمنها.
تركيا، كما أشرنا ونكرر، هى الشريك الأكبر لإسرائيل فى المنطقة، وخدعوك فقالوا إن العلاقات بين البلدين تدهورت سنة ٢٠١٠ بعد أن داهمت القوات الإسرائيلية أسطولًا تركيًا كان متجهًا إلى قطاع غزة، وقتلت عشرات الأتراك، بينما قال الواقع إن العلاقات التجارية والعسكرية ظلت مستمرة، وكان التبادل التجارى التركى الإسرائيلى يتضاعف، كما تضاعف، أيضًا، سنة ٢٠١٨، بعد الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ولاحقًا، اتضح أن مبنى السفارة الأمريكية فى القدس المحتلة قامت بتصميمه وستتولى تنفيذه شركة يملكها رجل الأعمال التركى نهاد أوزدمير، وثيق الصلة بأردوغان، وبحزب العدالة والتنمية الحاكم.
.. وأخيرًا، ثبت، مرارًا وتكرارًا، أن أردوغان وأتباعه وغلمانه، وجماعة الإخوان ومركوبيها، لا تعنيهم القضية الفلسطينية، أو أى قضية غير قضيتهم. لكنهم يعرفون جيدًا كيف يلعبون بعقول البسطاء، البلهاء، والطيبين زيادة عن اللازم، وكيف يؤلفون قلوب وجيوب المتثاقفين والمتثورجين، لتبرير جرائمهم واستقبال أكاذيبهم بالزغاريد الزاعقة، والإيقاع الراقص.