رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إثبات مزور».. «الدستور» تكشف: تزوير تحاليل تعافٍ من «كورونا» لبيع «البلازما»

المتعافين
المتعافين

فى الوقت الذى يبحث فيه المصابون بفيروس «كورونا» عن أمل فى الشفاء، يقف آخرون يترقبون، يعدون خططًا إجرامية لاستغلال وجع المرضى ورغبتهم فى فعل أى شىء من أجل النجاة. هؤلاء هم «تجّار الأزمات»، الذين يستغلون أى شىء لتحقيق كسب مادى.

هذه «التجارة» بدأت بعد إعلان وزارة الصحة عن نجاح تجرية حقن المصابين بفيروس «كورونا» من أصحاب الحالات الحرجة ببلازما المتعافين، إذ استتبع هذا الإعلان ظهور «سماسرة البلازما» الذين يعرضون على مصابين توفير بلازما من متعافين بمقابل مادى يصل إلى آلاف الجنيهات، هذا إلى جانب اتجاه بعض المتعافين، للأسف، إلى بيع البلازما بمبالغ طائلة، وهو ما استلزم تحركًا من المؤسسات الدينية بتحريم بيع البلازما.
هنا فى «الدستور» كنا أول من كشف عن «سماسرة بيع البلازما»، بعد أن أجرينا اتفاقات مع بعضهم على شراء بلازما متعافين، وها نحن ندخل إلى هذه المساحة مرة أخرى، لكن ما نكشفه هذه المرة أكثر كارثية، فالأمر لا يتعلق هنا باتجار غير مشروع بالبلازما، بل يتخطى ذلك إلى خداع المرضى عبر تحاليل مزورة تثبت الإصابة بـ«كورونا» ومن ثم إمكانية التبرع بالبلازما.


أهالى مرضى يدفعون آلاف الجنيهات لـ«مدعى تعافى» ثم يكتشفون الكارثة يوم الحقن: لا توجد أجسام مضادة


كانت «آية» تبحث عن متعافٍ من فيروس «كورونا»، لديه فصيلة دم مطابقة لفصيلة والدها المصاب بالفيروس، الذى وصل إلى مرحلة حرجة، وكان العلاج الوحيد لحالته هو حقنه ببلازما أحد المتعافين من مرض «كوفيد- ١٩» الذى يسببه الفيروس.
خضع والد الفتاة للعلاج داخل أحد المستشفيات لمدة ٢٠ يومًا، حتى طلب منها الطبيب المتابع لحالته توفير شخص متعافٍ فى أسرع وقت، لنقل البلازما وحقن الرجل بعد أن أوضحت التحاليل الطبية إمكانية علاجه باستخدام البلازما.
بدأت الفتاة رحلة بحثها عن متعافٍ من فيروس «كورونا» بجميع الطرق الممكنة، وبالفعل استطاعت التواصل مع شخص متبرع على موقع «فيسبوك»، واطلعت على التحاليل الخاصة به وتأكدت من إيجابية إصابته بالمرض سابقًا، لكنها فوجئت بطلبه مبلغًا ماليًا مقابل التبرع، ولم تكن هناك أى حلول أخرى، سوى إنقاذ والدها فى أقرب وقت ممكن.
أجرت «آية» الاتفاق مع المتعافى، الذى اشترط أن ينقل البلازما بطريقته الخاصة بمساعدة أحد الأطباء الذين تعامل معهم خلال فترة مرضه، ولم تكن تدرى الفتاة- بعد أن دفعت مبلغًا قدره ٣٠ ألف جنيه- أنها وقعت ضحية عملية نصب.
ففى يوم حقن البلازما بجسد والدها، أجرى الطبيب بعض الفحوصات لها «البلازما» قبل استخدامها للتأكد من مدى صلاحيتها، ليكتشف أخيرًا أنها لا تحوى أى أجسام مضادة، وتقول عن هذه اللحظة المرعبة: «البلازما لو كانت اتنقلت لأبويا كان هيموت فى ساعتها».
لكن «آية» عادت للبحث مجددًا عن متعافٍ فعلى وليس شخصًا مستغلًا، فقد كانت تدرك هذه المرة مخاطر الأمر، وعندما تواصلت مع أحدهم، جعلته يخضع لعملية فصل البلازما تحت إشراف الطبيب المتابع حالة والدها، حتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى.

ولم تكن «آية» الوحيدة التى وقعت ضحية أشخاص زوّروا التحاليل الخاصة بفيروس «كورونا» واستغلوها فى بيع البلازما مقابل مبالغ مالية، فهذه «منال»، التى أُصيبت والدتها بالفيروس، تواصلت مع أحد المتبرعين الذى طلب ٣٠ ألف جنيه مقابل البلازما الخاصة به، ووافقت الفتاة من أجل إنقاذ حياة والدتها، التى زادت سنها الكبيرة من معاناتها. وفور وصول المتبرع إلى المستشفى لإجراء عملية حقن البلازما للمريضة، تبين أنه «نصاب» ويصطحب أوراقًا مزورة تفيد بإصابته بالمرض سابقًا وتعافيه، لكن عندما تم سحب البلازما منه، كشف الأطباء الحقيقة، وتحطمت آمال «منال» ولم تمر أيام قليلة حتى توفيت والدتها متأثرة بإصابتها.

وهذا عمر حمدى، الشاب العشرينى الذى يحاول الحصول على بلازما خاصة بأحد المتعافين من فيروس «كورونا»، بعد أن أُصيب شقيقه الأكبر وخضع للعلاج داخل أحد المستشفيات، وطلب منه الأطباء سرعة الحصول على بلازما.
استغرق «عمر» عدة أيام فى رحلة البحث قبل أن يجد المتبرع الذى اشترط الحصول على مبلغ مقابل نقل البلازما. وبالفعل، أرسل إليه المتبرع صورًا للتحاليل الطبية التى تثبت إصابته بالفيروس وتعافيه، واتفقا على مبلغ قدره ٢٥ ألف جنيه، يتم دفعها بعد تسليم البلازما.
وفى صباح يوم تنفيذ الاتفاق، أصر المتبرع على إجراء عملية النقل أو فصل البلازما داخل مكان آخر وليس بالمستشفى الذى يخضع شقيق «عمر» للعلاج بداخله، وعندما سأله الشاب عن السبب تهرب من الرد عليه، وأخبره بأنه يعلم أماكن مخصصة لفصل البلازما، ويمكنه توفير البلازما له دون الخضوع لأى إجراءات داخل المستشفى.
توجه الشاب سريعًا إلى أحد الأطباء ليرشده حول ما يفعله تجاه هذا الأمر، وحذره الطبيب على الفور من التعامل مع هذا الشخص، مؤكدًا له أنه مجرد «نصاب» وليس متعافى من الفيروس وهو ما استجاب له «عمر». كانت هذه الوقائع بداية الخيط لتحركنا فى البحث عن المصدر الذى حصل منه هؤلاء على أوراق تثبت إصاباتهم بالفيروس وتعافيهم منه.


 15ألف جنيه لتقليد الأختام الأصلية لتحاليل الإصابة بالفيروس.. والتسليم فى محافظة الإسكندرية «لزوم الأمان»
لمدة تقارب الأسبوع خاض محررا «الدستور» رحلة بحث عن أشخاص يقومون بتزوير التحاليل الخاصة بفيروس «كورونا» من أجل عقد اتفاقات مسجلة مع عدد منهم للحصول على أوراق تكون طبق الأصل للرسمية، واتضح فى النهاية وجود «مافيا» لهذا النشاط الإجرامى على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة.
هذه الـ«مافيا» تضم عددًا من الأشخاص داخل محافظات الجمهورية، كل منهم له دوره المحدد، فهناك شخص يكون مسئولًا عن إجراء الاتفاق الأول مع «الزبون»، داخل مجموعات سرية على موقع «فيسبوك»، وهو المسئول أيضًا عن عملية تسليم الأوراق وتسلم المبلغ المتفق عليه، وآخر مهمته تزوير التحاليل الطبية وتقليد الأختام الأصلية.
تضم هذه العملية ٣ أطراف، الأول هو الشخص الذى يود الحصول على التحاليل المزورة، والثانى هو المزور، بالإضافة إلى الطرف الوسيط المتمثل فى «السمسار»، الذى يعقد الاتفاق بأكمله ليكون حلقة الوصل بين الطرفين الآخرين.
تبدأ عملية التفاوض بين الطرفين المعلنين عن هويتهما دون الشخص المزور الذى يظل بعيدًا عن الأعين، ويتضمن الاتفاق فى البداية إرسال صور للتحاليل الذى يرغب «الزبون» فى الحصول على مثلها، بشرط أن تكون الصور جودتها عالية للغاية، حتى يستطيع المزور تقليد الأختام بطريقة متقنة دون أى أخطاء، ثم يستعلم «السمسار» عن البيانات التى يود «الزبون» إرفاقها للتحليل الخاص به، وأخيرًا تحديد المبلغ الذى سيدفعه بعد رؤية الشهادة التى طلبها بعينيه.
السرية التامة هى أحد شروط الاتفاق الذى يؤكد عليها «السمسار»، فهم يعلمون جيدًا مدى خطورة الأمر، ثم يبدأ «السمسار» فى توجيه تهديدات فى حالة الإفشاء عن محتوى الحديث الذى دار.. هذا ملخص ما كشفته «الدستور» خلال رحلة البحث عن مزورى تحاليل «كورونا».. فماذا حدث تحديدًا؟
بدأنا رحلة البحث داخل بعض المجموعات السرية على «فيسبوك» من خلال كتابة منشور: «نريد التواصل مع شخص يمكنه توفير تحاليل طبية لنا تثبت إصابتنا بفيروس كورونا، كوننا نريد الحصول على بلازما أحد المتعافين بهذه الطريقة، مقابل أى مبلغ يود الحصول عليه».
لم تمر دقائق قليلة حتى انهالت التعليقات على المنشور لتفيد بإمكانية إجراء هذه العملية، لذا تواصلنا مع بعض «المعلقين» على الفور عبر حساباتهم الشخصية، التى اتضح أنها وهمية يقومون من خلالها بالاتفاقات المشبوهة، حتى لا يستطيع أحد معرفة هوياتهم الحقيقية، وكان أول «سمسار» منهم يشترط التسلم فى المحافظة القاطن بها، وهى الإسكندرية.
لم يرغب «السمسار» فى التواصل هاتفيًا على الرغم من الاتصالات العديدة التى قمنا بها، بعد أن حصلنا على رقمه الخاص، لكنه كان يرغب فقط فى التواصل على تطبيق «واتس آب»، لسببين أولهما أن التطبيق يصعب اختراقه وآمن، لذا لن يكون هناك رصد من قِبل الجهات الأمنية، والسبب الآخر هو الحصول على صور التحاليل بأعلى جودة ممكنة.
وأخبرنا «السمسار» فى هذه المحادثة بأن نرسل إليه التحليل المراد تزوير نسخة منه، وبالفعل أرسلنا إليه صورة أحد التحاليل الأصلية، بجانب البيانات المراد كتابتها داخل التحليل المزور، ليبلغنا حينها بالتكلفة الكاملة للعملية، وهى ١٥ ألف جنيه، ١٠ آلاف منها للشخص المزور مقابل الحصول على أختام تشبه الأصلية منها، والخمسة الأخرى نسبته فى إتمام العملية.
وفى نهاية الحديث معه اشترط أن يكون مكان التسليم فى الإسكندرية، وهذا بعد أن يرسل إلينا الصورة الخاصة بالتحليل المزور للتأكد من صدقه فى الاتفاق، لكنه عاد بعد ذلك ليطلب «عربون» من المبلغ، قائلًا: «إيه اللى يضمن إنك تستلم الشهادة بعد ما أخلصها؟»، مشيرًا إلى أن «العربون» سيتم دفعه عبر الرقم الذى نتواصل معه عليه، وقدره ٣ آلاف جنيه، لنبلغه بأننا سوف نوفر المبلغ فى أسرع وقت ثم نعود للتواصل معه.
وبعد ساعة عاد «السمسار» للحديث مجددًا، ليقترح عرضًا آخر بعد الحصول على التحليل، وهو توفير مصاب لشراء البلازما، مقابل حصوله على ٣٠٪ من قيمة العملية.
وبسؤاله عن تفاصيل عملية بيع البلازما، قال: «اليوم اللى هتيجى تستلم فيه الشهادة هقعدك مع حد من أهالى مصاب يكون نفس فصيلة الدم بتاعتك»، منوهًا بأنه سيبحث أيضًا عن هذا الشخص خلال فترة عملية التزوير، والمبلغ الذى سوف يتفق عليه قدره ٤٠ ألف جنيه مقابل البلازما فقط.
كان من المفترض أن تتم عملية تزوير تحاليل فيروس «كورونا» خلال يومين بعد إجراء الاتفاق وإرسال «العربون»، لكننا توقفنا عند ذلك الحد، قبل الوقوع تحت طائلة القانون، حتى شك «السمسار» فى صدق حديثنا معه، وبدأ فى توجيه التهديدات المتتالية عبر «واتس آب»، معربًا عن غضبه من ضياع الوقت فى «الحديث الفارغ».
وبعد ساعات قليلة من كتابة المنشور تلقينا رسالة من شخص يدعى «مؤمن»، يعرض من خلالها وسيلة تواصل مع أحد الأشخاص الذين يقومون بتزوير تحاليل فيروس «كورونا» داخل محافظة القاهرة، قائلًا: «قوله إنك تبعى ومتشغلش بالك بأى حاجة».
حاولنا استدراج الشاب ليحكى تجربته فى شراء تحاليل مزورة، ومعرفة السبب الذى جعله يرتكب هذه الجريمة، ليرد علينا موضحًا أنه اتفق مع «المزور» بالفعل منذ أسبوع واحد فقط على تزوير تحليل طبى خاص به يثبت إيجابية مسحته، مشيرًا إلى أن الأمر لم يستغرق سوى أيام حتى حصل على التحليل بالفعل مقابل ١٠ آلاف جنيه.
وعن استخدامه التحليل قال: «التبرع ببلازما الدم أصبح شيئًا ضروريًا خلال هذه الفترة، وأعداد المصابين أصبحت فى تضاعف، لذا قررت تزوير تحليل واستخدامه فى عرض البلازما الخاصة بى مقابل مبلغ مالى معين»، مشيرًا إلى إدراكه أننا نحتاج إلى هذه التحاليل للغرض ذاته، فقد أصبحت هذه العملية منتشرة بعد نجاح علاج المصابين بالبلازما.
وبالفعل أرسل إلينا الحساب الشخصى للمسئول عن تزوير التحاليل الخاصة بفيروس «كورونا»، الذى تواصلنا معه بالفعل ليخبرنا بأنه بإمكانه إنجاز العملية فى أسرع وقت، لكنه لم يدلنا على أى تفاصيل فى المحادثة الأولى، فقط طلب منا رقم الهاتف، ليقوم بالتواصل معنا فى اليوم التالى لمعرفة جميع التفاصيل وإجراء الاتفاق بشكل كامل.
وفى صباح اليوم التالى، تلقينا اتصالًا من «سمسار» يدعى «محمد» يبلغنا بالطريقة التى سنتبعها فى هذه العملية، وتبين أنها مختلفة عما حدث فى الاتفاق السابق، فقد أشار إلى إجراء تحاليل فيروس «كورونا» بطريقة رسمية، دون تزوير الأختام الخاصة بأى مستشفى أو مؤسسة حكومية.
وأشار «السمسار» إلى علاقته القوية بموظف داخل إحدى المؤسسات الحكومية، بل إنه الشخص المساعد له فى استخراج أى تحاليل أو أوراق طبية يحتاج إليها المواطنون بطرق غير شرعية، وطلب منا التوجه إليه فى اليوم التالى، ودفع «العربون» الذى بلغ ٥ آلاف جنيه.
وكانت تكلفة العملية بأكملها ١٠ آلاف جنيه، حيث يتم دفع المبلغ الآخر بعد الحصول على التحليل، واشترط توفر تحليل فصيلة الدم الخاص بنا بجانب «العربون»، وباقى البيانات الشخصية التى نود إرفاقها بتحليل «كورونا»، وعن مدى ثقته فى هذا الرجل قال: «إحنا بنتعامل فى الحاجات دى كل يوم، والراجل بيخلص لنا أى ورق عاوزينه».
وفى ختام حديثه معنا أرسل إلينا العنوان الذى سنتوجه إليه، واتضح أنه يقطن بالقرب من منطقة المرج، حيث طلب منا الحضور فى الصباح الباكر عند «سور المخابرات»، والاتصال به ليأتى، ويرافقنا إلى بيت الرجل المذكور، ثم نعود بعد يومين لتسلم التحليل الطبى الذى يثبت إصابتنا بالفيروس، دون التوجه نهائيًا إلى أى مستشفى أو معمل تحاليل.


وسيط فى 6 أكتوبر: نُجرى العديد من التحاليل المزوّرة سواء إيجابية أو سلبية
عبر المنشور نفسه، تواصلنا مع شخص يدعى محمد جلال، وكما حدث مع الآخرين، عقدنا معه اتفاقًا مسجلًا على شراء تحليل يثبت إيجابية المسحة الطبية، وعندما سأل عن السبب، طلبنا منه عدم الإجابة، لأنه أمر شخصى.
واتضح من حديث «جلال» أنها ليست المرة الأولى له فى تزوير الأوراق الرسمية الخاصة بتحاليل «فيروس كورونا»، فبمجرد سؤالنا عن مدى نجاح العملية، قال: «هتنجح طبعًا.. هى أول مرة؟، كله عاوز شهادات كورونا دلوقتى سواء إيجابية أو سلبية، على حسب استخدامهم ليها».
وأوضح: «الإيجابية يتم استخدامها فى التجارة ببلازما الدم، حيث يُقنعون من خلالها المصابين بالفيروس أن البلازما الخاصة بهم صالحة للاستعمال، ثم يحصلون على مبالغ طائلة من وراء هذه العملية».
وأضاف عن التحاليل السلبية: «فيه أماكن دلوقتى بتتعامل بالمسحة الطبية وبتحتاج إثبات إنك مش مصاب بالفيروس، ومنهم أيضًا من يخاف من الوصمة المجتمعية التى يعتقدها البعض كونهم مصابين بالمرض».
وعن تفاصيل العملية، أبلغنا «الوسيط» بأنه يحتاج إلى الصورة الأصلية من التحليل الذى نريد شبيهًا له، بجانب التركيز على وضوح الختم المرفق به، حتى يتم تقليده بشكل ناجح، ثم إرسال البيانات الشخصية التى نود وضعها على التحاليل المزورة، ولم يُرد التحدث عن أى شىء آخر قبل الحصول على هذه الأشياء، للتأكد من مدى مصداقيتنا.


وبالفعل أرسلنا إليه جميع ما طلبه، بجانب بيانات وهمية ليقوم بتزوير التحليل، وعندما علم جميع التفاصيل، أخبرنا بأن الأمر بسيط للغاية، ولن يستغرق وقتًا طويلًا حتى تتم هذه العملية بنجاح، وعند سؤاله عن موعد ومكان التسلم والمبلغ الذى يريده، أخبرنا بأنه سيتواصل مع الشخص المزوّر ثم يعود للرد علينا.
مرت ساعة ليعود إلينا من جديد، ويطمئننا حول جاهزية التحاليل خلال يومين من موعد الاتفاق، مقابل مبلغ مالى قدره ١٠ آلاف جنيه، يتم تسليمه يوم المقابلة، مشيرًا إلى أنه سيرسل صورة الشهادة قبل التوجه إلى «مكان العملية».
سألنا «الوسيط» عن المكان الذى نقطن به، وأخبرناه بأننا موجودون فى مدينة ٦ أكتوبر، ووافق على أن تجرى المقابلة داخل هذه المنطقة، لكنه تعمد عدم إخبارنا بالمكان بالتحديد إلا فى صباح يوم التسليم، قائلًا: «قولت لك هقولك قبلها، متسألش كتير علشان الموضوع حساس».


يمنى يشترط إرسال الصور باستخدام «سكانر».. و1100 دولار عبر الحساب البنكى

لم يقتصر الأمر على المصريين فقط، فقد ظهر أشخاص من جنسيات أخرى يعملون فى تزوير الشهادات الطبية الخاصة بـ«فيروس كورونا»، وبيعها داخل مصر.
وبالتواصل مع أحدهم ويدعى «مصعب»، اتضح أنه يمنى الجنسية، وله دور فعال فى هذه المجموعات السرية، كونه على علاقة جيدة مع الأعضاء، ويتمم لهم حاجاتهم من مكانه، لذا كان مُرحّبًا للغاية بتنفيذ ما نريده حين استعلم منا عنه.
طلب منا «مصعب» فى البداية رقم الهاتف للتواصل على تطبيق «واتس آب» بدلًا من «فيسبوك»، وتواصل معنا بالفعل فور إرسال الرقم إليه، ليبلغنا بأول شرط وهو تحويل صورة التحليل الأصلية المراد تزويرها عبر «اسكانر» بدرجة ٨٠٠ أو ١٠٠٠، لتكون بصيغة «بى دى إف»، حتى تصبح واضحة وضوحًا تامًا.
وبسؤاله عن المبلغ المطلوب، قال إنه سيتواصل مع الرجل المسئول عن تزوير الأختام، ثم يعود للتواصل معنا فى صباح اليوم التالى، ويعطينا خبرًا حول المبلغ المطلوب دفعه، واختتم حديثه مستفسرًا عما نخطط له من خلال استخدام هذه الشهادات المضروبة.
ادعينا أننا مصابون بالفيروس ولا نستطيع إجراء أى تحاليل طبية داخل المستشفيات، فقط نحتاج إلى الشهادات لنثبت إصابتنا ونحصل على بلازما خاصة بأحد المتبرعين المتعافين من المرض، واقتنع «مصعب» بما أخبرناه، ليعود مرة أخرى ويبلغنا بالتفاصيل الأخرى.
«اتفقت مع الرجل على ١١٠٠ دولار، ولن نتسلم المال قبل أن ترى الشهادة بعينيك».. هذا ما بدأ به «مصعب» حديثه الثانى، موضحًا أن هناك مبلغًا قدره ٨٠٠ دولار مقابل الأختام، و١٠٠ دولار للطباعة، و١٠٠ دولار عمولته فى إتمام العملية، و١٠٠ دولار أخرى مقابل إرسال التحاليل إلى مصر عبر خاصية «دى إتش إل»، التى أوضح أنه يتعامل بها مع المصريين كونها لم تتوقف.


اشترط «مصعب» عدم إرسال أى مبلغ قبل أن يرسل لنا صورة من التحليل الخاص بنا، والمرفقة به البيانات الشخصية، لكنه حذر من فشل هذه العملية بعد تزوير الأوراق: «لو تراجعت عنها هيحصل مشاكل كبيرة جدًا بينهم وبينا».
وفى ختام حديثه معنا أبلغنا بأنه سيُنهى العملية خلال يومين لا أكثر، وبمجرد إرسال صور التحاليل لنا سرعان ما نرسل إليه المبلغ المتفق عليه عبر الحساب البنكى الذى سيعطينا رقمه صباح هذا اليوم.
وعبر المنشور نفسه الذى كتبناه، وجدنا تعليقًا من شخص يدعى «رائد»: «لو لقيت حد يعملها لك قول لى عشان محتاجها»، فتواصلنا معه على الفور، واتضح أنه من قاطنى محافظة بنى سويف، وحين سألناه عن سبب احتياجه لها، قال: «هنطلع بمصلحة حلوة».
أخبرناه بأننا تواصلنا بالفعل مع أحد «السماسرة»، واتفقنا على تزوير تحاليل تثبت إيجابية الإصابة بالفيروس، وطلب منا وسيلة التواصل على الفور، فأرسلنا إليه رقمًا خاصًا بنا على أنه لأحد «السماسرة»، وبالفعل اعترف لنا بمراده: «أنا قدامى أكتر من ١٠ أشخاص محتاجين بلازما».
وأضاف أنه يخطط لعملية نصب كبيرة يحتاج فيها إلى أشخاص يتشاركون معه، لكن كان ينقصه الحصول على التحاليل المزوّرة، حتى لا يشك فيه أحد، وخاصة بعد انتشار تحذيرات من التبرع بالبلازما مقابل المال.


إخصائى تحاليل: تُسحب من المتعافى بعد 14 يومًا من الشفاء

قال الدكتور محمد إبراهيم، إخصائى تحاليل، إن البلازما تشكل تقريبًا نحو ٥٥٪ من حجم الدم، وهى مادة سائلة شفافة يميل لونها إلى الأصفر، ويشكل الماء ٩٠٪ من حجمها، مشيرًا إلى أن سحب البلازما من المتعافى يكون ما بين اليوم الـ١٤ والـ٢٨ من بعد التعافى، واختفاء أى آثار للمرض.
وشرح كيفية سحب البلازما من المتعافى: «يتم سحب الدم من الشخص المتعافى ثم يمرر داخل جهاز خاص لفصل خلايا الدم عن البلازما التى تحتوى على الأجسام المضادة»، مضيفًا: «بعد ذلك تحقن بلازما الدم فى جسم المريض لتكسبه مناعة فورية تمتد فى الغالب لـ٤ أيام، وتعرف هذه الطريقة بالمناعة السلبية المكتسبة».
وواصل: «عندما يدخل الفيروس أو أى ميكروب فى جسم الإنسان يقوم الجهاز المناعى فى الجسم بتطوير وإنتاج بروتينات تعرف بالأجسام المضادة، وتكون متخصصة ونوعية، وكل نوع منها يقتل ميكروبًا محددًا».
وأشار إلى أن الأجسام المضادة عادةً ما تكون موجودة فى الدم، وتنتقل بواسطة البلازما لترتبط بأجزاء من الفيروس وتمنع العدوى، ومن هنا جاءت فكرة استخلاص البلازما الغنية بالأجسام المضادة لـ«كورونا».


طبيب مناعة: يشترط الخلو من أى أمراض مثل التهاب الكبد الوبائى

ذكر الدكتور محمد كمال، طبيب المناعة والفيروسات، أن استخدام بلازما الدم المناعية فى العلاج أظهر نتائج مبشرة خلال الأيام الماضية.
وقال إن دم المتعافين يحتوى على أجسام مضادة للمرض، وهى بروتينات يستخدمها الجسم لمكافحة العدوى، ويُسمى الدم المأخوذ من المتعافين بلازما النقاهة، وهو الجزء السائل من الدم، داعيًا للتبرع بها لمساعدة المرضى.
وأضاف أن التبرع ببلازما الدم له شروط يجب أن تكون متحققة قبل عملية سحب الدم، وهى أن يكون اختبار المسحة سلبيًا لدى المتعافى، ويتعين عليه الانتظار لمدة أسبوعين بعد الشفاء، والتأكد من عدم ظهور أى أعراض لديه.
وأشار إلى أنه يجب أن يكون دم المتبرع خاليًا من الأمراض، مثل الإيدز والتهاب الكبد الوبائى وغيرهما من الأمراض المعدية، والتأكد من وجود مسحة إيجابية للفيروس فى بداية المرض، ثم إجراء مسحتين خلال فترة التعافى للتأكد من سلبية النتائج.
ولفت إلى أنه حتى الآن لم يثبت وجود دواء آمن وفعال لعلاج فيروس كورونا، ولم توافق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية «FDA» على أى أدوية مخصصة لعلاج المصابين.


المشرف على بنوك الدم بقصر العينى: عملية الفصل تتطلب إشرافًا طبيًا كاملًا

قالت الدكتورة نرمين الدسوقى، أستاذة التحاليل الطبية المشرفة العامة على بنوك الدم فى مستشفى قصر العينى، إن العلاج ببلازما الدم سبق استخدامه مع أمراض أخرى، ونجح فى علاج عدة فيروسات، من بينها «سارس».
وأضافت أن الحصول على بلازما المتعافى يتم بعد التأكد من سلبية إصابته بالمرض، لتأتى مرحلة تجميع البلازما وتوفيرها لشخص آخر يكون مصابًا بالفيروس نفسه.
وحذرت من التعامل باستهانة مع مسألة نقل البلازما، ونقلها بشكل غير قانونى، مشيرة إلى أن الأمر يجب أن يتم تحت إشراف أطباء متخصصين، خاصة أن البلازما لا تصلح لجميع المصابين، ويجب خضوع المتبرع والمريض لعدة إجراءات طبية قبل عملية النقل.
وأضافت: «يجب نقل البلازما بطرق رسمية داخل الأماكن المخصصة التى وفرتها وزارة الصحة وتحت إشراف طبى كامل، والأطباء المختصون هم من يحددون مدى تدهور الحالة الصحية للمصاب، وطبيعة العلاج اللازم له، ويجب عدم استغلال حاجة المرضى للعلاج فى استنزاف أموالهم، ويجب احترام التجارب السريرية والوقوف إلى جانب الأطباء المختصين فى مثل هذه الظروف العصيبة، من أجل دعم جهود الدولة فى احتواء الوباء».


قانونى: عقوبة النصب تصل إلى ١٠ سنوات

أما من الناحية القانونية، فقال الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، إن ‏التزوير فقهًا وقضاءً هو تغيير الحقيقة، حيث تقوم جريمة التزوير على عنصرين، أولًا: تغيير الحقيقة فى محرر رسمى أو عرفى، ثانيًا: وقوع الضرر، ويختلف الأمر ما إذا كان التزوير فى محرر رسمى أو عرفى، وكلاهما يعاقب عليه بالسجن.
وأضاف أن تزوير محرر رسمى لغرض تسهيل البيع يعد جريمة يعاقب عليها الفاعل، وتتضمن ثلاث جرائم، الأولى: تزوير محرر رسمى، والثانية: استعمال محرر رسمى فيما زوّر إليه، والثالثة: استغلال هذا المحرر فى بيع شىء غير صحيح لا يفيد فى علاج مريض آخر، وهذا يُسمّى نصبًا، وبالتالى تكون تلك الجرائم مرتبطة ببعضها ولا تقبل التجزئة، ويسمى ذلك «التعدد المعنوى»، وفى هذه الحالة يعاقب المتهم بعقوبة الجريمة الأشد، وهى تزوير محرر رسمى، وعقابه الحبس المشدد الذى قد يصل إلى ١٠ سنوات.

وأكد أن بيع البلازما من متعافى كورونا فى حد ذاته لا يعد جريمة، وذلك لأن هناك أصولًا وثوابت دستورية حاكمة، والدستور المصرى يقول: «لا جريمة إلا بنص»، موضحًا أنه لا يوجد نص فى قانون العقوبات يجرم بيع البلازما، والمشرع لم يجرم بيعها على الإطلاق، بالإضافة إلى أن ‏بيعها لا يجوز قياسه ببيع الأعضاء لأنه لا يشكل عضوًا من الأعضاء البشرية المجرم بها فى القانون المصرى.
وتابع: «المُزوّر الذى زوّر هذه الأوراق يُعاقب بالعقوبة الجنائية، وهى تزوير فى محرر رسمى بالحبس المشدد، أما الشخص الذى استخدم هذه الأوراق، فإذا كان يعلم أن هذا المحرر مزوَّر، متفقًا مع الجانى، يعاقب بعقوبة المُزوّر بالحبس المشدد أيضًا».