رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

" رمضان " وروعة الحالة النقشبندبة


في شهر يناير الماضي وتحديدًا قي اليوم السابع منه كان إعلان مرور قرن من الزمان على ميلاد الشيخ سيد محمد النقشبندي صاحب المدرسة المتميزة في الابتهالات الروحية ، وأحد أشهر المنشدين والمبتهلين في تاريخ الإنشاد الديني، يتمتع بصوت يراه الموسيقيون أحد أقوى وأوسع الأصوات مساحة في تاريخ التسجيلات.
مَوّلاي إنّي ببابكَ قَد بَسطتُ يَدي
مَن لي ألوذُ به إلاك يا سَندي؟
بتلك الأبيات الرائعة التي يُسبح بها صاحب الصوت الروحاني الآسر المميز المصري الشيخ سيد محمد النقشبندي عندما ينطلق من ميكروفونات الإذاعة وشاشات التليفزيون نعرف أن شهر رمضان قد حل بكل مظاهر الفرحة الروحية المصرية السنوية فتضاء الشوارع بنور أهلها الطيبين والمساجد بعناية الله و روحانية مصليها .. كم كان مبدعًا ذلك النقشبندي العظيم ..
كلمة نقشبندي مكونة من مقطعين هما "نقش" و"بندي" ومعناها في اللغة العربية: القلب، أي: نقش حب الله علي القلب، النقش بند بالفارسية هو الرسام أو النقاش والنقشبندي نسبة إلى فرقة من الصوفية يعرفون بالنقشبندية ونسبتهم إلى شيخهم بهاء الدين نقشبند المتوفى سنة 791 هجرية.
تعددت الروايات حول بداية دخوله للإذاعة، حيث قال الموسيقار حلمى أمين، إنه هو الذى اكتشفه عندما سمعه فى عزاء، وأعجب بصوته ووجد فيه إمكانيات ومساحات صوتية نادرة، بينما قال المذيع أحمد فراج إنه هو الذى اكتشفه بالصدفة وقدمه للإذاعة بعدما سمعه بالصدفة يبتهل فى الحسين بعد صلاة الجمعة، فدعاه للإذاعة حتى يسمعه بابا شارو.
وكان السادات قد سمع ابتهالاته فى مسجد الدكرورى بالسويس قبل توليه الرئاسة، من خارج المسجد بسبب شدة الزحام، وبعد أن أصبح رئيسا تحدث مع طبيبه الخاص الدكتور محمود جامع- وهو من طنطا، وكان يعرف جدى- عن مدى إعجابه بصوت الشيخ النقشبندى، فأرسل فى طلبه من طنطا إلى ميت أبو الكوم، واعتاد أن يرسل له ليسمعه كلما زار ميت أبو الكوم، ودعا السادات جدى فى فرح ابنته بالقناطر، وأثناء الحفل نادى الرئيس بليغ حمدى فى وجود وجدى الحكيم، وقال له عاوز أسمعك مع النقشبندى، وحينها خاف جدى أن يلحن له بليغ وهو مشهور بالألحان العاطفية، وكان الشيخ يتعامل مع الملحن حلمى أمين الذى كان يميل للون الدينى، واتصل جدى بوجدى الحكيم، وقال له أنا قلقان من بليغ، فاقترح عليه الحكيم أن يسمعه أولا ثم يقرر، فسمعه النقشبندي فى لحن مولاى وأعجبه، وبعدها قال: بليغ ده جن، وسجل معه 15 ابتهالا من كلمات الشاعر عبدالفتاح مصطفى فى عام 1971 من أجمل ابتهالاته، ومنها مولاى وأشرق المعصوم ويارب كرمك علينا وذكرى بدر عام 1971، ولم يحصل جدى أو بليغ على أجر مقابل هذه الابتهالات، وكان جدى يحب الرئيس السادات ويدعو له.
وبالمناسبة أعرض بعض سطور مقال كتبه الشيخ الرائع نشر فى مجلة (الإذاعة) بتاريخ 20 أكتوبر سنة 1968...كتب " اليومين دول واحد أخ صحفى قالب الدنيا بيدور علىَّ فى كل حتة علشان عايز يشوفنى يعمل معايا حديث بمناسبة رمضان.. اتصل بىَّ فى بيتى فى طنطا بس أنا ماكنتش موجود، والظاهر إنه يعرف أخونا مدير سينما ( أمير) فى طنطا فوصاه يخلينى أتصل بيه ، وفى الحقيقة أنا ماكنتش باتهرب منه، لكن أنا اليومين دول مشغول للغاية ، وإن كان ده لا يمنع برضه إنى بأخاف من الصحفيين وبأخشى أسئلتهم الخبيثة الماكرة المفاجئة اللى لا تتيح للواحد فرصة التفكير الهادئ والتروى قبل الرد عليها.. مثلا قال لى: " بتروح السينما ولا لأ يا شيخ سيد؟!.. " قلت له: " والله يا أخى إن الدين لا يعترض على أى فن نظيف يشير إلى الفضيلة ، وأنا أذهب إلى السينما كلما سمعت عن فيلم جيد، وقد شاهدت كل أفلام محمد عبد الوهاب بلا استثناء أكثر من مرة وأحفظ أدواره كلها ".. فصديقنا الصحفى اتسعت عيناه من الدهشة وهو بيسألنى : " بتحفظ أدواره اللى بيمثلها فى السينما يا شيخ سيد؟"! قلت له: " لأ يا أخى.. أدواره هنا بمعنى أغانيه أو ألحانه ، وأتغنى بها فى كثير من الأحيان " وأعشق كذلك غناء أم كلثوم، فهو لا يثير فى النفس إلا كل أحاسيس شريفة عفيفة، حتى فى أغانيها العاطفية، فهى لا تغنى ( إستنانى على السلم فى الضلمة يا حبيبى )، ولا تقول (أنا لابسة ومتزوقة على الآخر ونار الشوق مولعة فى جِتِة البعيدة)!!.. ، وسألنى: " عندك بنات كبار يا شيخ سيد؟!." قلت له وقد ظننته سؤالا ويمر: " أى نعم، تلاتة.. اتنين متجوزين، والثالثة صبية تلميذة فى الرابعة عشر ".. سأل: " بيلبسوا إيه؟!" قلت فى دهشة: " يعنى بيلبسوا ملابس طبعاً" ..قال: " أقصد أى نوع من الملابس ؟" .. قلت وقد أدركت ما يرمى إليه بسؤاله: " يرتدين العادى جداً الشائع من الملابس الحديثة ، يعنى على الركبة فى حدود المعقول، لكن تلك الموضة التى تسمونها (المينى جيب) فهذه تقليعة لا مكان لها عندنا".. قال: " بيروحوا للكوافير يا شيخ سيد؟!".. قلت: " أى نعم.. فى المناسبات فقط " ما رأيك فى الحب ؟!"..قلت له: " الحب من العفاف لا أراه حراماً.. أقر الحب العفيف إذا كانت النوايا سليمة وليس بقصد التسلية.. "
قدموا للناس الشيخ والكاهن من أهل الاستنارة كنماذج لدعم الوعي الديني والروحي ، لمقاومة رسائل الإقصاء الاجتماعي والثقافي لبشر منا على أساس الهوية الدينية أو الجنسية .. وتعالوا نردد ابتهالات النقشبندي لنحلق بأرواح تخففت من أثقال الكراهية والقبح السلوكي ..