رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«يوميات نص الليل» لـ مصطفى محمود توقظ العقل

يوميات نص الليل
يوميات نص الليل

قد يخيل إليك أن كتاب معنون بـ"يوميات نص الليل" سيكون عبارة عن رواية بطلتها امرأة تحكي غرامياتها المتعددة، ولكن في الحقيقة هي عبارة عن كتاب يحوي سبعة عشر مقالا.. كل سطر فيه يحمل مكنسة تجلي غبار التخلف، فتنظف غرف العقل، كما هي عادة كتابات الدكتور مصطفى محمود.

في المقال الأول (الطفل العميق) يقف الكاتب عند نقطة البدء، حيث الأسئلة الربانية التي نطرحها ونحن أطفال، ثم نتوقف عن طرحها حين نكبر ونعتبرها أسئلة تافهة.. رغم أنها تحمل الكثير من الفلسفة والعمق ويتمنى الكاتب لو أننا نظل نحافظ على جنوح الطفولة وبراءتها، فالعقل الذى يسأل هو عقل حي، بينما العقل الخامل والكامن هو عقل ميت.

ثم ينتقل بسلاسة إلى المقال الثاني "مرحبا بالخوف" والذي يتحدث فيه عن فوران العالم وثوراته ومخاوفه، ولأنه يؤمن بنفس الفكرة التى عرضها فى المقال السابق يقول: أفضل ضغط الدم الذى يصيبنى من قراءة الحقائق على البلادة التى تصيبنى من قراءة الأخبار المتفائلة.

وبعمق شديد ينزح الكاتب في مقالة (الشر) إلى فكرة الشر فى النفس البشرية ويرى أنه جزء من تكويننا، ويربط بين وجوده والقدرة على الاختيار. قالحرية عنده هى أن نفعل مانشاء خطأ أو صوابا ونتحمل مسؤليته.. كما أن الشر ابتلاء لكى يميز الله الخبيث من الطيب.. ويرجع الكاتب قضية الشر فى النفس البشرية إلى مافوق العقل وأنه لا جواب لها إلا بالإيمان.

وفى مقاله (مناقشة) ينتقد نظرية التطور داروين التى يقول فيها إن الكائنات تطورت كي تبقى على قيد الحياة.. ويعتبرها ناقصة لأن صاحبها يفهم الحياة كمادة.. ويفسره تطورها بدوافع مادية.. رغم أن فيها شخصية جمال والجمال قيمة مرتبطة بالذات والروح، كما أن الجمال قيمة وليس مقدارا يقدر بالكم الوزن.

ثم ينتقل إلى نقد نظرية فرويد الذى يرجع كل أمورنا الحياتية إلى الرغبة الجنسية سواء كنا فى اليقظة أو كنا نيام، سواء كنا أطفالا رضع أو كنا كهولا أو شيوخا، وذلك في مقاله (شكوك في محلها) ويدحض الدكتور مصطفى محمود نظرة فرويد ويهدمها رأسا على عقب بأن الطفل لا يعرف شيئا عن اللذه حين يلتقط ثدى أمه، والرسام لا يشبع رغبته الجنسية حين يرسم، بل يشبع رغبته الروحية، ولو كانت الرغبة الجنسية هى الدافع لتوجه إلى أقرب ماخور.. ويقول د مصطفى محمود إن التدني الجنسي لا يمكن أن يكون وسيلة للصحة النفسية، بل العكس هو الصحيح لأن أهل اللذة ذوي شخصيات رخوة ومنحلة.