رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فادي عاكوم يكتب: أرانب نبيه بِرّي

فادي عاكوم
فادي عاكوم

يعتبر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري من أكثر رؤساء المجلس جدلا في لبنان، بالإضافة لكونه من أكثر رؤساء البرلمانات العربية استمرارًا في مركزه، فهذا الرجل الذي كان يتزعم ميليشيا أمل الشيعية الحليفة لحرب الله، كان ولا يزال يستطيع التحكم بالمسارات السياسية الداخلية في لبنان، لدرجة أنه من الممكن تشبيهه بالساحر الذي يخرج الأرانب من قبعته السوداء لإرضاء وإسكات الجمهور وبعدها يتم التصفيق له.

ففي الأمس القريب كان إيجاد مرشح لرئاسة الحكومة أمرًا أشبه بالمستحيل، فجميع المرشحين انسحبوا بسبب دقة المرحلة التي يمر بها لبنان سياسيًا واقتصاديًا وماليًا، لكنه اقترح تسمية حسان دياب البعيد وقتها عن دائرة التسميات وهكذا كان، فأنقذ بري فريقه الحاكم وحلفاءه خصوصا حزب الله والتيار الوطني الحر وتيار المردة، وأصبح للبنان رئيس للحكومة وبعدها حكومة أنقذت العهد من الفراغ الحكومي.

أما في الأمس ففي وقت كان الجميع بانتظار إعلان بري تأجيل جلسة المجلس النيابي الخاصة بطرح البيان الوزاري للحكومة والتصويت على إعطائها الثقة النيابية، وذلك بسبب قطع الطرقات من قبل المتظاهرين الثوار ومنع النواب من الوصول إلى ساحة النجمة حيث يقع المجلس النيابي، بالإضافة إلى إعلان كتل برلمانية كبيرة وأخرى صغرى وبعض المستقلين إحجامهم عن الحضور رفضًا للحكومة، وبدلا من تأجيل الجلسة افتتح بري الجلسة وقال كلمة ارتجالية مقتضبة ليعلن بآخرها أن النصاب مكتمل وهو 67 نائبًا علمًا أن النصاب هو 65 (نصف عدد النواب زائد واحد)، وكان جميع من في خارج القاعة البرلمانية يعتقد أن الحضور فقط 58 نائبًا من أصل 124 نائبًا.

من أين أتى النواب الإضافيون؟ من أين أخرجهم بري؟ والجواب بأنهم الأرانب التي كان يحتفظ بها لوقت الحاجة، فقد علم أنه اتصل شخصيًا برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ليرسل له مجموعة النواب الديمقراطي لإنقاذ الموقف، كما أنه ورغم التوتر السياسي الكبير الحاصل مع تيار المستقبل والذي كان قد أعلن قبلها بأنه لن يشارك بالجلسة فقد اتصل بري برئيس الوزراء السابق سعد الحريري وتم الاتفاق بأن تحضر الكتلة الجلسة بأي حد أدنى من النواب وهكذا كان.

فهذا الرجل السياسي المحنك استطاع مجددًا إنقاذ الفئة الحاكمة في لبنان والذي يعتبر هو شخصيًا أحد أركانها الأساسيين، وانقذ الفراغ الحكومي والجدل التشريعي.

علمًا أن غالبية النواب الذين حضروا الجلسة كانوا قد قضوا ليلتهم أساسًا بمكاتبهم في مجلس النواب خوفًا من إقفال الطريق من قبل الثوار، وقسم أتى باكرًا جدًا مع ساعات الصباح الأولى، وبعضهم تخفى وركب الدراجات النارية (الفيسبا) تاركًا ورائه سيارته الفارهة، وكان نصيب بعض النواب والوزراء توقيفهم والاحتكاك مع المتظاهرين ودخل النائب سليم سعادة إلى المستشفى بعد إصابته برأسه بسبب تحطيم سيارته.

فإلى متى ستظل أرانب بري تخرج من قبعته لإنقاذ العهد الحالي في لبنان، وإلى متى ستظل التربيطات السياسية أداة أساسية تنقذه وتنقذ الموقف، ففي لبنان مفترق طرق خطر جدًا حاليًا، والسير بالحكومة يعتبر مغامرة انتحارية كون بيانها الوزاري لم يأتِ بأي جديد أو معالجات فورية لإنقاذ الوضع المالي المقترب من الانهيار الحقيقي..