رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«يوم وليلة».. حكايات الطيبة والفساد عند أم هاشم


أحب الجمهور المصري أفلام "اليوم الواحد" المليئة بالتكثيف والحشو وكأنها واحدة من الجراحات السريعة التي تحمل الاسم نفسه، حيث يقوم الأطباء بتكثيف وملء فراغ اليوم بتجهيز المريض وتخديره وإجراء العملية الجراحية، ومن بعدها الإفاقة قبل الخروج من المستشفى بسلام. رأينا هذا الطراز من قبل في أفلام "الفرح" و"الليلة الكبيرة" للمخرج سامح عبد العزيز، وفيلم "ساعة ونص" للمخرج وائل إحسان. هي تيمة اليوم الواحد الذي تخوضه مجموعة من الشخصيات المُتشابكة المصائر والمليئة بالتناقضات البشرية، وتأرجح أبطال العمل بين الخير والشر،حتى أنهم يتفلسفون في ماهية الشر ومن أطلق هذا المصطلح.

أشرار طيبون

يأتي فيلم "يوم وليلة" كاسم مناسب لفيلم يدور طوال اليوم وينتهي في الليل؛ ففي حي السيدة زينب يعيش أبطال الفيلم في حلقة متشابكة على رأسها الصول المرتشي طيب القلب منصور الذهبي خالد النبوي، الذي يتقبل مبالغ مالية من سكان الحي لتخليص مصالحهم المختلفة بعيدًا عن روتينية الإجراءات أو موانع القانون، فمن إنهاء رخص محلات تجارية إلى تقاضي مبالغ لإعادة سيارة مسروقة لرجل أعمال، وغيرها؛ لكنه يجمع هذه الأموال لدفع أقساط تعليم ابنة شقيقته المتوفية، وهي طفلة مصابة بمتلازمة ساندروم أو ما يُطلق عليه "العته المغولي"؛ وإلى جوار الذهبي تأتي كثير من الشخصيات المتناقضة تباعًا، من ملاك الرحمة الشرير ميرفت درة، التي تتقاضى "الإكراميات" للاهتمام بالمرضى في الوقت الذي تسرق فيه الأدوية من صيدلية المستشفى التي تعمل بها، وتدير عصابتها الخاصة من الممرضات، وبيع الأدوية المسروقة لمدمني المخدرات، وتفعل هذا للاهتمام بمتطلبات أبنائها، وهي لا تُمانع من إقامة علاقات جنسية سطحية مع الأطباء داخل غرف المستشفى. بالمثل لا تختلف إيرين حنان مطاوع، الموظفة البيروقراطية المتدينة عن ترك "درج مكتبها" مفتوح أمام طابور المواطنين كحل سريع لنقل والدتها من المستشفى الحكومي لأخرى من النوع الذي يشترط دفع تأمين عند دخول المريض، ومن هؤلاء إلى يوسف أحمد الفيشاوي، اللص الجدع الذى يحنو على المهمشين مثله ويهتم بوالدته والتي يخشى أن تعلم عن طبيعة عمله.

نحن أمام مأساة عن البشر المقهورين بدرجات متفاوتة، فلكل شخص مطالب تدفعه لانتهاج طرق غير شرعية لكسب عيشهم وتوفير مصدر دخل معقول يكفي احتياجاتهم ومطالب ذويهم؛ فقد لعب خالد النبوي دور شخصية الصول في أداء رائع من ممثل يمتلك تقمص الشخصية ويعيش داخل قلبها، لذلك بدأ الصول الذهبي كضابط ذو رتبة كبيرة وسلطة تتعدى مأمور القسم نفسه، مما يدل على تملك شخصية رجل الأمن من النبوي، فلم يكبح جموحه وترك شهوة التقمص تتملكه.

كادرات جمالية

استخدم المخرج مكرم أحمد كادرات جمالية، استطاع من خلالها عمل تكوينات تتماشى مع الحدث؛ والذي هو هنا "ليلة أم هاشم"، فترك الكاميرا حرة تتجول بين أنحاء الحي الصاخب بفعل الاحتفال، وبين نفوس وملامح شخوصه المرهقين؛ كما نجح المؤلف يحي فكرى في إبراز نقاط التناقض الإنساني في شخصية إيرين التي تُصلّي وتستعين بالعذرا "يا أم النور دبري كل الأمور" في عربة الإسعاف التي تنقل والدتها إلى المشفى الآخر، حيث أجادت الكاميرا القريبة التركيز على خشوع ملامح حنان مطاوع التي تشبه الأقباط المصريين أحفاد الرومان وإظهار تلك الملامح، كما فعل في شخصية ميرفت المفزوعة من يوسف الذي أراد اغتصابها في أحد الشوارع الجانبية بعيدًا عن صخب مولد السيدة زينب، البكاء والتضرع مع الكثير من الندم يطغى على ملامحها بعد أن ألقت جسدها أرضا إلى جانب يوسف الذى تراجع عن اغتصاب جارته؛ وحوار إنساني آخر بين محمد عادل والمسجل خطر في غرفة الحجز عن عجزه وقلة حيلته لمواكبة العالم الخارجي والعيش في مستوي مادي مقبول.

مشهد غيرمقنع

أما عن شخصية بجاتي خالد سرحان البلطجي وتاجر السلاح الذى يعقد العداوة بالصول منصور الذهبي، في حين الآخر يطارده ويخطط للإيقاع به. لم يبد مشهد القبض عليه مُقنعًا بالمرة، بل وكأنها لعبة "عسكر وحرامية" في الأداء وسرعة عملية الإيقاع به.

الشخصيات المسيحية والسلفية النمطية في الفيلم كانت من نصيب "بيتر" الشقيق الأكبر لـ"إيرين"، والذى يعمل مدرسًا ويجمع مبالغ كبيرة من الدروس الخصوصية وغير متزوج، إيرين نفسها شخصية نمطية للمسيحية المتدينة المنغلقة على ذاتها خوفًا من الخطيئة؛ أمّا عن شخصية المسلم المتشدد فقد فعل ما لم نقابله في الواقع، عندما قام بكسر كوب الشاي بعد أن فرغت منه إيرين شقيقة زميله، وذلك أمام أعينهما، بما في ذلك مخالفة لعقيدته التي لا تمنع استخدام أدوات الطعام مع مختلفي العقيدة معه.