رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسن أوريد: مصر الميدان الرحب للأدب ونيل الاعتراف بالجودة

جريدة الدستور

استدعى الروائى المغربى حسن أوريد شاعر العرب الأشهر، أبوالطيب المتنبى، من الماضى السحيق، ودفع به إلى شوارع الزمن الحاضر، ليرتاد المقاهى وينخرط فى التظاهرات، بل وزجّ به فى السجن، ثم مصحة الأمراض العقلية. فعل الروائى المغربى الكثير من الأفعال الخيالية بالمتنبى، عبر روايته «رباط المتنبى»، الصادرة عن «المركز الثقافى العربى»، حيث يتخيل أستاذ جامعى مغربى، مكتئب وحزين بسبب خسارته زوجته المهووسة بالمتنبى والأندلس، أنه هو المتنبى ذاته، ويدخل فى ضلالات وأوهام، يسردها «أوريد» فى النصف الأول من الرواية، قبل أن يعيد القارئ إلى أرض الواقع فى القسم الثانى منها بعد أن يستخدم المتنبى فى فضح عورات زماننا. وعن وصول روايته إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر، وعن المتنبى والمغرب وأهمية النشر فى مصر بالنسبة للكاتب العربى، يتحدث الروائى المغربى فى حواره مع «الدستور».

■ بداية.. كيف استقبلت وصول روايتك إلى القائمة الطويلة لـ«البوكر»؟
- بابتهاج طبعًا، جائزة البوكر أهم جائزة عربية للرواية، ولها مصداقية عالمية، والأعمال التى تم تتويجها من قبل أعمال رصينة، وأسهمت فى التعريف بالأدب العربى داخل العالم العربى وخارجه. جائزة البوكر تضطلع بدورين أساسيين، التعريف بما يكتب باللغة العربية، وكسر الحواجز بين أرجاء العالم العربى، ثانيًا نقل هذا الأدب عالميًا، لأن الأعمال المتوجة يمكن أن تترجم.
■ قلت فى حوار لك إن حضور المتنبى فى روايتك كشخص من الماضى إنما هو ذريعة لكشف الراهن العربى.. ما تفسير ذلك؟
- كان هاجسى للكتابة عن المتنبى يستند إلى عدة عوامل، منها الذاتى، وهى العلاقة التى ربطتنى فى مسار تعلمى شعر المتنبى، على غرار جيلى. وأتيح لى كذلك أن أدرس على أيدى شخصيتين فذتين كانتا معجبتين بالمتنبى، ونقلتا هذا الحب لى. الجانب الثانى موضوعى، وهو أن الثقافة، كما يقول الفيلسوف الألمانى إيمانويل كانط، استعارة وأداء دين، واعتبرت أنه فى مثل سنى ينبغى أن أفى بدينى. لكن لا أخفى أنى اعتبرت المتنبى مدخلًا لتشريح الثقافة العربية وقراءة الوضع الراهن. المتنبى هو النجم الساطع للثقافة العربية. فى كل شعراء اللغة العربية نقول قال الشاعر فلان، إلا عن المتنبى، فلا نقول قال الشاعر المتنبى، إنما نقول قال المتنبى. طبعًا أعى أن المتنبى كان دومًا موضع جدل، فى حياته وبعد مماته. لكن الذى يهمنى، وقد يهم القارئ، هو توظيف المتنبى لقراءة الواقع الحالى. أنت تعرف أنه قبل سنتين احتفلت بريطانيا بأربعة قرون على ولادة شكسبير وصدرت عدة كتابات عنه، وتم استحضاره من أجل الوقوف على مميزات الثقافة الأنجلوسكسونية، فما المانع من استحضار المتنبى وتوظيفه لقراءة الواقع الراهن؟.. لم أكن أنوى التحامل، لا على العالم العربى ولا على الثقافة العربية، ولكن السعى لتجاوز أوضاع معضلة.
■ أى صعوبات واجهتها لاستدعاء المتنبى فى حاضرنا؟.. وهل احتاجت الرواية الكثير من البحث والتفتيش فى سيرة المتنبى وقراءة أدبه؟
- لم أبحث أو أدرس كثيرًا فى المراجع التى درست المتنبى وشعره. قرأت ديوانه الشعرى، أو أعدت قراءته على الأصح، وقرأت كتبًا كلاسيكية عنه مثل «مع المتنبى» لطه حسين ومحمود شاكر ومستشرقين مثل ريجى بلاشير، ومارجريت لاركن وآخرين لكن عملى هو رواية، ومادة الرواية هى الخيال.
■ تطرح روايتك جدل الثنائيات وأبرزها سؤال الهوية والانتماء العرقى الثقافى بين العربية والأمازيغية.. ألا ترى أن المغرب تجاوز هذا السؤال وأنه ضمن لكل الهويات الانصهار فى صيغة موحدة؟
- قضية الهوية حاضرة فى كتاباتى، ولو أنى لا أفضل هذا المصطلح، وأفضل مصطلح الشخصية، وهو المصطلح الذى استعمله طه حسين فى «مستقبل الثقافة فى مصر»، أو جمال حمدان فى «شخصية مصر».
وبغض النظر عن المصطلح، ولو أن الشخصية تختلف اختلافًا جذريًا عن الهوية، فهناك خطابات تنبنى على الهوية، وهى أشياء أتيح لى أن أدرسها أكاديميًا.
تعرض الرواية لخطاب الهوية من أجل تجاوزه. وعلى كل حال على المثقف أن يتجاوز خطاب الهوية. طبعًا الذى أهّلنى لفهم خطابات الهوية فى المغرب هو التقاؤها فى ذاتى، فأنا متكلم الأمازيغية، ومشبع بالثقافة العربية. وما ينطبق علىّ ينطبق على المغرب، بل على شمال إفريقيا من حيث عمقها التاريخى والإنسانى المصبوغ بالأمازيغية، ولكن لا يمكن إنكار البعد العربى أيضًا، ثقافيًا وإنسانيًا وسياسيًا.
■ تتميز الكثير من رواياتك بالحفر فى التاريخ والاقتناص من التراث لخلق عالم روائى مرتكز عليهما.. هل نستطيع القول بأن هذه السمة هى جانب رئيس فى مشروعك الروائى؟
- من الأحكام الجزافية أننى لا أكتب إلا من مادة التراث، أرفض ذلك فأنا لى أعمال روائية تستقى مادتها من الواقع ولا علاقة لها بالتاريخ، أنا أمزج الواقع بالخيال.
تعرّف الجمهور علىّ فى المغرب وخارجه كاتبًا من خلال رواية «الموريسكى»، وهى رواية تستقى من التاريخ. والذى يهمنى، سواء وظّفت التاريخ أم لا، هو مناقشة قضايا آنية. هاجس الحاضر يظهر فى «الموريسكى» أو «ربيع قرطبة» مثلًا.
■ كتبت الشعر ولك مؤلفات فكرية مثل «مرآة الغرب المنكسرة».. فهل تفكر فى الإطلال على صنوف كتابية أخرى كالسيناريو والقصة القصيرة والمسرح؟
- أكتب الرواية والأعمال الفكرية. وأعتبر أن لى علاقة شرعية بهذا الميدان من خلال الجامعة، لذلك أكتب حول قضايا سياسية وفكرية، ولى عشيقة هى الأدب، أو على الأدق الرواية. لم أكتب القصة القصيرة ولا المسرح، ولا أرى أنى سأقتحم هذين الميدانين. لكن بغض النظر عن جنس الكتابة، فأنا أنطلق من فكرة واحدة هى السعى لفهم ما يحدث فى الحاضر وتجاوز معضلاته، سواء كتبت الرواية أو عملًا فكريًا.
■ كيف ترى دور وزارة الثقافة المغربية، وهل تؤدى ما هو منوط بها؟
- لا جدال أن لوزارة الثقافة دورًا، ولكن الثقافة أشمل من أن تختزل فى قطاع. وينبغى دومًا التفكير فى وظائف وزارة الثقافة والشركاء المحتملين.
الثقافة شأن محلى كذلك، يهم كذلك ما نسميه نحن فى المغرب بالمجالس المحلية أو البلديات. هل من الضرورى مثلًا أن تركز وزارة الثقافة جهودها على حماية الآثار وترميمها؟.. فى مصر هناك هيئة مستقلة لهذا الغرض كما فى الولايات المتحدة مؤسسات خاصة تُعنى بالثقافة.
الخطورة أن تحتكر وزارة الثقافة الثقافة، لكن لا ضير ولا بأس أن تشتغل مع فعاليات، وتواكب ديناميات المجتمع والهيئات المختصة.
■ متى يصدر حسن أوريد كتبه ورواياته من مصر؟
- أنا سعيد أن أصدرت لى هيئة الكتاب المصرية رواية «الموريسكى»، الأمر الذى مكننى من الاتصال بالقارئ المصرى، وهو قارئ متميز، ولى علاقات طيبة مع ناشرين مصريين، مثل الدار المصرية اللبنانية والشروق.
يظل دور مصر الثقافى رائدًا. وأتمنى مخلصًا أن ينشر لى قريبًا عمل فى مصر، لأنى أرى فى ذلك وفاءً لدين، لما أكنه لمصر وشعبها من حب وتقدير، ولأنها الميدان الرحب للأدب ونيل الاعتراف بالجودة.