رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حوارات البوكر

بشير مفتى: كتابة السيناريو لا تستهوينى وعملى بالنشر مغامرة لا أدرى لِمَ لا أتوقف عنها

جريدة الدستور

قال إن «البوكر» همشت الرواية الجزائرية لفترة طويلة دون أسباب واضحة
الجائزة تمنح الكاتب فرصة لزيادة معدل قراءة أعماله وسعيد بترشحى لها
نمارس التعصب فى الأدب مثل كرة القدم ولسنا فى مسابقة عدو


اقتحم الروائى الجزائرى بشير مفتى «١٩٦٩»، قوائم «البوكر» من قبل، فقد سبق لروايته «دمية النار» أن وصلت للقائمة القصيرة، ومؤخرًا تأهلت روايته الأحدث «اختلاط المواسم.. وليمة القتل الكبرى»، الصادرة عن منشورات ضفاف والاختلاف، إلى القائمة الطويلة من الجائزة العربية للرواية العربية «البوكر»، صحبة ٣ روايات جزائرية أخرى. «مفتى» فى «اختلاط الموسم» يطعم أحداث روايته بعمق فلسفى جلى، فيتناول ثنائيات متنافرة، خاصة أن بطل الرواية قاتل متسلسل، وبالتالى فإن فعل القتل نفسه يخضع لرؤى مختلفة، بين تجريمه وتقديسه، ثنائية الطهر والدنس، وغيرها من الثنائيات الجدلية، التى تغلف العلاقة الشائكة بين القاتل المتسلسل، وشخصية سميرة قطاش الهاربة من نفسها والعالم.
وفى حواره مع «الدستور»، تحدث الروائى الجزائرى عن أسباب اعتماده لكثرة تعدد الرواة فى روايته الأخيرة، وموقفه ممن اعتبرها رواية فلسفية، إلى جانب الحديث عن حالة النشر والكتابة بالجزائر.

■ بداية.. كيف استقبلت خبر وصول روايتك «اختلاط المواسم.. وليمة القتل الكبرى» للقائمة الطويلة لجائزة البوكر؟
- شعرت بالسعادة لذلك، فالكتاب العرب فى الأغلب لا يملكون فرصًا كبيرة لتوسيع دائرة مقروئاتهم، فى الوقت الحالى، إلا من خلال الشهرة التى تأتى من التتويجات التى قد تحصدها أعمالهم فى مثل هذه الجوائز.
■ المكسب المادى.. الترجمة.. المقروئية.. كلها من مكتسبات الجوائز وتحديدًا «البوكر».. كيف ترتبها وأيها تهمك أكثر؟
- بالنسبة للترجمة، ترجمت بعض أعمالى إلى الفرنسية، لكن عندما يكون التوزيع نحو ألف نسخة فلا يمكن توقع الكثير، أما من الناحية المادية، ففى فرنسا تكون هناك منح مهمة للكتابة تساعد الكاتب بالفعل، وهذا الشىء ينقصنا فى العالم العربى، خاصة أن المقروئية فى بلادنا ضعيفة، لذا لا ينجح ماديًا من خلال الكتب إلا قلة من الكتاب.
■ كيف تجرى الأمور مع رواياتك التى تُرجمت إلى لغات أخرى.. كيف ترصد الفروق فى التلقى؟
- القارئ الفرنسى يطرح تساؤلات اجتماعية وسياسية عن الدين والمرأة والموروث، لأن اهتمامهم بالأدب بطبيعة الحال يكون أكثر منا، لذا فإن الترجمة والنجاح فى الغرب يعدان تتويجًا كبيرًا لأى كاتب، مهما قال عن هذا الغرب بأنه يدور فى فلك نفسه ويعيش فى مركزيته.
■ تطرح «اختلاط المواسم» أسئلة عن ثنائيات متنافرة.. كيف يمكن تجريم القتل من جهة وتقديسه وتبجيله من جهة أخرى.. وتبدو كما لو كانت مبنية على مقولة هوبز «الإنسان ذئب لأخيه الإنسان».. إلى أى مدى يمكن للقالب الروائى خدمة الفلسفة؟
- أغلب القراءات النقدية التى تناولت الرواية تحدثت عن هذا البعد الفلسفى فيها، والحق أننى لم أهتم بهذا البعد إلا لإضاءة شخصية البطل الرئيسى، وهو قاتل متسلسل، يعيش عصره الذهبى فى فترة التسعينيات المؤلمة، عندما حدثت الحرب الأهلية فى الجزائر، ووجدها فرصة لممارسة القتل دون أن يعاقبه أحد، بل حتى تم تشجيعه على ذلك. فرغم أن البطل كان يقتل لصالح جهات أمنية معينة، إلا أنه كان يقتل لمتعته الخاصة، وكان يناقش مسألة القتل كى يبرر لنفسه هذا الفعل، ولماذا يقلبها البعض فى إطار وطنى أو دينى ويرفضها عندما تكون لتحقيق المتعة الشخصية.
ولأن فكرة القتل والموت هى مسائل وجودية، فعند الحديث عنها فى إطار روائى سيبدو الأمر كأن الكاتب قرر كتابة رواية فلسفية، مع أن أحداثها تنتمى إلى الواقع بشكل كبير.
■ تساءل كثيرون عن أسباب اختيارك تقنية تعدد الرواة فى الرواية.. فلماذا كان ذلك؟
- كانت الفكرة الأولى التى قررت كتابتها تدور حول «امرأة الأحلام»، التى نحلم بها جميعًا، وهل يمكن أن توجد مثل هذه المرأة؟، وإن وجدت فما هى مواصفاتها وسيرتها؟. وعندما شرعت فى كتابة الرواية من خلال سيرة شخصية «سميرة قطاش» وصلت إلى فكرة أن «امرأة الأحلام» هذه يجب أن تقتل فى النهاية، لذا توقفت عن سرد حكايتها، وظهر القاتل كشخصية محورية، وانتقلت معه من قصتها إلى قصته، ولا أخفى أن هذا القاتل استحوذ على تفكيرى، ووجدت لذة خاصة فى كتابته. وهكذا صارت الرواية مغامرة مفتوحة على شخصيات متعددة، لكنها تجتمع فى موضوعات مشتركة، وصار تعدد الأصوات والشخصيات، التى تتحدث فى الرواية يجعل القارئ ينظر للحكاية من زوايا مختلفة ورؤى متعددة، وهذا يقتل فكرة السرد عبر شخص واحد يملك وحده الحقيقة.
■ لماذا يقتصر إنتاجك حاليًا على الرواية دون القصة القصيرة والمسرح والسيناريو؟
- بصراحة، لست متأكدًا من كونى أصلح لكتابة المسرح والسيناريو، رغم أن أصدقاء كثرًا طلبوا منى المشاركة أو المساعدة، لكنى أخيب ظنهم برفضى، حتى عندما أكون بحاجة إلى المال، لأنى لا أشعر بالرغبة فى ممارسة شىء لا يجذبنى كثيرًا. أما بخصوص القصة القصيرة، فقد كتبتها فى بدايتى، ونشرت ٣ مجموعات قصصية، كما أكتب من حين لآخر قصصًا، لكنى أحتفظ بها لنفسى، وربما أنشرها يومًا ما.
■ سبق لك المشاركة فى كتب جماعية.. فكيف تقيم هذه التجربة؟
- شاركت فى ذلك مرتين فقط، إحداهما كانت فى فرنسا، حول كتاب يدور عن القارئ المثالى، وشارك فيه كتاب من مختلف القارات، لكن التجربة لم تتضمن أى عمل جماعى، بل كتب كل كاتب أوراقه وسلمها للناشر، الذى أصدرها فى كتاب واحد، والمرة الثانية كانت فى مقال ذاتى مطلوب فيه الكتابة عن الجزائر ونشر فيها.
■ متى تنشر رواياتك فى طبعات مصرية؟
- سأكون سعيدًا بالطبع فى التعامل مع أى دار نشر محترمة تطلب منى ذلك، وسبق لى التواصل مع دار «مبتدأ» بخصوص إعادة نشر روايتى «دمية النار»، ووافقت ونشرت الرواية لكن لم تصلنى أى أخبار عنها. ومنذ عامين وصلتنى دعوة لحضور معرض القاهرة للكتاب وفرحت بها كثيرًا، وكانت متزامنة مع صدور رواية «دمية النار» بالقاهرة، لكن لم تصلنى التأشيرة وحرمتنى من زيارة مصر، التى أحببتها منذ المرة الأولى التى زرتها بها فى ٢٠١٥.
■ تعمل فى النشر إلى جانب كونك كاتبًا.. فكيف ترى حركة النشر وتأثيرها على التفرغ للكتابة؟
- حتى الآن، النشر مغامرة متعبة لكاتب يريد أن يتخصص فى كتاباته، خاصة أن النشر فى المجال الأدبى والفكرى ليس فيه أى نجاح مادى على الأقل فى الجزائر، لذا تشعر كأنك تدور فى حلقة مفرغة، مهما كانت نوعية الكتب التى تنشرها، فلا توجد مقروئية كبيرة، وربما يكون ذلك لأنى لا أحسن تجارة النشر، لكنى لا أتوقف وإن كنت لا أدرى لماذا أواصل التحدى.
■ على ذكر أوضاع النشر.. وصلت الجزائر بـ٤ روايات إلى القائمة الطويلة لـ«البوكر».. فهل ترى الوصول للجوائز دليلًا على ارتفاع الشأن الأدبى فى دولة ما؟
- طبعًا لا، لكننا نمارس الشوفينية والتعصب فى الأدب مثلما نمارسها فى مباريات كرة القدم، وهذه ظاهرة منتشرة فى مشهدنا الثقافى العربى، ومؤخرًا، قالت لى صديقة: سأشجعك، فقلت لها: هذه ليست مسابقة عدو، وفى النهاية الأمر فى الجوائز متوقف على لجنة التحكيم، التى تحكمها معاييرها وذوقها، وأشياء كثيرة قد تدخل فى الاختيارات النهائية. وفى الوقت نفسه، أعتقد أن الرواية الجزائرية عرفت نوعًا من التهميش فى جائزة البوكر لفترة طويلة، ولا أدرى أسباب ذلك، فلست أعتقد أن الرواية الجزائرية قليلة الأهمية، لكن ربما يكون فى الأمر اعتبارات أخرى أجهلها.
■ بدأت الجزائر عصرًا جديدًا بعد الانتخابات الرئاسية مؤخرًا.. فكيف ترى ذلك؟
- أتمنى أن ندخل عهدًا جديدًا، لأن هناك نقاشًا كبيرًا فى الجزائر بين من يقولون إنه يجب منح الرئيس الجديد فرصة ليثبت وجوده، ويحقق ما نصبو إليه جميعًا من قطيعة مع آليات الحكم السابق، وبين فئة من المثقفين والسياسيين والمتظاهرين التى ترفض الاعتراف بهذا الوضع الجديد، وتنادى بتواصل الحراك حتى يحدث التغيير المأمول. ومن جهتى كمثقف، أقف مع الحراك، أى مع الشعب، وهذا يعنى أننى أقوم بدورى من خلال الكتابة والمشاركة فى المسيرات الشعبية، كما أؤمن بالحوار أيضًا، وبضرورة أن نجد أرضية يجرى فيها التحاور بشكل سليم دون إقصاء أحد.