رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التونسية مها الجويني.. بين الحبشة والصين

جريدة الدستور

لم تكتف مها الجويني (1987) بأن تقصد مهجرًا مختلفًا يندر حضور الكتّاب العرب فيه، لكنها اختارت أن تضاعف الأمر، فبعدما عاشت لسنوات في "أديس أبابا" في إثيوبيا كمتطوعة بالاتحاد الإفريقي، انتقلت بعد ذلك إلى "تيانجين" في الصين، وبين هذه تلك، أصدرت الجويني مجموعتها القصصية "عاشقة من إفريقية".

تقول الجويني عن سنواتها بعيدًا عن تونس في ذكرى إعلان الأمم المتحدة عام 2000 يوم 18 ديسمبر يومًا دوليًا للمهاجرين، لتسليط الضوء حول قصص المهاجرين وتفاصيل نجاحاتهم ومعاناتهم، وأثر التداخل الذي تحدثه الهجرة بين الثقافات، وبمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين: "حملت حقيبتي نحو أثيوبيا للالتحاق بالاتحاد الإفريقي كشابة متطوعة بحملة الاتحاد لإنهاء زواج القاصرات، في البداية كنت أبحث عن مغامرة، وعن قصص أرويها في مقالاتي ونثري عن إفريقيا، وبعد أكثر من خمس سنوات، بين بلاد الحبشة والصين، أصبحت المغامرة، أسس لكل حرف أخطه، بل تكاد تكون الحرف الذي أخطه.

هناك في الحبشة، عشقت العرب وتصالحت مع عروبتي يوم رقصت على أغاني يمنية مع أصدقائي الإثيوبيين الذين يهتفون "عاشوا" "عاشوا" كلما رقصوا مع العرب على أغاني فناني اليمن التي لا تغيب عن مطاعم الحبشة، كانت أديس أبابا متنفسًا للكثير من اليمنيين والسعوديين والسودانيين، كنت ألتقي بهم في الكثير من المطاعم والمحلات، حتى أنني تعلمت لهجة "جيزان" مع اللغة الأمهرية.

هناك كان للعروبة معنى آخر، فأهل جيزان يشبهون أهل الحبشة كثيرا، ويرقصون مثلهم، يشدون الصفوف ويهتفون وراء المغنين الأثيوبيين، وكنت أنا بينهم بلكنة تونسية، وكلمات فرنسية، وأصولي الأمازيغية، أعيش اضطرابًا وجوديًا، ما هذه العروبة التي لا أعرفها في بلادنا!

كنت لاعنة لمجتمعي أرى فيهم الكثير من السلبيات ولاسيما عدم احترامهم للأقليات، ولكنني وفي شارع "بولي" بأديس ابتسم لكل من يعتمر شماغًا، ولكل من يرتدي الحزام اليمني، ولكل من يضع القميص السوداني.

هناك، كانت يومياتي مخالفة ليوميات أصدقائي في أوروبا، الذين يشتكون عنصرية البيض ضد العرب، ويشكون الوصم الاجتماعي المرتبط بالإسلام والإرهاب. أما في الحبشة، فينادين الأثيوبيون: كونجوا (الجميلة) كلما مررت في الشارع، ويسألونني في العمل إذ ما كنت من قبائل "الأمهارة" وهي قبائل حبشية تعود أصولها لليمن حسب البعض.

الفن والرقص ومجالس القهوة بين العرب والأثيوبيين، كل هذه الأمور تسرّبت إلى كتابي "عاشقة من إفريقية" الذي كتبته بوجع أمازيغي، وحب عربي، وغدوت أقول لنفسي: "أنا لا أهاجر في بلاد الحبشة أنا أتصالح مع الحضارة العربية في بلاد النجاشي".

وتواصل الكاتبة والفنانة التونسية: "ثم انتقلت إلى قارة آسيا، وتحديدًا الصين، للدراسة، وأنا بصدد كتابة يومياتي عن بلاد العجائب، الصين، فكتابي القادم عن الصين سيحمل عنوان "راقصة قرطاج"، لأنني أشارك في عروض رقص تونسي في جامعة تيانجين للعلوم والتكنولوجيا وفي مسابقات رقص للأجانب.

في الصين اكتشفت جمال الخط العربي، يوم طلبت مننا أستاذة الخط الصيني الحديث عن لغتنا لأن الخط العربي أثّر على فن الخط الصيني "الشوفا" وهناك خطاطون صينيون انبهروا وتأثروا بروعة الخطوط العربية كخط الرقعة والخط الديواني.

كنت أتباهي بين الطلبة الباكستانيين والهنود والإندونيسيين والأفارقة والصينيين أتباهى بالتاريخ العربي الإسلامي وبالفتوحات الإسلامية وبالقيروان والأندلس ولا سيما اليوم الذي طلب مني فيه بعض زملائي الباكستانيين في السكن النظر في مدى إتقانهم للغة العربية، ووافقت للتحكيم بينهم وكأنني سيبويه أعالج نطقهم وأتفاخر أمامهم بأن العربية هي لغة الدولة التونسية.