رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان «يسلّح» حماس!



المغيبون، أو الطيبون زيادة عن اللازم، لن يصدقوا أن قلب الرئيس التركى، الطيب، الذى اتسع لفايز السراج وسلّح ميليشياته وقاتل معها الليبيين، قد يضيق بإسماعيل هنية، ويمتنع عن تسليح حركة «حماس» وعن مشاركتها القتال ضد الإسرائيليين. وليس بعيدًا أو مستبعدًا أن يكون هؤلاء المغيبون، أو الطيبون، قد حبسوا أنفاسهم وقاموا بتسخين حناجرهم وأيديهم، استعدادًا لاستقبال نتائج لقاء السحاب: لقاء أردوغان وهنية.
فى أولى جولاته الخارجية، خارج قطاع غزة ومصر، منذ توليه زعامة «حماس» أو ما وصف بحركة المقاومة الإسلامية، فى مايو ٢٠١٧، وصل هنية إلى تركيا، صباح الأحد ٨ ديسمبر الجارى. وأظهرت الصور المنشورة فى الصحف والمواقع الإخبارية التركية والحمساوية، المذكور يتقدم عددًا من كبار قادة الحركة: صالح العارورى، ماهر صلاح، حسام بدران، نزار عوض الله، خليل الحية، وموسى أبومروزق.
هنية، يقيم فى مخيم الشاطئ داخل قطاع غزة، بعكس سلفه خالد مشعل، الذى لم يعش طوال فترة توليه قيادة الحركة، فى القطاع أو فى الضفة الغربية. وبالتالى، فإن تحركات زعيم حماس ورفاقه، تستلزم موافقة السلطات الإسرائيلية، التى تفرض قيودًا مشدّدة على حركة الأشخاص والسلع من وإلى غزة، بزعم منع الحركات المسلحة من استيراد الأسلحة أو وسائل تصنيعها.
المهم، هو أن هنية ورفاقه وصلوا إلى تركيا، ترافقهم السلامة، وبعد أن غابت أخبارهم لأيام، عرفنا أنهم أدوا صلاة الجمعة فى مسجد الفاتح. ثم ذكر تقرير نشرته حماس، على موقعها الرسمى، أن وفد الحركة، بقيادة هنية، التقى الرئيس التركى، السبت ١٤ ديسمبر، فى إسطنبول. وذكر التقرير أن الوفد أشاد «بالمواقف التركية تجاه الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة»، وتناول «الأوضاع الإنسانية الصعبة فى قطاع غزة جراء حصارها المتواصل، والخطوات المطلوبة لإنهاء وكسر الحصار». ومن التقرير عرفنا أيضًا أن وفد حماس ناقش مع أردوغان «قضية القدس، والمخاطر المحدقة بالمسجد الأقصى المبارك، ودور تركيا فى إسناد القضية الفلسطينية».
وصول هنية ورفاقه إلى تركيا، جاء بعد ساعات من إطلاق ثلاثة صواريخ من غزة استهدفت مواقع إسرائيلية، ردت عليها قوات العدو بغارات جوية على مواقع تابعة لحماس. وقبلها بأيام، تحديدًا فى ٢ ديسمبر، كتب موسى أبومرزوق فى حسابه على تويتر أن «ما كشفه برنامج (ما خفى أعظم) على قناة الجزيرة، عن عملية حد السيف بغزة، يؤكد أنَّ المقاومة الفلسطينية على أتم الجهوزية للتصدى لاعتداءات العدو وتدابير مكره المختلفة، و... و... إلخ».
تأسيسًا على ذلك، انتظر المغيبون والطيبون زيادة عن اللازم، أن يشهد لقاء أردوغان وهنية توقيع اتفاق أمنى وعسكرى، كذلك الذى وقّعه مع غلامه الليبى، فايز السراج، وأن يعلن اعتزامه تسليح حماس وإرسال قوات تركية إلى غزة. لكن ما حدث، هو أن وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت أن أنقرة أبدت استعدادها للتفاوض مع تل أبيب بشأن نقل إمدادات الغاز الإسرائيلى إلى أوروبا!.
هيئة البث الإسرائيلى «مكان»، مثلًا، ذكرت الأحد، أن مسئولًا تركيًا رفيع المستوى فى مجال الطاقة زار القدس حاملًا رسالة أعربت فيها أنقرة عن استعدادها لخوض التفاوض مع تل أبيب حول نقل الغاز الإسرائيلى إلى أوروبا عبر الأراضى التركية. ونقلت الهيئة عن المسئول التركى، أن بلاده تنتظر تشكيل حكومة إسرائيلية مستقرة وتعيين وزير طاقة جديد لبحث الموضوع.
ما يؤكد ما نشرته هيئة البث الإسرائيلى وغيرها، هو أن بيرات البيرق، صهر أردوغان، حين كان وزيرًا للطاقة، عقد عدة لقاءات موسعة مع نظيره الإسرائيلى يوفال شتاينتس، ناقشا خلالها إجراءات مد أنبوب غاز طبيعى إسرائيلى إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. وكان أبرز تلك اللقاءات، فى إسطنبول، على هامش الدورة رقم ٢٢ لمؤتمر الطاقة العالمى الذى انعقد يوليو ٢٠١٧، واتفق خلاله الطرفان، البيرق وشتاينتس، على تسريع تلك الإجراءات.
لاحقًا، زار صهر أردوغان تل أبيب وبحث تفاصيل المشروع، وعددًا من المشروعات الأخرى لتعزيز التعاون التركى الإسرائيلى المشترك، وهو ما أكده أيضًا تقرير نشرته شركة «كليبيرداتا» الأمريكية المختصة بتعقب شحنات النفط العالمية، من أن نحو نصف النفط الخام المستخرج من حقول النفط فى إقليم كردستان شمال العراق، وصل إلى دولة الاحتلال من خلال عمليات تهريب تتم عبر ميناء «جيهان» التركى.
هناك، إذن، خطأ فى عنوان المقال، لكن يمكن تداركه بوضع ثلاث نقاط فوق سين «سلّح» حتى يستقيم المعنى: شلَّحَ، يشلِّح، تشليحًا، فهو مُشلِّح، والمفعول مُشلَّح، ويُقال شَلَّحَهُ قُطّاع الطرق أى سَلَبُوا ما معه من متاع. وعليه، ننتظر، بعد ذهاب «هنية» إلى العاصمة القطرية الدوحة، ولقائه «الفتى تميم» أن يرسل الأخير تلك الرسالة إلى أصدقائه فى تل أبيب: بارزته وسلاحه خَلْخالُهُ.. حتى فَضَضْت بكَفِّى الخَلخْالا!.