رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إهداء مخالف».. «الدستور» تتتبع مطابع الكتب المزورة في مصر (صور)

جريدة الدستور


تجدها ملقاة على الأرصفة بلونها الأصفر الباهت، مدون عليها أسماء كتاب عظام، ودور نشر غير معروفة، تتأكد منذ الوهلة الأولى أنها نسخ مقلدة؛ كان مصيرها السرقة بعدما اجتهد أصحابها في كتابتها، وأصبحت تباع بأسعار بخسة مقارنة بالنسخ الأصلية، دون النظر لحقوق الملكية التي تخص الكاتب أو دار النشر المسؤولة عن توزيعها.

قبل أيام قليلة، تمكنت الإدارة العامة لمباحث المصنفات وحقوق الملكية الفكرية، من ضبط ما يقرب من مليون و48 ألفًا و825 نسخة، من الكتب المقلدة داخل أحد المخازن التابعة لناشر أردني، قبل سفرها إلى الأردن لتوزيعها، وبالفحص تبين أن هناك ما يقرب من 10 آلاف كتاب مزورين داخل 1300 كرتونة.

الواقعة لم تكن الأولى، فهناك ضحايا عدة للكتب المزورة التي يتم سرقتها، كان منهم الكاتبة هند عبد الله، إحدى ضحايا تزوير الكتب، فقد وجدت كتابها المعروف وسط الشباب بإسم "بلا نيلة" يُباع على الأرصفة مقابل سعر أقل من سعره الحقيقي؛ مما أثر ماديًا على دار النشر الموزعة له من عد تحقيق الأرباح الكافية.

الكاتبة ولكونها تهدف بكتابتها إلى معاني أسمى من السرقة، لم تعبء بما حدث أو تأخذ رد فعل تجاهه، لكن كانت راضية بوصول كلماتها إلى القراء بأي شكل دون اشغال بالعائد المادي.

"البائعين طلبوا مني أوقع على كل الكتب بتاعتي، واتصورت مع كتبي المضروبة"، تقولها الكاتبة، مشيرة إلى أن عمليات سرقة كتابتها تكررت كثيرًا وسط غياب من الجهات الرقابية التي تتحكم في هذا الشأن، مضيفة: "دور النشر والناشرين يعملون على الطبع والنشر للكتاب الشباب على نفقتهم الخاصة في انتظار العائد من المبيعات حتى يستمروا في عملهم، لكن ما يحدث الآن يؤثر كثيرًا عليهم ماديًا، ويضعف مساهمتهم في هذا المجال".

أجرى "محرر الدستور" جولة داخل منطقة افترش بها عدد من بائعين الكتب في أمكان مختلفة لكن مصدرهم واحد، وهي مطبعة "بير سلم" تعمل على تقليد الكتب والروايات التي تعود ملكيتها لدور النشر في مصر، وتروجها عبر هؤلاء البائعين بمبالغ أقل سعرًا من ثمن النسخ الأصلية، حتى تتمكن من بيع أكبر قدر من الكتب المضروبة التي تُطبع بأقل الإمكانيات من حيث الورق المستخدم في الطباعة.

في منطقة فيصل، امتلأت نواصي الشوارع الرئيسية بعدد من بائعي الكتب المقلدة، واتضح من خلال الحديث معهم، ومواجهتهم بمقارنة الكتب المباعة لديهم بالنسخ الأصلية منها، أنهم يعملون بالإتفاق مع مطبعة في إحدى الشوارع الصغيرة على بيع الكتب المطبوعة على الأرصفة مقابل أجر يومي، مع العلم أنهم يدركون ماهية هذه الكتب، والطريقة المتبعة في تزويرها.
وبالانتقال إلى مصدر الكتب المضروبة، وجدنا المطبعة داخل شقة سكنية في منطقة الطوابق، واتفقنا مع صاحبها على شراء 100 نسخة من كتاب معين مقابل سعر رمزي للغاية، لنكتشف من خلال هذه الجولة الطريقة المُستخدمة، في تقليد الكتب وتزويرها.

وتكمن الطريقة في تصميم الغلاف بذات الشكل والجودة لكن التلاعب يكون في استخدام أوراق رديئة من الداخل، بجانب حذف المصادر والهوامش والصفحات الزائدة وتغيير الإهداء أو حذفه؛ حتى توفر لهم بعض المال، كما يعملون على تزوير كل الكتب المعروفة بين القراء لبيعها بشكل أسرع.

الكاتب سامح فايز، ضحية أخرى للكتب المضروبة، يعبر عن استياءه من الحال الذي وصل إليه الوسط الثقافي في مصر، وفقدان قيمة الكتب والكتاب بعد تزوير مؤلفاتهم، وتداول مطبوعات رديئة الصنع مصاحبة لأخطاء إملائية؛ مما يفقد ثقة القارئ في الكتاب بعد حصوله على نسخة مزيفة دون دراية، لكن هناك وجه استفادة في ذات الوقت بالنسبة إليه من حيث الأسعار المنخفضة.

يضيف: "وجدت نسخ مزورة من كتابي الخروج من جنة الإخوان، وسئمت من تضرر دور النشر في مصر من ترويج الكتب المقلدة، فقد أصبح تزوير الكتب تجارة كبرى يستغلها المزورون في اختيار الكتب الأعلى مبيعًا؛ لإعادة تقديم نسخ مقلدة منها للقراء ضمانًا لرواج بضاعتهم، بينما يجد الكاتب نفسه رابحًا بتحقيق الانتشار الواسع الذي أراده".

يوضح الناشر سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، أنه يجرى الآن تعديل قانون خاص بالناشرين المقرر تقديمه لمجلس النواب، وهو تغليظ العقوبة إلى 400 ألف جنيه، بدلًا من 10 آلاف جنيه، والحبس، وتذهب الغرامة للمتضرر، كما يعمل الاتحاد على حصر المواقع التى تقوم بقرصنة الكتب وتوفيرها إلكترونيًا، وقدر عددها بـ63 موقعًا، مع إلزامها بدفع مبلغ مالي يقدر بمليون دولار من كل منها.

ويقول سعيد، أن الاتحاد يطلق حملة مدتها شهر تضمن ورش ودورات تدريبة لمواجهة النشر تحت شعار ضد التزوير والقرصنة، بالإضافة إلى تغيير أعمال نقل الكتب التي تتم فى صناديق السجائر كونه تصرف لا يليق، وتصنيع كرتونة جديدة برعاية إحدى المؤسسات، وسيتم ذلك فى الدورة الجديدة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب.
محمد شوقي، مدير دار نشر عصير الكتب، يقول إن المكتبات التي تبيع الكتب داخل المحافظات لا يوجد بها كتاب واحد أصلي، بالرغم من أنها تبيع الكتاب المزور بنفس سعر الكتاب الأصلى أو ربما بفارق أقل من 5 جنيهات فقط.

يضيف: "عمليات التوزير أصبحت متطورة للغاية وبشكل ممنهج، فهناك محافظة دمياط التي لا تحتوي على مكتبات لبيع الكتب الأصلية سوى مكتبة واحدة، ومعارض الكتب التي تُقيم في الجامعات المصرية تبيع أيضًا كتب مزورة".

وعن الحل يقول: "التعاون بين المسئولين عن منح تراخيص المعارض بالجامعات، واتحاد الناشرين المصريين، حيث لا تمنح أي دار نشر إذن إلا بعد موافقة اتحاد الناشرين".

ويستكمل: "بائعي الكتب المزورة يسرقون نجاح الكتاب من خلال بيعهم بأعداد كبيرة، تفوق ما تبيعه دار النشر الأصلية بأضعاف، فجميع دور النشر لديها قائمة طويلة من الإصدارات، وهي دائمًا في حالة ترقب لنجاح كتاب أو آخر حتى تستطيع تغطية نفقاتها وتكاليف النشر الباهظة".