رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الغربة مُرة.. حكايات خاصة تكشف شقاء المصريين في العلاج بالخارج

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

«عقدة الخواجة»، لعنة تصاحب معظم المصريين، اعتقادًا منهم بأن كل ما هو مستورد أفضل من المصري، وأي خدمة تقدمها جنسية غير مصرية هي أفضل حالًا من المحلية، وكذلك الوضع في تلقي العلاج خارج مصر، فالغالبية تعتقد أن الطب هناك يشفي من أي أمراض.

ولكن الواقع عكس هذا الاعتقاد تمامًا، فتلك العقدة هي مجرد أكذوبة، فهناك تجارب ناجحة للعلاج داخل مصر، في مقابلها رحلات علاج شاق خاضها مصرون في الخارج وانتهت إلى اللاشيء. وفي هذا التقرير تستعرض "الدستور" عدد من المصريين خاضوا تجربة العلاج خارجًا، واعترفوا أنها كانت رحلة شاقة للغاية، بداية من روتين إنجاز الأوراق، نهاية إلى تحديد ميعاد مع المستشفى للكشف وإجراء أي عملية جراحية.

«فوزية شرف»، طبيبة، أحد الذين خاضوا تجربة العلاج في الخارج، تقول: «سافرت ألمانيا حسب نصائح أقاربي وأصدقائي؛ الذين اقنعوني أن تلقي العلاج في أوروبا فيه دقة بالغة، واهتمام كبير»، مشيرة إلى أنها سافرت ألمانيا لإجراء عملية جراحية والعودة لمصر سريعًا، لمباشرة عملها ثانيًة.

تروي السيدة تفاصيل سفرها خارجًا، فهي تعاني من تكّون كيس دهني في الدماغ، لذا قررت السفر إلى ألمانيا؛ لإجراء عملية جراحية لإزالة هذا الكيس، مضيفة: «بحكم كوني طبيبة، دا ساعدني في فهم مرضي، كما أن الموضوع بسيط مش صعب، والعملية ووقت التعافي منها لن يستغرق وقت إطلاقًا».

تابعت: «كانت رحلة شاقة للغاية، بيد أن لدي تأمين كبير ومناسب لتلقي العلاج في ألمانيا، وعندما ذهبت لأحد الأطباء هناك، وعرضت عليه حالتي، لم يُجري لي العملية وماطل في الأمر كثيرًا، وطبيبة أخرى كتبت لي مرهم لونه أسود كي أدهنه، وبما أني طبيبة فأعلم أن هذا المرهم يستخدم لفتح الكيس، وأخبرتها أني على دراية إن الكيس الدهني ممكن ينفجر في أي لحظة، ولم أرد هذا إطلاقًا».

تضيف: «استمرت معاناتي تلك لمدة ثلاثة أسابيع وإلى الآن لا جديد، وكانت أسوأ تجربة على الإطلاق، فلم أجد طبيب يطلب مني الآشعة والتحاليل السابقة لحالتي كما في مصر، فضلًا عن زحام المواعيد، فطبيب يحدد لي ميعاد للكشف، وآخر يحدد لي ميعاد لإجراء العملية بعد فترة".

أوضحت دراسة، أعدها المجلس الأعلى للجامعات، والمكتب الفني لوزارة الصحة، أن نسبة الأطباء المصريين الذين يعملون خارج مصر بلغت 62%، وهم إما استقالوا من العمل الحكومي أو حصلوا على إجازات بدون راتب قبل سفرهم، بحسب تلك الدراسة.

لم تختلف تجربة "فوزية" كثيرًا عن السالف ذكرها، تروي أن صديقتها عاشت أيام صعبة في الغربة، وترددت على المستشفيات أكثر من مرة؛ لتحديد ميعاد إجراء عملية جراحية ولكن دون جدوى.

تقول، أن لها صديقة كانت متزوجة حديثًا، وسافرت بريطانيا لتعيش هناك، وذلك بحكم طبيعة عمل زوجها في إحدى الشركات المعروفة هناك، مستطردة أن صديقتها كانت تنتظر مولودها الأول، وجهزت جميع احتياجات عملية الولادة في كندا، ولكن شاء القدر أن الطفل مات بسبب الإجهاض.

تضيف: "ذهبت صديقتي للمستشفى، لتحديد موعد عملية التفريغ، لتُفاجئ أن الطبيب يحدد لها ميعاد
بعد شهر، وهو أمر فيه خطر على حياتها، لم تكتف صديقتي وزوجها بهذا الرأي فقط، فقاموا بالبحث في أكثر من مستشفى، ولكن كان هذا الوضع السائد عند الأطباء ومعظم المستشفيات في كندا".

واختتمت: "بعد معاناة استغرقت أيامًا مع صديقتي وزوجها، قرروا النزول مصر لإنهاء هذا الوضع، وإجراء العملية هنا في مصر، أفضل وأسلم".

أما أحمد عمر، ثلاثيني، يقول أنه مغترب ويعيش في بريطانيا منذ فترة ويعمل هناك، وكان هو أيضًا له تجربة في العلاج خارج مصر، ولكن كان الأمر مع معه بسيطًا، ولم يصل إلى إجراء عملية جراحية.

يضيف الشاب: "شعرت بآلام في بطني قاسية، وتناولت بعض المسكنات في بادئ الأمر، ولكن الجميع نصحني أنه من الأفضل استشارة طبيب، وعدم تجاهل هذه الآلام".

ذهب بعدها "عمر" لإحدى المستشفيات هناك لاستشارة طبيب في هذه الآلام التي شعر بها فجأة، ولكن لم يستطع الكشف في نفس اليوم، فأتى في اليوم التالي، ولكن كان الأمر معقدًا؛ لأنهم كانوا يطلبون أوراقًا، وجميع الخطوات كانت معقدة للغاية.

اضطر الشاب لوصف حالته لأهله هنا في مصر، على أن يستشيروا طبيب مصري، وكان يعلم أن الاستشارة التليفونية ليست بهذه السهولة، وربما تحمل نسبة من الخطورة، قائلًا: "لم يكن لدي خيار آخر، الأمور هنا معقدة، فلجأت لهذه الخطوة مضطرًا، وبالفعل كتب لي الطبيب المصري على بضعة أدوية ونصائح في تناول الطعام، وشعرت بتحسن كبير بعدها".

الدكتور حسين خيري، أستاذ الأوعية الدموية بقصر العيني، أوضح أن الطبيب المصري هو طبيب متميز ومن أمهر الأطباء على مستوى العالم، إلا أن المنظومة تحتاج إلى تمويل ضخم لرفع كفاءة الخدمة الطبية، كما أن لا بد من تعميم رفع مستوى الحالة العامة للمستشفيات.

وأضاف أنه من الضروري، تحسين أحوال الأطباء أنفسهم، فالمرتبات متدنية وبدل العدوى مخزٍ، مشيرًا إلى أن أكبر طبيب يتقاضى نحو من 8 إلى 10 آلاف جنيه بعد أن يتعدى 55 سنة من عمره، وغير معقول أن يكون راتب الطبيب 1000 جنيه،ًا أما طبيب الامتياز فكان يتقاضى مكافأة 200 جنيه وأصبحت الآن 400، فإذا تم تحسين حالة الطبيب، سيعود بالنفع على المنظومة الطبية بأكملها.

وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في تقرير حديث صادر لعام 2018، فإن عدد الأطباء العاملين بالقطاع الحكومي على مستوى الجمهورية، بلغ عددهم نحو 355.3 ألف طبيب في عام 2016.

والعدد الإجمالي للأطباء بالقطاع الحكومي، يتضمن 103.337 ألف طبيب بشرى، و44.310 ألف صيدلي، هذا بالإضافة إلى 20.544 ألف طبيب أسنان، و187.090 ألف ممرض، بحسب التقرير.