رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القمص يوحنا نصيف يكتب: "السلام لكِ يا كرمة"

جريدة الدستور

في تمجيد السيّدة العذراء نقول: "السلام لك يا كرمة.. عنقودها قد أثمر"، فما معنى هذا؟ وهل الكرمة هي العذراء أم هي السيّد المسيح نفسه كما هو مذكور في إنجيل يوحنا الأصحاح 15؟،وللإجابة نقول:

الكرمة هي السيّد المسيح بمعنى، وهي السيّدة العذراء بمعنى آخَر.

المعنى الأول أنّ الكرمة هي السيّد المسيح، وهذا واضح في كلامه: "أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير.." (يو15: 5). وهذا المعنى الجميل ليس موضوع هذا المقال، ويحتاج لحديث آخَر.

والمعنى الثاني أنّ الكرمة هي السيّدة العذراء.. والتي نخاطبها في صلوات الساعة الثالثة كلّ يوم قائلين: "أنتِ هي الكرمة الحقيقيّة الحاملة عنقود الحياة. نسألك أيّتها المملوءة نعمة مع الرسل من أجل خلاص نفوسنا.." والمعنى هنا واضحٌ أنّ السيّدة العذراء تشبه كرمة جميلة أنتجت للبشريّة ثمرةً عظيمةً واهبةً للحياة.. فالعذراء كرمة حَبَلَت بهذا العنقود الإلهي وقدّمته لنا كي نحيا به.

والحقيقة أنّ هذا المعنى البديع له جذور كتابيّة في العهد القديم.. فهناك قصّة مذكورة في سفر العدد، عندما أرسل موسى النبي اثني عشر رجلًا لاستكشاف أرض الموعِد، وكان الشعب وقتها قد أتمّ رحلته في سيناء ووصل إلى مشارف أرض كنعان ويستعدّ للدخول..

وكانت وصيّة موسى للرجال أن يستكشفوا كلّ شيء في الأرض؛ من ناحية الجغرافيا، من ناحية أحوال الشعب، وأيضًا من ناحية أنواع المزروعات، وأن يأتوا ببعض الثمار ليرى الناس نماذج من ثمر الأرض، فيتقوّى إيمانهم بصدق مواعيد الله، ويتشوّقوا أكثر للدخول.

وبالفعل ذهب الرجال، وأتوا ببعض ثمار التين والرمَّان، وأحضروا أيضًا عنقودًا واحدًا من العنب ضخمًا جدًّا، لدرجة أنّهم علّقوه في عصا غليظة وحمل العصا اثنان من الرجال من هنا ومن هناك، فكان منظره مُذهِلًا للشعب، وجاء في تقرير الرجال عندما عادوا أنّ الأرض بالحقّ تفيض لبنًا وعسلًا، وهذا ثمرها. (سفر العدد 13، 14).
هنا هذا العنقود كان هو باكورة ما رآه الناس بأنفسهم من أرض الموعِد التي كانوا يسمعون عنها، ويسيرون في اتّجاهها.. وقصَدَ الله أن يروه لكي يطمئنوا أنّهم اقتربوا من الدخول إلى موضع الراحة، ويتشوّقوا بالأكثر أن يكمّلوا مسيرتهم حتى النهاية.

بالنسبة لنا نحن.. معروفٌ أنّ مسيرة شعب إسرائيل نحو أرض الموعِد هي صورة ماديّة مصغّرة لمسيرتنا الروحيّة الآن نحو أورشليم السماويّة.. فكما سمح الله بأن يرى الناس ثمر أرض الموعِد قبل دخولهم إليها، دبّر أيضًا لنا أن نتمتّع بمذاقة الملكوت والحياة السماوية ونحن لازلنا على الأرض.. ففي التجسُّد كانت القدّيسة مريم هي الكرمة التي قدّمت لنا الرب يسوع عنقود الحياة الذي أعطانا عربون الحياة الجديدة بدمه المسفوك لأجلنا، وعندما نرتوي باستمرار من عصير هذا العنقود في سرّ الإفخارستيا فإنّنا نتمتّع بالحقيقة بمذاقة الملكوت ونحن لازلنا في الجسد، لكي نتشوّق بالأكثر أنّ نكمّل بحبّ وفرح مسيرتنا نحو الأمجاد الأبديّة..!

القمص يوحنا نصيف
راعى الكنيسة المرقسية بالإسكندرية والمنتدب حاليا بكنيسة العذراء بولاية شيكاغو الأمريكية
[email protected]