رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هشام القرش: عناصر تابعة لـ«الإرهابية» شكلت «حسم» ومجموعات العمليات النوعية بعد «٣٠ يونيو»

هشام القرش
هشام القرش

هشام القرش: عناصر تابعة لـ«الإرهابية» شكلت «حسم» ومجموعات العمليات النوعية بعد «٣٠ يونيو»
وصف هشام القرش، القيادى المنشق عن جماعة الإخوان الإرهابية، الفكرة التى قامت عليها الجماعة وهى «الحكم الإسلامى» بـ«المختلة»، لأن تنفيذ وتطبيق المبادئ العامة لهذا الحكم، التى وضعها الإسلام، أمر متاح مع أى نظام وليس حكرًا على «الإرهابية».
وتحدث «القرش»، فى حواره مع «الدستور»، عن رؤيته للجماعة من الداخل، بناءً على نحو ٢٦ عامًا قضاها داخل التنظيم قبل أن ينشق فى العام ٢٠٠٩، مشيرًا إلى العلاقة بين الجماعة والتنظيمات الإرهابية التى ظهرت بعد ثورة ٣٠ يونيو.
■ بداية.. كيف بدأت رحلتك مع جماعة الإخوان؟
- بدأت رحلتى مع الإخوان منذ أن كنت طالبًا فى الصف الثانى الثانوى عام ١٩٨٣، واستمرت حتى العام ٢٠٠٩، وخلال هذه الفترة تدرجت داخل صفوف الجماعة من «محب» إلى مسئول عن إحدى الشعب وعضو مكتب إحدى المناطق.
■ ما الذى تتذكره من هذه الرحلة الممتدة؟
- مررت خلال هذه الفترة بالكثير من المواقف والتجارب والاستنتاجات، بناءً على تعاملى مع العديد من الرموز والمسئولين داخل جماعة الإخوان.
وإلى جانب تعاملى مع قيادات الإخوان، شاركت فى الكثير من البرامج والدورات والنقاشات والأعمال التنفيذية، وبالطبع كلما ارتفع الفرد فى سلم المسئولية، اطلع على ما لا يطلع عليه غيره، وبدت له أمور، وبدرت إلى ذهنه العديد من الأسئلة التى لم تكن لتخطر على باله من قبل.
وما استهوانى خلال هذه الفترة وجذبنى إلى الجماعة، فكرة العمل للدين ونشر الخير، وكفالة الأيتام ومساعدة المعوزين، وتعليم الأطفال والطلبة والشباب أمور دينهم، ونشر القيم والأخلاق والشعائر الدينية، وتعمير المساجد، وغيرها من الأعمال. لكن فى المراحل المتقدمة، تكشفت لى جوانب أخرى مثل الانتخابات الداخلية داخل الهيكل التنظيمى للجماعة، والانتخابات الخارجية مثل مجلسى الشعب والشورى والمحليات والرئاسة والنقابات، كما بدأت فى التعرف على اللوائح الداخلية للجماعة، التى كانت أولى علامات الاستفهام بالنسبة لى، بعد أن لمست الكثير من الخلل بها وبدأت فى المطالبة بتعديلها.
■ يبدو أن فكرة الانشقاق عن الجماعة جاءتك هنا.. كيف تم ذلك؟
- بالفعل، فى هذه الفترة اللاحقة ازدادت قناعاتى بوجود خلل فكرى ولائحى وتنظيمى وبنيوى يمس الأصول التى بنيت عليها جماعة الإخوان، خاصة فى جوانب ممارسة الشورى والانتخابات وتوزيع المهام، والتى وصلت لقناعة بشأنها أنها «شورى صورية»، لا تحقق المرجو منها بقدر ما تحقق تطلعات أفراد محددين أو متصدرين.
وكانت انتخابات مكتب الإرشاد التى تولى بموجبها محمد بديع منصب المرشد، ثم خرج نائب المرشد السابق الدكتور محمد حبيب، ليشكك ويطعن فى الإجراءات وعدم تنفيذ اللائحة وتعمد إقصائه، القشة التى قصمت ظهر البعير لدىّ.
فحينها طالبت بـ«لجنة خارجية محايدة» تفصل فى هذا النزاع، فوجدت ردودًا صادمة أكدت ما استنتجته من خلل، خاصة فى آخر عامين قبل خروجى، حيث الاحتكاك المباشر وعن قرب مع مسئولين على مستوى المحافظة، كانوا سببًا فى طرح الكثير من علامات الاستفهام.
لذا قدمت اعتذارًا عن أى مسئولية لى داخل الجماعة، وسلمت كل ما لدىّ من مهام، واتخذت قرارًا بعدم المشاركة فى أى عمل عام أو تربوى أو إدارى، مع الإبقاء على «شعرة معاوية»، التى انقطعت مع الوقت.
وتكررت محاولات إثنائى عن قرارى ومعرفة الأسباب التى دفعتنى لذلك، من جهات عديدة داخل الجماعة، بالفعل عرضت ما لدىّ على كل من جلس معى، لكنى كنت اتخذت قرارى بعد طول تفكير وتريث ولم يعد هناك ما يدعونى للبقاء.
■ باختصار.. ما مآخذك على الجماعة؟
- مآخذ فكرية تنظيمية لائحية بنيوية عديدة وكثيرة، وأعتقد أن أى فكرة تعتمد التنظيم السرى أو غير القانونى سبيلًا لتحقيقها، فكرة لن تجد النور أبدًا، وستظل تتخبط داخليًا وخارجيًا، وتكون عرضة للاختراق والتوجيه الداخلى والخارجى، فتتحول إلى معول هدم للأوطان حتى وإن رفعت شعارات براقة. والخلل الرئيسى فى فكر الإخوان من وجهة نظرى، هو الفكرة نفسها التى نشأت الجماعة من أجلها، فلا أرى أن هناك ما يسمى «الحكم الإسلامى»، لأن الإسلام لم يضع صورة نمطية لهذا الحكم ينبغى على المسلمين السعى لتطبيقها.
الإسلام وضع أصولًا وأطرًا عامة مثل: العدالة والمساواة والحرية والتكافل والدفاع عن الأوطان والمواطنة والشورى والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات ونشر الأخلاق الحميدة ومحاربة الرذائل والارتقاء بالإنسان ثقافيًا وصحيًا وبدنيًا ودينيًا، وضمان الحرية للديانات الأخرى فى ظل المواطنة.
وأى نظام يضمن هذه الأصول والأطر، ويحققها على أرض الواقع هو «نظام إسلامى»، أيًا كانت صورته واسمه، وأى نظام ينقصه شىء من ذلك، لا يجب هدمه بل يجب العمل على استكمال ما فيه من نقص، وإصلاح ما به من خلل، وذلك بطرق سلمية وقانونية، فالأمر ليس حكرًا على الإخوان.
■ «٣٠ يونيو» وما تلاها فترة مهمة فى تاريخ الإخوان.. هل لك أن تحدثنا عنها ورؤيتك لها؟
- يوم ٤ يوليو ٢٠١٣ وجهت رسالة لقيادات الإخوان على صفحتى الشخصية بموقع «فيسبوك»، دعوتهم فيها إلى عدم الانجرار نحو صراع على السلطة تراق فيه دماء المصريين، وأن يلملموا صفوف الجماعة ويراجعوا منهجها وأدواتها، ويبتعدوا عن العمل الحزبى والمنافسة على السلطة. لكن للأسف لم تجد دعوتى آذانًا مُصغية، وحدث ما كنت أخشاه، فبعد أحداث ميدانى «رابعة» و«النهضة»، ظهرت دعوات «المواجهة الخشنة» داخل الجماعة، ثم تطورت إلى الدعوة لتنفيذ «عمليات نوعية»، وحينما تأكدت الدولة من هذه التوجهات، شرعت فى مواجهتها وتتبع أفرادها، فشعرت القيادات التاريخية بخطأ ذلك التوجه، فعملت على مواجهته تنظيميًا، لكن هناك من خرج من الجماعة، وكون جماعات مسلحة مثل «حسم» وغيرها أعلنت الجماعة عدم صلتها بها.
■ ما علاقة «أدبيات العنف» التى تربى عليها الإخوان بهذا التحول إلى العمل المسلح؟
- أدبيات الجماعة ممثلة فى كتابات سيد قطب، التى كانت معتمدة من الجماعة لفترات طويلة، تتضمن ما يحث على هذا العنف ويجعله مراحل متدرجة، بجانب «رسائل حسن البنا» التى تنص على إمكانية استخدام القوة والعنف فى مراحل معينة، على الرغم من وجود نصوص أخرى تخالف هذا الفكر.
ويضع ذلك العديد من علامات الاستفهام حول أى المنهجين كان يعتقده «البنا»، أم أن الفكرة كانت ملتبسة لديه؟.. أم أن الخطابات الحماسية أمام الحشود يخرج فيها مكنونات النفوس؟ وأعتقد أن العمل السرى هو بيئة خصبة لميلاد الأفكار المتطرفة والمتسمة بالعنف، خاصة عندما تحدث الإخفاقات والفشل الكبير أو الكارثى.
■ ماذا عن حقيقة «النظام الخاص» داخل الإخوان الذى تزعم الجماعة انتهاءه؟
- رغم إعلان الجماعة حل «النظام الخاص» منذ الخمسينيات، احتفظت ببعض صفاته وممارساته مثل «البيعة» و«الجندية» و«الكتيبة» و«السمع والطاعة» و«السهم المالى» و«المعسكر». فالجماعة رغم تأكيدها التخلى عن العمل المسلح كمنهج وبرنامج، لا تزال محتفظة بسمتها شبه العسكرية.
■ ما تفسيرك لتحول عدد كبير من شباب الإخوان إلى الإلحاد أو الانضمام إلى تنظيمات إرهابية مثل «داعش»؟
- أعتقد أن هذا التحول موجود داخل الجماعة، لكنه ليس ظاهرة، وأسبابه من وجهة نظرى عديدة، منها طريقة التربية داخل الجماعة، وما تعرضت له من ضغوط أمنية فى بعض السنوات، وتدنى حال المنظومة الأسرية والتعليمية والإعلامية، وانتشار المخدرات والانحلال الفكرى والأخلاقى، وضعف الوعى والتدنى الثقافى وندرة القراءة.
■ كيف ترى المراجعات الفكرية لبعض هؤلاء الشباب بجانب قيادات داخل السجون؟
- منها ما هو نتاج نقاشات وتساؤلات ومآخذ حقيقية، وهو ما يجب على النظام استثماره عن طريق مساعدة السجين فى الابتعاد عن التمسك بحبل الجماعة والتنظيم، وأن يعتبر ذلك مسألة حياة أو موت له ولأسرته، خاصة أنه يصبح معتمدًا كليًا على ما توليه الجماعة من رعاية ودعم له ولأسرته. وربما لو استشعر كثير منهم القدرة على إدارة أمورهم الحياتية لقرروا فراق الجماعة.
■ ما تقييمك لتجربة عمرو عبدالحفيظ تحديدًا، باعتباره قائد أهم هذه المراجعات فى السجون؟
- ليست لدىّ انتقادات على تجربته، وأعتبرها جيدة جديرة بالدراسة والاستثمار، وكذلك كل من شاركه هذه التجربة، وأعتقد أن تناوله جوانب فكرية أصولية عند الجماعة بالنقد والنقاش مجهود جيد ومحترم ومشكور.
■ ماذا عن دور المنشقين عن الإخوان فى فضح فكر الجماعة؟
- من المفترض أن ينصب دورهم على نشر الوعى، ومناقشة وتوضيح الخلل الفكرى فى الجماعة، ومحاولة استيعاب المخالفين فى الرأى وتفهم أسبابهم، والتى يرجع أغلبها إلى ضعف الوعى والتباس الأفكار والجهل، خاصة أن لكل منشق تجربته المختلفة عن الآخر، وعاين ما لم يعاينه غيره.
■ لكن بعضهم يطالب بعودة الجماعة للمشهد وعقد مصالحة معها.. ما رأيك فى ذلك؟
- كما قلت أنا ضد أى وجود لكيان سرى غير قانونى، فأى تنظيم ينبغى أن يخضع لقوانين البلاد ويعمل بصورة شرعية.