رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أعدادهم تعدت الـ18 مليون.. حكايات خاصة من دفتر زواج القاصرات

جريدة الدستور

تعج الأعمال الدرامية، بقصص أليمة لفتيات تم تزويجهن في سن الطفولة، ومهما حاول المؤلف دومًا تجسيد المعاناة التي تعيشها الصغيرة، بعد أن تقتل طفولتها جبرًا، فإن المُشاهد يعتبر ما يراه عبر الشاشة هو من نسج خيال المؤلف، لعدم قدرتهم على تجسيد تلك المعاناة كما هي في الواقع.

أما واقعيًا فالأمر مؤلم بشدة، تكفي الأرقام الرسمية عن أعداد القاصرات المتزوجات في مصر، والتي تؤكد زيادتهن كل عام حتى وصلت إلى 18.3 مليون طفلة متزوجة قصرًا، منهم من توفى نتيجة حوادث جسمانية وقعت لهم، ومنهم في طريقه إلى الموت، بحسب القصص التي ساقتها "الدستور".

"كنت في الرابعة عشر من عمري، في أجازة نهاية العام للصف الثاني الإعدادي، حين فوجئت بزميلة الصف تدعوني لحضور ليلة حنتها، في البداية ظننت أنها دعوة حنة شقيقتها الكبرى، لكن تأكدت أنها حنتها، الدهشة كانت مشتركة على معظم زميلاتي، فرغم أننا نعيش في قرية صغيرة بمحافظة المنوفية، إلا أننا لم نعتاد أن نرى صغيرات في الفستان الأبيض"، تقولها مروة شاهدة على حكاية فتاه تزوجت قصرًا.

تؤكد أن صديقتها "حنان" التي تزوجت، كانت جميلة ذات عينين خضرواتان، وشعر ذهبي، وساحرة لكل من يراه، مضيفة: "فرحنا بحضور زفافها وتجوزنا فكرة عدم فهم لما تسبق من يكبرها سَنًا إلى بيت الزوجية، فتعودنا على لعب العريس والعروسة بالدميات، لكن أن تتحول إحدانا إلى عروسة كان أمر غير مصدق".

توضح أن عريسها كان يكبرها بأعوام، وفي ليلة الزفاف كانت همهمات النساء عنه لا تنتهي، وكيف أنه في سن والد العروس، مشيرة إلى أن "حنان" لم يكن همها في ذلك الوقت سوى الفرحة بأنها عروسة ترتدي الفستان الأبيض وتغني وترقص.

لم يمض عدة أشهر ومع دخول الدراسة كانت "حنان" صديقتها حامل، وبدلًا من أن تأتي المدرسة معهم، كانت ترتاد الوحدة الصحية التي تجاورها لمتابعة الحمل، وسرعان ما جأت ساعة الوضع، تقول: "لم اعرف حينها إلا انها توفت أثناء الولادة".

تضيف: "ظل هذا الحادث حديث القرية لمدة طويلة، بأنها تعرضت إلى نزيف حاد ورفض المستشفيات قبولها، نظرًا لعدم قانونية سنها للزواج والحمل، خاصة أنها وصلت بعد أن حاولت داية القرية توليدها".

وحسب التعداد السكاني على مستوى الجمهورية لعام 2017، فإن عدد المواطنين المتزوجين أقل من 18 عامًا في مصر بلغ 18.3 مليون نسمة، وتمثل حالات زواج القاصرات 14% من إجمالي حالات الزواج فى مصر سنويًا.

وتصدرت المحافظات الحدودية القائمة بنسبة 23% وبعدها الصعيد، والنسبة الأكبر من زواج الحدث يصل من 30 إلى 40% بالصعيد والقرى والأرياف، فيما وصل تعداد السكان فى 18 إبريل 2017 أكثر من 94 مليون مصرى بالداخل، بالإضافة إلى أكثر من 9 ملايين مصري بالخارج.

ومثلت أعلى نسبة للمتزوجات أقل من 20 سنة بمحافظة القاهرة 9.1%، وفي الجيزة 8.1%، وفي الشرقية 7.7%، في حين كانت أقل المحافظات الحضرية هي محافظات السويس، وبورسعيد بنسبة 0.7%، ويرتفع متوسط عدد الأطفال في حالة الزواج قبل 18 سنة إلى حوالى 3.7 طفل، بينما يكون المتوسط 2.79 في حالة الزواج بعد عمر 22 سنة، ومعدل وفيات الأطفال بالنسبة للفتيات القاصرات 29 لكل ألف مولود.


لم تكن "حنان" الفتاه الوحيدة ضحية زواج القاصرات في مصر، فهناك "زينة" التي وافقت أسرتها على تزويجها وهي في سن 16 عامًا من عمرها؛ خوفًا من شبح العنوسة، الذي طارد شقيقتها الكبرى لتزوجها بعد الثلاثين.

العريس كان يكبر والدها بنحو خمس أعوام، لكن ذلك لم يشغل بال أسرتها، إذ وعدهم أن تعيش في رخاء وسيمنحهم ٥ أفدنة كمؤخر صداق، لكن تحول الأمر فعاشت حالة من الخوف، تروي "زينة" أنه من اللحظة الاولى لدخولها المنزل معه، وحدهما تملكتها حالة من الرعب والتوجس.

تذكر أن الخوف بلغ ذروته بعد إجبارها على معاشرته، الشيء الذي لم تكن تفهمه ولا تفهم كيف يتم، لذا حاولت بعد مرور سنة على تزويجها الانتحار؛ للتخلص من منزل الزوجية فهي لم تتقبل زوج أرمل يكبرها سنًا، ولم تتمكن من العيش كسيدة منزل، تتحمل مجموعة من المسؤوليات، فحاولت الانتحار وعندما فشلت محاولتها، انتظرت حتى وصلت للسن القانوني وتقدمت برفع قضية خلع ضد زوجها.

"نوران" 14 عامًا، سطر آخر في تاريخ زواج القاصرات، تقطن في محافظة قنا، وبسبب حاجة والديها للمال، وافقا على تزويجها لشيخ كبير، بعد تنازله عن منزله لأجلها، وبالفعل تمت الزيجة، وخرجت الفتاه من مرحلة التعليم الاعدادية من أجل التفرغ لزوجها ومنزلها.

في ليلة الزفاف، أصيبت الصغيرة بنزيف شديد، واستدعا الزوج طبيب القرية للكشف عنها، إلا أنه رفض التورط في تلك الجريمة، لاسيما أن سن الفتاه صغير وزواجها مخالف للقانون، فقام بتبليغ قسم الشرطة، كانت الفتاه توفت في تلك اللحظة.

تنص المادة رقم 227 1 من قانون العقوبات على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد عن ثلاثمائة جنيه، كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونًا لضبط عقد الزواج أقوالًا يعلم أنها غير صحيحة، أو حرر أو قدم لها أوراقًا كذلك".