رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الكنز يفنى".. من ينقذ المساجد الأثرية من براثن الإهمال؟

جريدة الدستور

"مسجد قايتباي كان رمزًا للعملة المصري قبل ما يتم ترميمه"، يقولها "رامي محمود"، 20 عامًا، مهندس، معبرًا بها عن غضبه الشديد بعد عملية ترميم مسجد قايتباي في محافظة الفيوم قبل بضعة أيام، مضيفًا أن المسجد ظل رمزًا لعملة الجنيه المصري من قديم الأزل ولا يزال، ويعتبر معلمًا من معالم الفيوم الأثرية.

ويضيف، أن من أهم أساسيات ترميم المعالم الأثرية هي عدم المساس أو تغيير طرازها، ولكن لم يحدث هذا مع مسجد قايتباي، فمن كُلف بأعمال الترميم طمس هوية المسجد؛ باستبدل لونه إلى الأبيض دون الحفاظ على اللون الأساسي لهذا الأثر، مشيرًا إلى أن هذه التعديلات أضاعت كثيرًا من طرازية ونمطية الآثر، كما أنهم قضوا على المسجد كتحفة معمارية بعد هذه لا سيما بعد هذه الترميمات.

مسجد قايتباي، ليس الآثر الوحيد المهمل في مصر، أو الذي عولج إهماله بطريقة سيئة، فالمحافظات وتحديدًا الأقاليم مليئة بالآثار والمباني العريقة المهملة، والتي لا تجد من يلتفت إليها لإغاثتها من الانهيار الذي حلّ بها منذ سنوات عديدة مضت.

يوضح غريب سنبل، رئيس الإدارة المركزية لترميم وصيانة الآثار، الجدل المثار حول ترميم مسجد قايتباي في الفيوم، أن أعمال الترميم جاءت وفقًا لمواثيق دولية يأخذها العالم كمرجع عند ترميم الأثار، على أنه يحظر التدخل بالألوان عند ترميم الآثار الفرعونية، أما عند ترميم الأثار القبطية أو الإسلامية، فإن المواثيق الدولية أزالت هذه القيود.

وأضاف "سنبل"، أن أعمال الترميم الدقيق شملت الكشف عن العناصر الزخرفية أسفل طبقات الطلاء الحديثة وإعادة إحيائها، وإبراز تفاصيل ألوان العناصر الخشبية بالمسجد من الشبابيك والأبواب والأربطة الخشبية والمنبر وكرسى المقرئ، كما تم تنظيف الأعمدة الرخامية، وتهذيب العناصر الزخرفية بالمحراب وإعادة إحياء ألوانه، بالإضافة إلى عمل سور من الحديد حول المسجد لحماية واجهاته.

وتنص المادة رقم (6) من قانون 117 لسنة 1983 بشأن حماية الآثار، على أن يُعني قانون حماية الآثار بكل ما هو أثري، في ضوء تعريف الأثر الذي أورده المشرع بالقانون الحالي في المادتين الأولى والثانية منه، وقد كفل المشرع حمايته وصيانته وترميمه على هذا الأساس، وهو الأمر الذى يوجب استبدال عبارة المباني الأثرية بعبارة المباني التاريخية أينما وردت بالقانون.

أما المادة (10) فتقول، ألزم التشريع وزارة الأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية وهيئة الأوقاف القبطية بنفقات ترميم وصيانة العقارات الأثرية المسجلة التابعة لها، لما لها من قيمة دينية فضلًا عما تشكله من انعكاس حقيقى للحضارة، وترسيخا لمبدأ المساواة بين المراكز القانونية المتساوية وفقا لما نص عليه الدستور.

في مدخل منطقة باب الشعرية، يقع مسجد "الأشموني" أحد أكبر المساجد الأثرية القديمة، والذي بات يواجه الانهيار حاليًا بين كل لحظة وأخرى، بسبب قدمه وعدم ترميمه من قبل الدولة، رغم وعود المحافظة بترميمه أكثر من مرة.

يقول "عادل" 25 عامًا، أحد سكان المنطقة، أن الجامع أثري منذ سنوات طويلة وهو يعاني من الإهمال، ووعدت المحافظة أكثر من مرة بترميمه لاسيما مع دخول شهر رمضان على مدار الأعوام الماضية لكن شيء لم يحدث.

يؤكد أنهم قاموا بشكاوى إلى رئاسة الحي لإنقاذ المسجد، مضيفًا: "أوقات الناس كانت بتصلي والطوب بيقع عليها، وبنتشاهد وإحنا بنصلي، ومتمسكين بالصلاة في المسجد ده تحديدًا لأنه أثري وعريق".
يشير إلى أن العام الماضي، تعرض المسجد للغرق بسبب الصرف الصحي، لكن تم إنقاذه من قبل عربات شفط المياه، ما أضعف الحوائط، وجعل الرطوبة تنتشر في كل أرجائه، وتم ترميم جزء خلفي منه، لكن باقي المسجد لازال مهملًا.

عُرف باسم مسجد المئذنة المائلة، عمره تجاوز الـ100 عامًا، منذ العصر الفاطمي، هو مسجد "المئذنة المائلة" في سمالوط بمحافظة المنيا، والذي يعاني حاليًا من إهمال كبير وانتشار القمامة حوله وميل حوائطة.

تقول "بسمة" 20 عامًا، أحد أبناء المحافظة، أنها لم ترى المسجد في حالة جيدة منذ ولادتها، وعرف باسم المئذنة المائلة بسبب ميله؛ نتيجة ضعف حوائطه وتصدعها من الرطوبة، وانفجار مياه الصرف الصحي به كل فترة.

وتشير إلى أنه مسجد أثري كان يأتي السياح قديمًا إلى زيارته والتقاط الصور بجانبه قبيل إهماله وتعرضه للتصدعات، موضحة أنه تم إخلاؤه أكثر من مرة لإعادة ترميمه لكن عملية الترميم لا تكتمل كل مرة بدون أسباب.

محمود مندور، الخبير الأثري، يقول أن هناك مناطق أثرية كثيرة في مصر تحتاج إلى ترميم بل وإعادة بناء وليس المساجد فقط، مشيرًا إلى أن إعادة الترميم في كثير من الأحيان تفقد الشيء معالمه ويتم ترميمه بصورة غير أثرية.

ويوضح أن السبب في كثرة وجود الأماكن الأثرية المهملة في مصر، هو عدم ضم تلك الأماكن للآثار، رغم مرور سنوات عديدة عليها، والكثير منها بنى في عهد الفاطميين وغيرهم، ويعتبر من الآثار الهامة ومعالم مصر.

وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يوجد بمصر 145 منطقة أثرية، بلغ عدد زوارها 8.1 مليون عام خلال عام 2016، تأتي محافظة الأقصر في الصدارة والتى تضم 34 منطقة أثرية تليها العاصمة إذ بلغ عدد المناطق الأثرية في القاهرة 31 منطقة أثرية ومن ثم 16 منطقة في أسوان، 15 منطقة في الجيزة و11 منطقة أثرية بالإسكندرية.