رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد فودة يكتب: تقدير "دولى" لتجربة جمال شيحة

جريدة الدستور

حينما يأتى التقدير لجمعية رعاية مرضي الكبد التى يرأسها الدكتور جمال شيحة رئيس مجلس إدارة مؤسسة الكبد المصرى من خارج مصر، فإن الأمر ما يجب أن يمر هكذا مرور الكرام؛ لأن ذلك يعنى بالنسبة لنا الكثير لأننا فى هذه الحالة أمام اعتراف دولى بتلك النقلة النوعية التى حققتها مصر فى مجال مكافحة الفيروسات الكبدية، وهو ما يدعونا أيضاً لأن نشعر بالفخر والاعتزاز بهذا العالم الجليل الراهب فى محراب العلم من أجل الفقراء والمحتاجين، خاصة أنه كرس كل جهده ووقته من أجل أن يرسم الابتسامة على وجوه المرضى الذين أعياهم المرض وأنهكت قواهم الفيروسات التى ظلت تنهش فى أكباد المصريين بلا رحمة وبلا هوادة.

ففى عددها الأسبوعي قدمت مجلة الإيكونومست البريطانية فى صفحتها العلمية تقريرا مطولاً يشيد بإنجاز الدولة المصرية، فى القضاء على الفيروسات الكبدية مع التركيز بشكل كبير على المجهود الكبير الذى بذلته جمعية رعاية مرضي الكبد باعتبارها جمعية أهلية غير حكومية فى هذا الشأن، كما أشارت المجلة الى المشروع الإنسانى الذى تبناه الدكتور جمال شيحة والذى يحمل اسم "قرية خالية من الفيروسات الكبدية" حيث إن الجمعية تمكنت بالفعل من الوصول إلي 100 قرية خالية من الفيروسات ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب بل أن منظمة الصحة العالمية قد اعتمدته بوصفه "نموذجا مثاليا" جدير بالتطبيق فى العديد من الدول الأخرى.

واللافت للنظر فى هذا التقرير أنه جاء مدعماً بالبيانات والأرقام الدقيقة حيث أوضح أن تاريخ المكافحة فى مصر بدأ بين عامي 1950 إلي 1980 عندما قامت وزارة الصحة المصرية بالاتفاق مع منظمة الصحة العالمية باستخدام برامج لمكافحة البلهارسيا، وهو مرض طفيلي ينتقل عن طريق المياه وكان متوطنا فى دلتا النيل فى تلك الفترة عن طريق استخدام 36 مليون حقنة تم إعطاؤها إلي أكثر من 6 ملايين شخص، ولكن دون قصد تم انتقال فيروس التهاب الكبد الوبائي c، والذى لم يكن معروفا فى ذلك الوقت عن طريق استخدام الحقن المستعملة مسبقا، بالإضافة إلي ضعف معايير الجودة المستخدمة مثل جودة التبرع بالدم الذى أدي إلي ارتفاع معدلات انتقال وانتشار العدوي .
ولفت التقرير أيضاً الى أنه يتم تقييم أثر التهاب الكبد الوبائي C والتهاب الكبد الوبائيB من خلال جهتين: الأولي التأثير الشخصي للمرض والثانية أثرها علي الاقتصاد، والذى يتمثل فى صورة انتاجية العامل والتكاليف الطبية المباشرة، حيث يؤثر التهاب الكبد الوبائي المزمن علي حياة الفرد مما يجعله يعاني من التعب والإحباط وخطر الاصابة بالتليف التدريجي للكبد الذى يؤدى إلي سرطان وتليف الكبد كما تؤدي العدوي بفيروس التهاب الكبد الوبائي إلي الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري وكلاهما يؤثر سلبا علي انتاجية الموظفين من خلال الإعاقة والوفيات، وتم تقدير العبء الاقتصادي بحدود 3.8 مليار دولار من حيث التكاليف المباشرة للاختبارات والعلاج حيث بلغت إجمالي نسبة النفقات الصحية فى عام 2015 بأكثر من 700 مليون دولار.. وفى إطار التزام الحكومة المصرية بمعالجة هذه القضية تم تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة التهاب الكبد الفيروسي عام 2006 ضمت ممثلين من وزارة الصحة والسكان، بالإضافة إلي خبراء التهاب الكبد الفيروسي.
ونظرا لحجم المشكلة الصحية فقد كانت استجابة الحكومة المصرية سريعة فى شكل صياغة وتنفيذ برنامج وطني لفحص التهاب الكبد المزمن مع التركيز علي فيروس التهاب الكبد C وعلاج المصابين وقد حقق البرنامج انجازا بارزا فى مايو 2019 بعد أن قام بفحص 50 مليون شخص فى جميع أنحاء البلاد خلال 6 أشهر، وقد استكملت هذه الجهود بالوقاية من العدوي ومكافحتها والمراقبة المستمرة والتعليم العام المستمر للحفاظ علي الأثر الصحي الايجابي كما العديد من البلدان فى افريقيا وخارجها، حيث إن المعركة ضد التهاب الكبد الوبائي سي و بي هناك تعطي دروس حيوية للعالم من التجربة المصرية.. وكان التحدي الاول هو حالة الوعي العام والتي ظهرت جلية فى العديد من الدراسات بأن هناك فجوات خطيرة فى ثقافة الرأي العام حول الالتهاب الكبدي C، وتمت مواجهتها بإطلاق حملة تثقيفية جماعية متعددة القنوات مع رسائل واضحة للناس بشأن عوامل الخطر "للذين قاموا بإجراء عمليات جراحية مسبقة وعمليات نقل الدم أو حقن البلهارسيا" وتعرضوا لانتقال العدوي بما فى ذلك الحقن التي أعيد استخدامها وشفرات الحلاقة بالإضافة إلي المبادرات الحكومية.

فى هذا الخضم الطويل من تجارب المكافحة كانت هناك واحدة من مبادرات المجتمع المدني للوصول إلي سكان المناطق الريفية قام بها الاستاذ الدكتور جمال شيحة رئيس مجلس إدارة مستشفي ومعهد بحوث الكبد بإطلاق مشروع يشمل حملات للتوعية ومسح طبي وفحوصات وتقديم العلاج المناسب تم تنفيذه فى 73 قرية وقد تم تصميمه لتثقيف المواطنين حول التهاب الكبد الفيروسي، وبدء العلاج ونحن نعتبر برنامج العلاج الضخم إحدي ركائز الوقاية بالإضافة إلي مكافحة العدوي.

واختتمت المجلة تقريرها بمقولة الدكتور جمال شيحة: "حلمي الشاغل لمصر والعالم بأسره أن يكون خاليا من التهاب الكبد C وB".

وهو ما يدفعنى إلى القول أننا أمام حالة متفردة صنعها عالم جليل هو الدكتور جمال شيحة الذى أحترم علمه ومهنته فاستحق أن يحترمه العالم على هذا النحو المشرف.