رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد فودة يكتب: فيلم "كازابلانكا".. متعة المشاهدة حتى آخر لقطة

محمد فودة
محمد فودة

حينما قررت الذهاب لأشاهد فيلم "كازابلانكا" للنجم أمير كرارة.. كانت فى ذهنى عدة تصورات وأحكام مسبقة عن هذا الفيلم، رسمتها ونسجت خيوطها من خلال ما قرأته من أخبار حول القصة والأداء وغيرهما من العناصر الفنية للفيلم. ولكن ما أن شاهدت أولى لقطات الفيلم حتى تبددت تلك الصورة الذهنية تمامًا، وتبخرت فى هواء دار العرض المزدحمة بالمشاهدين من مختلف الأعمار، وكأن كل ما قرأته أو سمعته عن الفيلم يخص فيلماً آخر.

فالحق يقال إن فيلم "كازابلانكا" ومنذ المشاهد الأولى أجبرنى على الاستمرار فى المتابعة مشهداً وراء الآخر دون أن يكون هناك أدنى توقع بما سيحدث، وفى نفس الوقت نجد أن "الإيقاع السريع" فى الأحداث يجعل المشاهد فى حالة يقظة مستمرة بعيداً عن جو الملل الذى يصيب المشاهدين أثناء مشاهدة العديد من الافلام السينمائية التى تعرضها دور السينما الآن، وكأن من يشاهد فيلم كازابلانكا عليه أن يعيش "نوبة صحيان" فالأحداث سريعة ومشوقة فى نفس الوقت، وعلى الرغم من كثرة مشاهد الحركة والعنف أيضًا إلا أنك لا تمل من كثرة تلك المشاهد، فجميعها قد تم توظيفه بالفعل بدقة متناهية لدرجة أنه لو تم حذف مشهد واحد من هذه المشاهد لحدث خلل كبير فى تسلسل الأحداث، وربما يجعل المشاهد يشعر بأن شيئاً ما ينقص.

وأعتقد أن سر نجاح وتألق هذا الفيلم لم يرجع إلى تلك الكوكبة من الفنانين الذين تم انتقاؤهم بعناية فائقة، ولكن يرجع أيضاً إلى تكامل كل العناصر الفنية، من قصة وسيناريو وحوار وإخراج ومونتاج وتصوير وموسيقى تصويرية ومواقع تصوير منتقاه ببراعة وبذكاء شديد.

ولكن حينما نتناول كل تلك العناصر، التى كانت سبباً فى ظهور هذا الفيلم على هذا النحو من الجودة والإتقان، نجد أن التمثيل يأخذ نصيب الأسد من الاهتمام، فها هو النجم أمير كرارة يأخذنا معه أينما ذهب، ويكاد المشاهد يسمع صوت ضربات قلبه خوفاً على النجم البطل أمير كرارة، بل ويتعاطف معه أينما ذهب، على الرغم من أنه مجرد لص ومحتال ويمارس مهنة السرقة لحساب الآخرين، إلا أنه وببراعة فائقة يجبر المشاهدين على إقناعهم بنبل الهدف الذى يسعى من أجل تحقيقه فى نهاية الفيلم وهو استرداد شقيقه وتخليصه من براثن اللص الآخر الذى كان شريكه فى عمليات السرقة التى كانوا يقومون بها فى عرض البحر.. أمير كرارة تألق كثيراً فى هذا الفيلم، وكيف لا يكون كذلك وهو يمتلك كل هذه النجومية التى خرج بها من سباق دراما رمضان بالجزء الثالث من مسلسله الناجح "كلبش" وأعتقد أن سر هذا الإقبال الكبير على مشاهدة فيلم كازابلانكا يرجع الجزء الأكبر فيه إلى نجومية أمير كرارة.. وهذا بالطبع لن يقلل من الأداء الممتع للنجم عمرو عبدالجليل الذى أراه يزداد تألقاً ونضجاً وجماهيرية يوماً بعد الآخر، فهو من الفنانين الذين يمتلكون خلطة سرية يستطيع من خلالها خطف المشاهد نحوه طوال أحداث الفيلم.. وهنا يكمن المجهود الكبير الذى يبذله عمرو عبدالحليل فى كل فيلم يقوم ببطولته، فهو يمتلك أيضاً أدواته التى تميزه عن غيره من الممثلين، فنراه فى أصعب المشاهد يجبر المشاهدين على أن يضحكوا من قلوبهم، على الرغم من أن الموقف يكون تراجيدى وفى منتهى الصعوبة وتحيطه حبكة درامية لا مجال فيها للضحك على الإطلاق إلا أن عمرو عبدالجليل يلوى ذراع الكلام ونجده قد أخرج إفيهاته التي لا يمكن مقاومة الضحك عليها بأى حال من الأحوال.. بينما نجد اللص الثالث فى هذا الفيلم، وهو النجم إياد نصار، قد بلغ مرحلة النضج الفنى، فنجده وقد تفوق على نفسه سواء من حيث الشكل أو الأداء أو فى التعبير عن مكنون النفس البشرية التى هى دائمًا "الأمارة بالسوء"، فعلى الرغم من تحول شخصيته من النقيض إلى النقيض عدة مرات إلا أنه يظل حتى نهاية الفيلم شخصية محيرة.. ففى كل مرة يترك تساؤلات وعلامات استفهام فى أذهان المشاهدين الذين يقعون فى حيرة شديدة تجاه شخصية إياد نصار، فهل هو شرير أم لص نبيل؟ وهل هو مخلص لصديقه اللص النبيل أمير كرارة أم أنه يناصبه العداء بنفس شعوره العدائى تجاه صديقه اللص الغدار عمرو عبدالجليل؟.. بالفعل يظل إياد نصار حتى آخر مشهد من الفيلم مصدر إرباك للمشاهدين الذين لا يستطيعون إلا أن يعبروا عن إعجابهم الشديد بأدائه فى كل تلك الحالات.

أما حينما ننظر إلى المشاركة النسائية فى الفيلم الذى منذ أول مشهد وحتى آخر مشهد مليء بالأحداث الساخنة والضرب والقتل والخطف والمطاردات، خاصة تلك المشاهد التى تم تصويرها فى المملكة المغربية وهو ما يجعل من الصعب وجود مشاركة نسائية قوية بسبب تلك الأجواء شديدة التعقيد فى أحداث الفيلم، إلا أن اختيار النجمة غادة عادل قد جاء موفقاً جداً لأنه بطبيعة الحال معروف عنها أنها فنانة تتسم بسرعة الحركة والأداء الرائع فى مشاهد المطاردات، وهو ما أظهرته ببراعة فى المشاهد التى شاركت فيها والتى كانت تتصدر فيها مجريات الأحداث.. أما نيللى كريم فقد منحت الفيلم لمسة جميلة وكأنها بمثابة رائحة العطر التى تفوح فى لحظة صعبة فتشيع فى المكان بهجة وسعادة، فقد ظهرت فى بضعة مشاهد تعد على أصابع اليد الواحدة إلا أنها منحت تلك المشاهد طعمًا ولونًا ورائحة، فجعلتنى أكاد أجزم أنه لم يكن من السهل أن يحدث ذلك من أى فنانة أخرى، وكأن هذه المشاهد القليلة جاءت فى سياق الأحداث من أجل أن تؤديها نيللى كريم التى كانت تظهر فجأة وتختفى فجأة دون أن يعرف المشاهد السبب فى كلتا الحالتين.

بقى أمامى أن أشيد بالدور الرائع الذى قدمه كالعادة النجم محمود البزاوى بأدائه وتمكنه من تجسيد شخصية الوسيط بين هؤلاء اللصوص الثلاثة وبين واللص الأكبر زعيم العصابة الذى يدير العملية بالكامل طوال أحداث الفيلم، والذى جسد شخصيته النجم التركى خالد أرغنتش الذى يعرفه المشاهد المصرى والعربى جيداً، حيث إنه جسد من قبل شخصية الملك سليمان فى المسلسل التركى الشهير "حريم السلطان".. بينما جاء ظهور النجم مصطفى شعبان فى مشهد واحد والفنانة الكبيرة لبلبة فى بضعة مشاهد كنوع من تقديم مشاركات عديدة ومتنوعة من الفنانين الكبار تعطى للأحداث طعم النجاح والتألق والتميز.

والحق يقال فإننى وبينما كنت أشاهد فيلم " كازابلانكا" فإننى تملكنى إحساس بأننى أعيش متعة المشاهدة التى استمرت معى منذ بداية الفيلم وحتى المشهد الأخير.. وهو ما دفعنى لأن أصفق بعد تتر النهاية لمايسترو هذا العمل الجميل، وهو المخرج بيتر ميمى، الذى استطاع وعن جدارة أن يثبت للجميع يوماً بعد الآخر أنه مخرج موهوب يمتلك أدواته التى تجعل أعماله دائماً فى الصدارة سواء كانت فى السينما أو التليفزيون.