رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متحدث الخارجية العراقية: القاهرة وبغداد لهما دور كبير في توازن البيت العربي (حوار)

جريدة الدستور

قال المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، إن مصر تتبع سياسة خارجية حكيمة تعمل من خلالها على حل العديد من الأزمات التى تعانيها دول المنطقة، عن طريق الدفع باتجاه اعتماد الحلول السلمية والحوار البناء، فى الوقت الذى يدخل فيه آخرون على خط هذه الأزمات من أجل تأجيجها.
ووصف، فى حواره مع «الدستور»، مصر بأنها «كبيرة العرب»، التى تعد قوتها واستقرارها قوة واستقرارًا للأمة كلها، معتبرًا أن العلاقات الثنائية بين القاهرة وبغداد فى الوقت الحالى فى أفضل مراحلها. واستعرض «الصحاف» مواقف العراق السياسية من أزمات المنطقة، بدءًا من الأوضاع فى سوريا والقضية الفلسطينية، مرورًا بوجود قوات تركية على أراضٍ عراقية، وعلاقة بلاده بالمملكة العربية السعودية، ودورها فى التقريب بين الرياض وإيران.
■ بداية.. كيف ترى العلاقات المصرية العراقية؟
- هذا السؤال يستند إلى تاريخ عتيد من العلاقات الحضارية والثقافية والسياسية والتاريخية بين البلدين، تأتى الحكومات لتوطيده أكثر وبناء قاعدة مصالح مشتركة عليه.
ونحن فى العراق، ووزارة الخارجية العراقية على وجه التحديد، يهمنا ونحرص على التواصل مع جمهورية مصر العربية، وبناء أعلى مستويات من التنسيق والحوار، لأننا نعتقد بكونها «كبيرة العرب»، التى يمكن أن تشكل الحاضنة الأوسع للعلاقات والتوجهات العربية فى ظل واقع يعج بالتحديات. وإيمانًا منا بهذا المنطلق، نسجل «مقاربات» عديدة مع الجانب المصرى على مستوى التعامل فى ملف الإرهاب وعلى مستوى قضايا أخرى تخص الحالة العربية وآليات التعاطى معها.
■ كيف ترون دور الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تحقيق التقارب والشراكة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة؟
- العلاقات بين البلدين فى أفضل مراحلها، بدءًا من المستوى السياسى الذى يؤكد فيه العراق احترامه بشكل كبير للسياسة الخارجية المصرية فى المنطقة، ويشيد بدورها الإيجابى فى حل بعض المشكلات الإقليمية عن طريق الدفع باتجاه اعتماد الحلول السلمية والحوار البناء، وهى السياسة التى تعد، من وجهة نظرنا، عنصرًا أساسيًا لاستقرار منطقتنا الملتهبة بالأزمات.
ويحترم العراق السياسة الخارجية لجمهورية مصر العربية، كونها «حكيمة»، عملت من خلالها على حل العديد من الأزمات بإيجاد مخارج فاعلة لها، فى الوقت الذى يدخل فيه آخرون على خط هذه الأزمات من أجل تأجيجها، كما أننا نعتبر مصر مركز توازن فى المنطقة، وقوتها قوة للعرب كلهم، وتنعكس إيجابًا على الواقع العربى بأكمله.
■ الرئيس السيسى التقى نظيره العراقى برهم صالح فى القمة العربية الأوروبية بشرم الشيخ.. ما أبرز ما تناوله هذا اللقاء؟
- القمة عكست حرص مصر على أمن المنطقة، وتعزيز آليات العمل العربى المُشترك فى مواجهة الأزمات والتحديات الراهنة بالمنطقة، والحفاظ على الاستقرار والنهوض بالأوضاع التنموية والاقتصادية والاجتماعية فى الوطن العربى.
وخلال لقائهما، ناقش الزعيمان تعزيز أطر التعاون الثنائى الراسخة، والاستفادة من الكفاءات المصرية فى مختلف المجالات خلال الفترة المقبلة، وتبادلا وجهات النظر حول عدد من القضايا العربية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، واتفقا على ضرورة تكثيف التنسيق لمواجهة التحديات التى تواجهها المنطقة، وبما يحقق آمال شعبيهما فى العيش فى سلام واستقرار.
■ كيف يرى العراق تولى مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى عام ٢٠١٩؟
- كلما تتسع دائرة العلاقات العربية، وتتولى مصر الشقيقة دورها الجديد، يتيح ذلك فرصة أوسع وأرحب لتلك العلاقات فى أن توضع فى مقاربات جديدة تتحول إلى برامج عمل تنفيذية تستهدف رفع معدلات التنمية المستدامة لهذه الدول بما ينعكس على أمن واستقرار شعوبها.
ونعتقد أن مصر، كانت وما زالت، تسعى جاهدة من أجل مقاربات عربية عربية وعربية إفريقية جادة، وحل مشكلات دول المنطقتين على أساس احترام الدور الوطنى لكل دولة، وتعزيز الأمن والاستقرار بها، ودعم ما من شأنه تعزيز المسارات المتوازنة مع المستوى الثنائى والمتعدد، ونأمل لها حقيقة أن تأخذ دورًا فاعلًا ينعكس على هذه العلاقات إيجابًا، ويتيح للعراق فرصة أرحب وأعمق فى الدور المصرى الجديد.
■ هل يرتقى التعاون الاقتصادى بين البلدين إلى حجم التعاون السياسى؟
- نعتقد أن العراق الآن- خاصة فى مرحلة ما بعد «داعش»- يشكل منصة مهمة جدًا لتفاعل المصالح العربية وتحقيق المصالح الاستثمارية لكل من يمد يد الشراكة، ويمكن لمصر أن تأخذ هذا الدور الفاعل والعمل معنا بشكل مشترك وداعم لما يعود على أمن وخير الشعبين الشقيقين.
■ هل هناك شركات مصرية بدأت بالفعل فى المشاركة فى إعادة الإعمار؟
- بالتأكيد، والحوارات فى هذا الصدد مستمرة، وهناك لجنة تنسيقية مشتركة بين البلدين لبحث المسارات التنموية والاقتصادية، ونحن فى إطار علاقات تشهد حالة من التنامى والتصاعد يومًا بعد آخر، وإن شاء الله قريبًا سنشهد علاقات عراقية مصرية فاعلة جدًا، خاصة فى مرحلة البناء والإعمار فى العراق.
■ ماذا عن التعاون العسكرى بين البلدين فى ظل حربيهما ضد الإرهابيين؟
- مصر عملت بشكل جاد وحثيث فى شأن مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه الفكرية والعسكرية، وهو ما يتفق مع رغبة ومصالح عموم الدول العربية، لكنه يتفق مع العراق بشكل أكبر ومستوى استراتيجى أعمق، لأن العراق من أكثر الدول تضررًا من العمليات الإرهابية جراء هجمات «داعش» الإرهابية إبان عام ٢٠١٤.
ونرى أن الانتصار العسكرى لا يكفى لاعلان الانتصار بشكل نهائى، وإنما يتطلب الأمر ملاحقة هذه الجماعات فكريًا وأيديولوجيًا عبر تهيئة المناخات التنموية التى لا تسمح باستقطاب الشباب إلى بيئات الحرمان، والتى تدفع نحو الانحدار إلى مسارات التطرف، وهذا يستدعى مزيدًا من التواصل والتنسيق بين البلدين، لتحقيق هذا المبتغى الذى أصبح يشكل جسرًا استراتيجيًا للتواصل بينهما.
■ بالحديث عن محاربة الفكر المتطرف.. هل سيكون للأزهر دور فى تجديد الخطاب الدينى فى العراق؟
- لا يخفى على الجميع أن الحوارات الثنائية بين العراق ومصر معنى بها كل عراقى ومصرى، بمعنى أن القوى الفاعلة التى من شأنها أن تسهم فى مزيد من الاستقرار داخل العراق كالمؤسسات الدينية والقوى الاجتماعية والاقتصادية ونحو ذلك يقابلها فى الجانب الآخر ما يناظرها.
والأزهر مؤسسة عريقة يعرفها العالم أجمع وعرفها العالمان العربى والإسلامى بوجه أخص بأنها تدعو إلى الحوار والتسامح وبناء الأخوة، وخطابها الذى بات يشكل رونقًا خاصًا بالخطاب الإسلامى كلنا نحترمه ونعتز به.
لذا نعتقد أنه بإمكان الأزهر أن يلعب دورًا بارزًا، كما بالإمكان أن تلعب مؤسسات أخرى تناظر الأزهر فى العراق دورًا فاعلًا ومتحدًا فى إطار مواجهة الإرهاب والتطرف وحماية مصالح الشعبين الشقيقين من كل ما يهددهما من الإرهاب وأفكاره وجماعاته المتطرفة.
كما أننا نرى أن العلاقات والتكامل فى الأدوار بين الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية الأخرى فى البلدين، يمكن أن تسهم فى تعزيز الوسطية الإسلامية، وإشاعة المنهج الإسلامى الأصيل، فى الوقت الذى يشهد الدين عمليات تشويه ممنهجة من منابر معادية لتبرير ممارسات الإرهابيين الشاذة.
■ بعد زيارة الرئيس العراقى المملكة العربية السعودية فى أولى زياراته للخارج.. هل تشهد الفترة المقبلة تطورًا فى العلاقات بين بغداد والرياض بعد فترة من «الفتور» فى الماضى؟
- عندما نتحدث عن علاقات دولية ينبغى أن توضع فى إطارها الصحيح، سواءً فى الفعل أو التفاعل، وحين نقول «دبلوماسية سياسية» فإننا نعنى وجود حلول لكل المسارات المعقدة التى تعصف بعلاقات البلدان، فضلًا عن العلاقات بين الأشقاء.
ونحن نعتقد أن الحالة الدبلوماسية والتنسيق الحقيقى بين العراق والسعودية فى مستوى مرضٍ للغاية، وهناك تطور غير مسبوق فى العلاقات، وتوجد لجنة تنسيقية عليا بين البلدين تواصل عملها بشكل فنى، وتضم عددًا من الخبرات والطاقات والجهات المعنية فى كليهما، لمناقشة قضايا ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وعلى مستويات أخرى.
والعلاقات العراقية السعودية اليوم فى مسار جديد، ونحن فى الحقيقة داعمون بشكل كبير للمضى فى تعزيز هذا المسار، وتوحيد الرؤية العربية إزاء التحديات التى تواجهنا جميعًا، وفى مقدمتها الإرهاب الذى لا يزال ماثلًا وعلينا استكمال الحرب على جماعاته، لأن الأمن العربى لا يمكن أن يتجزأ، ويحتاج للعمل دائمًا على أمن شامل للبلدان العربية، والذى يستدعى بدوره تنمية شاملة، وبالتالى تنسيق وتبادل للعلاقات على مستوى شامل.
وشهد العراق مؤخرًا عقد المؤتمر الرابع لمحاربة «داعش» وأفكاره، بمشاركة جهات وممثلين من المملكة العربية السعودية، أبدت الدعم والمشاركة الفاعلة، ونحن فى العراق على تواصل مستمر مع الجانب السعودى على جميع المستويات، لمناقشة عدد من الملفات مثل: الإرهاب والحدود وقضايا سياسية.
■ هل هناك شركات سعودية ستشارك فى إعادة الإعمار؟
- العراق أبوابه مفتوحة للكل، ويده ممدودة بكل سخاء ومحبة ترحب بكل جهد استثمارى مبنى على أساس احترام السيادة الوطنية، وتعزيز ودعم جهود الحكومة العراقية فى مكافحة الإرهاب وتنفيذ برنامجها ٢٠١٨ - ٢٠٢٢ لإعادة الإعمار والتوطين، وإعادة مسارات الاستثمار والإعمار، ونرى أنه كلما استعاد العراق عافيته أسفر ذلك عن تحقيق توازن واستقرار فى كل الدول المجاورة، فضلًا عن كل الأحباء والأشقاء.
■ هل حاول العراق التقريب بين المملكة العربية السعودية وإيران؟
- نحن فى وزارة الخارجية العراقية نتبنى رؤى وأولويات فى خطابنا الدبلوماسى، من بينها حفاظ العراق على دوره المتوازن مع كل الأطراف، ورفض ما يُعرف بـ«سياسة المحاور» بالمنطقة، والتى نرى أنها تمنع تعزيز الثقة بين الجيران، والذى يعد شرطًا أساسيًا فى تواصل العلاقات الاقتصادية والسياسية. والعرب تقول «الجار قبل الدار.. والرفيق قبل الطريق»، ونحن ننظر إلى جيراننا نظرة احترام وتقدير واعتدال، ونعمل على أن نكون حجر توازن أمام مصالحهم، وندعم ذلك فى إطار الحوار المستدام والمتواصل، ولن ندخر خطوة أو جهدًا يمكن أن نقدمهما فى تعزيز العلاقات أو أى مسار يعمل على تعزيز الأمن فى المنطقة ويعمل على أمنها واستقرارها.
■ كيف تنظرون إلى وجود قوات تركية على أراضى العراق؟
- العراق- عبر وزارة الخارجية- عبّر أكثر من مرة عن تمسكه بالدفاع عن أرض الوطن وأمنه وأمن شعبه، ودعا كل الأطراف إلى احترام سيادته وعدم التدخل فى شئونه الداخلية، أو السماح باستخدام أراضيه ممرًا لإلحاق الضرر بأى من دول الجوار.
■ إذًا أنتم ضد وجود هذه القوات على الأراضى العراقية؟
- العراق وطن وبلد ذو سيادة، وندعو كل الأطراف إلى احترام هذه السيادة وعدم التدخل فى شئونه الداخلية، وبشكل عام كل قوات لا تحظى باتفاق مركزى مع الحكومة العراقية وبطلب وإذن منها نرفض بقاءها.
■ ما موقف العراق من الأحداث فى سوريا؟
- ندعم الحل السياسى للأزمة السورية، وندعم المبادرة التى طرحها العراق لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ونؤكد ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضى السورية.
■ كيف ترون تطورات القضية الفلسطينية؟
- العراق والخارجية العراقية موقفهما ثابت ودائم من القضية الفلسطينية، التى هى قضية كل عربى ومسلم، ويقوم هذا الموقف على دعم حق الشعب الفلسطينى فى دولته وعاصمتها القدس الشريف، وعدم التفريط فى تلك الحقوق غير القابلة للتصرف، ونحن مع القضية الفلسطينية وندعم مساراتها ونعتبرها قضية أساسية فى خطابنا الدبلوماسى والوجدانى.
ماذا عن عمليات تطهير العراق من «داعش»؟
- العمليات العسكرية مستمرة حتى تطهير العراق بالكامل، ونحن مستمرون فى إعادة الأمن والاستقرار إلى جميع المدن العراقية، والقضاء على الإرهاب بشكل كامل وتجفيف منابع تمويله، وقواتنا المسلحة الباسلة تسيطر الآن على كل شبر من الأراضى العراقية، وبصدد القضاء على جميع معاقل تنظيم «داعش» الإرهابى ودحر أفكاره المتطرفة.