رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصاخب.. مفيد فوزى يروى لـ«الدستور»: هؤلاء علَّمونى

جريدة الدستور

- أحمد بهاء الدين أول شخصية تنويرية قابلتها فى الصحافة المصرية.. وله تأثير كبير على مشروعى
- ظللت أكتب مثل هيكل حتى قال لى أحمد بهاء: «كُن نفسك.. الصحافة المصرية ليس بها إلا هيكل واحد»
بدأت مسيرتى داخل مجلة «صباح الخير» لكن سرعان ما لفتُّ أنظار أحمد بهاء الدين لقلمى وجذبت انتباه فتحى غانم لكلماتى

عندما ذهبت إليه محاورًا، انتابتنى الحيرة، فمن أى نقطة أبدأ حوارًا مع أشهر محاور فى مصر؟، وكيف أكون صحفيًا فى حضرة «صاحب قلم» نجح فى أن يكون ظاهرة حية وحاضرة داخل الصحافة المصرية؟، وهل يدور الحوار حول «تلفزة الصحافة» أم «تصحيف التليفزيون»؟. وعندما دارت عجلة الحوار مع الإعلامى الكبير مفيد فوزى، أخبرته أن هدفى من الحديث معه، يتمثل فى إعادة اكتشاف وقراءة أفكاره، فوجدته يقول: «على الرحب والسعة.. فالسؤال دائمًا هو الذى يبدد عتمة الغموض.. وأنا مستعد للإجابة عن كل ما تريده». هكذا كان اللقاء والحديث مع الصحفى والإذاعى، الكاتب والمحاور، مفيد فوزى، الذى فتح قلبه وعقله لـ«الدستور» ليسرد له بعضًا من حكايات صاحب «حديث المدينة».

■ بداية أسألك: نجحت كمحاور فى «تلفزة الصحافة» و«تصحيف التليفزيون».. فكيف استطعت المحافظة على قلمك متوهجًا طيلة نصف قرن أو أكثر؟
- أعتقد أن الفضل فى ذلك يعود إلى نجاحى فى العمل على نفسى بصورة كبيرة، دون أن أتوقف عند مدى معين، فكل خطوة نجاح كنت أحققها كانت دافعًا لمرحلة أخرى أسعى إليها، وتلك الدوافع المتجددة بداخلى دومًا نحو التطوير الذاتى والبحث عما هو جديد، نجحت فى أن تجعل قلمى متجددًا، وأصبحت أمتلك رأيًا فوق الورق، وفى الوقت ذاته، نجحت فى أن يكون لى حضورى الخاص على الشاشة.
دعنى أضرب لك مثلًا على ذلك، عندما انتهت فترة تقديمى لبرنامج «حديث المدينة»، كان من الممكن أن أركن وأجلس مترحمًا على ماضٍ ولى، لكنى لم أترك نفسى لهذا، وسرعان ما بدأت فى تقديم أحد أنضج البرامج التى قدمتها طيلة مسيرتى، وهو برنامج «مفاتيح».
■ لو استعدنا ذكرياتك المبكرة.. هل كنت ترغب فى أن تكون الكاتب الصحفى مفيد فوزى، أم المحاور التليفزيونى؟
- لا أمتلك إجابة حاسمة عن هذا السؤال، فأنت تطلب منى أن اختار بين الحُسنيين، ولا أدعى أننى كنت أحلم بأن أكون هذا أو ذاك، فلا أحد يعلم كيف يمكن أن يكون الغد بالنسبة له.
■ بدايتك الصحفية جاءت فى وقت ضمت فيه صاحبة الجلالة أسماء وقامات لامعة.. فكيف استطعت أن تحجز لقلمك مكانًا بارزًا وسط العمالقة؟
- وجودى وسط هؤلاء العمالقة كان عنصرًا محفزًا، دفعنى للأمام، وعندما بدأت أتلمس الخُطى داخل بلاط صاحبة الجلالة، بدأت مسيرتى كمحرر عادى داخل مجلة «صباح الخير»، لكن سرعان ما برزت فى الحوار، وبرعت فى التحقيق الصحفى، وهو ما لفت أنظار أحمد بهاء الدين لقلمى، وجذب انتباه فتحى غانم لكلماتى.
ولأنى كنت أبحث عن مكانة متميزة وسط هؤلاء القامات، لم أكتف بذلك، وسرعان ما بدأت فى تطوير نفسى بصورة أكبر عن طريق القراءة الكثيرة، والأسفار المتعددة، والاختلاط العميق بالبشر، بجانب المواظبة على حضور الندوات الفكرية والثقافية، والاهتمام بالقضايا الوطنية، وهو ما أهّلنى لاحقًا لتولى رئاسة تحرير مجلة «صباح الخير».
وباختصار، كل العناصر السابقة التى ذكرتها هى التى منحت تجربة المحاور مفيد فوزى نكهة خاصة.
■ كيف كان شعورك أثناء توليك رئاسة تحرير مجلة «صباح الخير»؟
- كانت مهمة جليلة، فما أعظم أن ترأس مجلة يوجد فيها ٣٠ رسامًا، ويعمل بها ٣٣ محررًا، فى زمن كانت نوعية المحررين الموجودة، من أمثال عبدالله الطوخى، وصالح مرسى، وزينب صادق، ونجاح عمر، ورءوف توفيق.
كل هذه الأسماء الكبيرة أهّلتنى لتقديم ما كنت أحلم به، وأعطتنى أكبر درس فى حياتى، وهو أن التعامل مع البشر من أصعب المهام، وأنه لا شىء يأتى بالضغط، بل جعلونى أقتنع بأن رئيس التحرير الناجح لا بد أن يكون حازمًا وحنونًا، وأدركت وقتها أن الصحافة ستكون حُبى وجرحى فى آن واحد.
■ ما دور الراحل الكبير أحمد بهاء الدين فى مشروع المحاور مفيد فوزى؟
- أحمد بهاء الدين هو أول شخصية تنويرية قابلتها فى الصحافة المصرية، وله تأثير كبير على مشروعى، لكنى لا أنُكر أننى كنت مفتتنًا وما زلت بظاهرة محمد حسنين هيكل، حيث كان أسلوبه الرشيق مسيطرًا على كلماتى وكتاباتى، وتحديدًا خلال فترتى الأولى داخل بلاط صاحبة الجلالة.
وظلت تلك الحالة ملازمة لى، حتى فوجئت ذات يوم بالأستاذ «بهاء» يُخاطبنى قائلًا: «كُن نفسك.. الصحافة المصرية ليس بها إلا هيكل واحد»، ولم تمر كلماته تلك بردًا وسلامًا، بل سرعان ما أعادتنى النصيحة إلى نفسى، وبدأت بعدها فى صياغة أسلوبى الصحفى الخاص بى، وبدأت فى تقديم التحقيق الصحفى كما الحدوتة، بطريقة جعلت كل من يقرأها يشعر بأنه أمام نكهة مختلفة، تحمل داخلها بذور فكر جديد، لمفكر قادم بقوة.
■ على ذكر الأستاذين بهاء وهيكل.. من هو أسطورة الصحافة المصرية الأعظم فى رأيك؟
- محمد حسنين هيكل هو أسطورة الصحافة المصرية الأعظم، مع كامل الاحترام لجميع الأسماء الأخرى، فالأستاذ «هيكل» هو الشخص الوحيد الذى نجح فى حجز مكان ومكانة خاصة لنفسه، وهو المصرى الوحيد الذى تجده معروفًا على صعيد الصحافة العالمية.
والصحافة المصرية خسرت التحليل والتوثيق منذ رحيله، فهو أيقونة نادرة التكرار، وأؤكد لك أنه طيلة اشتغالى بالصحافة، ظلت تجربته حاضرة فى رأسى، ومسيطرة على وجدانى، ونجحت بالفعل فى أن أقتنص منه أحاديث مهمة فى أوقات دقيقة، ويبقى أهمها على الإطلاق ذلك الحوار الذى أجريته معه عقب خروجه من المعتقل، وقد نجحت فى جمع كل الحوارات التى حدثت بينى وبينه، وأصدرتها مؤخرًا فى كتاب باسم «هيكل الآخر».
■ بعيدًا عن «هيكل».. ما الشخصيات التى كنت تحلم بالجلوس معها على مائدة واحدة للحوار ولم تنجح فى ذلك؟
- على المستوى الإنسانى نجيب الريحانى، فأنا لم أقرأ له حوارًا عظيمًا، كما كنت أتمنى أن أوجه ٢٠ سؤالًا لـ«أسمهان»، ويبقى الراحل العظيم جمال حمدان هو الشخصية الوحيدة التى كانت محاورتها حلمًا كبيرًا، ولم يكتب لها التحقق، فذات مرة ذهبت إلى منزله، وتركت له رسالة من تحت عقب الباب أقول فيها: «أتمنى أن أجلس أمامك محاورًا.. وسآتى إليك غدًا»، وعندما عاودته فى اليوم التالى، وجدته بالطريقة ذاتها يترك لى رسالة مفادها: «كرّست نفسى للبحث وليس للحوارات».
■ ما الحوارات الأخرى التى يفخر بها أرشيفك الصحفى؟
- قمت بأحد الحوارات السياسية المهمة مع الدكتور أسامة الباز، أثناء غزو صدام حسين للكويت، كما حاورت المطربة ديانا حداد، التى أراها واحدة من أهم الأصوات الجبلية، التى تجمع حبالها الصوتية ما بين الرقة والعذوبة، بجانب نجاحى فى محاورة عقل عميد علماء الاجتماع المصرى الراحل سيد عويس.
ولن أنسى بالطبع حوارى الأول فى مجلة «صباح الخير»، الذى أجريته فى زمن أحمد بهاء الدين مع «زينب الغزالى»، واخترت له عنوان: «عندما منعت الرجال من تقبيلى»، والمثير أننى وقتها لم أكن أُدرك دورها القوى داخل الجماعة.
■ هل أسدلت الستار مؤخرًا على مسيرتك مع شاشة التليفزيون؟
- لم أعتزل بعد، وما زلت قادرًا على العطاء، وهناك قاعدة تقول إن التليفزيون لا يجرى وراء النائمين، لذا تجدنى دائمًا حريصًا على تطوير أدواتى. فسيرتى ما زالت حاضرة بفعل إخراجى الدائم للكتب، ومقالاتى المتعددة، ولا تنس أننى أكثر كاتب عربى تعامل مع الشاشة، وتلك الفترة الطويلة جعلتنى قابعًا فى الوجدان المصرى، وكانت سببًا فى منحى «كاريزما» خاصة لدى جمهور المشاهدين، وجعلتنى محاورًا مرغوبًا ومرحبًا بوجوده.
■ قضيت ٢١ عامًا داخل جدران مبنى الإذاعة والتليفزيون.. لذا فأنت خير من يجيب عن السؤال التالى: ماسبيرو إلى أين؟
- ماسبيرو يستعد الآن لهيكلة جهازه الإدارى، بحيث يصل عدد العاملين به إلى ١٠ آلاف فرد، وستكون هناك لجنة مهنية تضع شروطًا موضوعية لاختيار الأسماء القادرة على تمثيل ذلك المبنى العريق، وإعادته إلى ريادته المفقودة.
■ هل هذه معلومة أم توقع؟
- ما ذكرته هو معلومة مؤكدة لا تحتمل التأويل أو التهوين.
■ هل ستكون عضوًا فى هذه اللجان؟
- لا أريد، ورفضت ذلك، فأنا رجل مهنى، وأكبر من أكون عضوًا فى لجان أيًا كانت.
■ كيف تقرأ مشهد الإعلام المصرى خلال الفترة المقبلة؟
- الإعلام المصرى سيتشكل من جديد، وسيصبح مهاجمًا بقوة، ومناصرًا باحترام، وسيقدم صورة حقيقية للبلد، وسنتعرف من خلاله على بعض مواطن الخلل وحقيقة القضايا، وأين يكمن نقص المناعة فى الأداء، باعتبار أن بعض السخط مُفيد لصحة الدولة، وسيتحقق ذلك دون أن يكون هناك خوف من بطش أو حصار.
■ كيف تفسر مشهد الهجوم الإعلامى الغربى المتوالى على مصر؟
- الإعلام الغربى يريد إسقاط نظام «السيسى»، لكن كلما اشتد الهجوم الغربى، ازداد البناء داخل مصر، فنحن شعب عنيد.
■ باعتبار قلمك شاهدًا على العصر.. كيف تُقيم فترات حكم رؤساء مصر السابقين «عبدالناصر» و«السادات» ثم «مبارك»؟
- «عبدالناصر» كان عظيم المجد والأخطاء، و«السادات» بطل معركة السلام، أما «مبارك» فهو الرجل الذى نجح فى زرع السكينة فى شارع الحياة فى مصر، لكن بعض رجال الأعمال سلبوها.
■ لماذا تراجعت القوة الناعمة للدولة المصرية فى العقود الماضية؟
- لأننا تحولنا إلى مجتمع يشاهد أكثر مما يقرأ، بالأمس كنا نتجادل ونتناقش أكثر، وكانت هناك جلسات حوار ومبارزات نقدية وصالونات فكرية، لكنها تحولت الآن إلى صالونات حلاقة، وأصبحت الجلسات الفكرية تقتصر على تحليل مباريات كرة القدم.
وحاليًا يخلو الدور السادس فى جريدة «الأهرام» من فرسانه، ولم يعد لدينا طرب أو فن باستثناء بعض المحاولات القليلة التى يقوم بها البعض، وعلى رأسهم المخرج خالد جلال، لذا لم يعد نجم المجتمع الآن يحيى حقى أو الأبنودى أو يوسف إدريس، إنما أصبح محمد صلاح هو «one man show».
■ ألا تحب صلاح؟
- لست مفتتنًا به، فهو أشبه بـ«لوثة فرح»، وحتى لا نغرق ولا نستغرق فى تلك النظرة التشاؤمية، فقد ثبت لى أن هناك فى كل الأزمنة والعصور، انكسارات فى الخط البيانى، ثم ننهض من بعدها أقوياء.
■ صادقت البابا كيرلس واقتربت من البابا شنودة وعاصرت البابا تواضروس.. فما الكواليس الخاصة بتلك العلاقات الفريدة؟
- البابا كيرلس السادس كان الرجل الذى منحنى الكثير من الروحانيات، وعندما كنت أقول ذلك فى حضرة البابا شنودة، لم يكن يغضب منى، لأنه كان مؤمنًا جدًا بروحانيات ذلك العظيم، وعندما رحل البابا كيرلس، اقتربت من البابا شنودة، وكان يجمعنى به لقاء شهرى، أنا وأسامة الباز وغالى شكرى.
وكنت خلال هذه الجلسات أنقل له مطالب المسيحيين فى مصر، بينما يتكفل «الباز» بشرح آفاق مصر الخارجية، فى حين يتمحور حديث «شكرى» عن الثقافة والتيارات الفكرية.
أما البابا تواضروس فهو رجل عقلانى وحكيم، وعندما قلت فى إحدى المرات رأيًا يحمل بعضًا من السخط، تحمله بصدر رحب، وكان منطقه الحاكم فى قبوله لهذا يرجع إلى أن السياسى أو الكبير يتقبل دائمًا الرأى المخالف، إذا كان قائله رجلًا وطنيًا، ولا يتقبله إذا شك فى وطنية من يقوله.
■ لماذا تحتل المرأة جزءًا مهمًا فى كتابات مفيد فوزى، ويكتب باستمرار عن زوجته الراحلة؟
- أولًا: زوجتى نوال العمدة كانت الزوجة التى صارت صديقة، ونجحت فى أن تدخل قلبى من اهتمامات رأسى، وستبقى أبدًا ودائمًا «عمدة القلب».
ثانيًا: رغم ما يقال إلا أننا لا نزال مجتمعًا ذكوريًا بامتياز، لا يهمه من المرأة إلا متعة بعض الدقائق، وفى بعض الأحيان عندما كنت أزور المحافظات والُقرى النائية، كُنت أرى بعينى حجم التعاسة الداخلية لدى نساء البيوت البسيطات المكافحات، وبالتالى فهن يستحققن حيزًا كبيرًا من اهتماماتى.
■ بعد رحلتك الطويلة.. هل حققت الأحلام التى تمنيتها؟
- حققت معظم ما تمنيت بمشيئة الله، فدائمًا ما كان لدىّ إيمان عميق بأن خطواتى تتم برعاية الله، فأنا لم أتخلف عن الركب والسبق الصحفى يومًا ما، ويكفى أننى امتد بى العمر إلى اللحظة التى أصبحت أرسل فيها مقالاتى إلى الصحف عن طريق «الواتس أب» بدلًا من الفاكس، الذى لازمنى فى الماضى.
وأعتز بأن الحوار معى لا يزال يُغرى البعض، وأرى ذلك دليلًا على أن بريقى لم يخفت، وهى نعمة أعدها من عظائم الأمور.
■ ما الصورة التى يمكن أن يرسمها قلمك عن الرئيس السيسى؟
- السيسى نمط مختلف من الرؤساء، فهو يعمل بنسق متلائم، يحاول من خلاله الوصول إلى مكنون المصرى البسيط والمواطن الغلبان، ويتميز بتفكيره المستقبلى القوى والجرىء والصادم، وما حدث فى تعويم الجنيه أبسط مثال ودليل، فهو مشغول دائمًا بمستقبل الأبناء والأحفاد. و«السيسى» رجل لا يبحث عن «show» أو يتشبث بكُرسى حكم زائل، إنما هو عبارة عن طاقة مذهلة من التواضع، ويكفى أنه أسدل الستار على أسوأ أيام مرت بها الدولة المصرية خلال حكم الإخوان، وكادت تدفعنى شخصيًا للهجرة إلى كندا مع أسرتى. والآن، الدولة المصرية قد استردت عافيتها، والأرقام التى وصل الاحتياطى النقدى لها تدعم ما أقول، وتؤكد أننا بفعل جهد جهيد وصلنا إلى ما نريده من شبه الأمان الاقتصادى والقادم أفضل، ودعنى أؤكد أنى على استعداد أن أبلع الزلط وأتقبل الأخطاء التى تحدث فى الأداء، حتى لا يطل رأس الإخوان علينا من جديد.