رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملكة السينما المصرية.. هند رستم

جريدة الدستور

هند رستم سحر يسير على قدمين. موهبة هائلة، جمال أخّاذ وحضور فنى يتجاوز الزمان والمكان والخلود.

لقد تابعت تاريخ هذه النجمة المدهشة لخمسين عامًا. هند رستم التى ولدت باسم هند حسين مراد، فى محرم بك، بالإسكندرية، فى ١٢ نوفمبر ١٩٣١، اكتشفها حسن الإمام، المخرج المصرى المشهور، عام ١٩٥٢ عندما أعطاها دور البطولة فى فيلم «الجسد»، وكانت قد ظهرت لأول مرة فى فيلم «أزهار وأشواك» أمام يحيى شاهين. تزوجت مرتين وكان زوجها الأول المخرج حسن رضا والد ابنتها بسنت، والثانى هو الدكتور محمد فياض.

ليست هناك نجمة فى الشرق أو الغرب، ولا فى تاريخ السينما، يمكنها أن تنافس موهبة وحضور ورقى وأسلوب وسحر السيدة هند رستم الأخّاذ، ملكة السينما المصرية والعربية.

هند رستم أسطورة حية، برعت فى الكوميديا والدراما والميلودراما وأضفت على الشاشة الفضية بعدًا إضافيًا من الإبداع والارتجال لا يقارن. استوعبت الأدوار التى أدتها تمامًا وحولت نفسها إلى واقعية مطلقة تعكس كل تفصيلة وإيماءة فى الشخصية التى تؤديها على الشاشة.

إن تفردها لا يصدق ولا يقاس، سواء كانت تلعب دور راهبة أو فتاة ليل أو غاوية رجال أو حاسدة، فإن هند رستم تعبر عن الرسالة الحقيقية للشخصية المعروضة على الشاشة.

فى أفلامها لم تحتج يومًا إلى مؤثرات خاصة، ولا خدع بالكاميرا ولا تقنيات إضاءة مفتعلة، ولا تمويهات بالكاميرا، من أجل إظهار موهبتها المبهرة. فى ذلك الزمن، العصر الذهبى للسينما المصرية كانت موهبة الفنان ورؤية المخرج الإبداعية هما فقط عماد الفيلم، وكان من الصعب على الممثلين أن يكونوا مقنعين وأصلاء. وهند رستم كانت مقنعة وأصيلة.

ليس لدىّ شك أن فيلم «شفيقة القبطية» لو كان من إنتاج أمريكى لحصلت هند رستم على الأوسكار كأفضل ممثلة.
من المؤسف أنها اعتزلت التمثيل عام١٩٨٠، وهى على القمة. والسبب أنها أرادت من جمهورها ومعجبيها أن يتذكروها فى أفضل أحوالها. وقد حاول الكثير من المنتجين والمخرجين أن يقنعوها بالعودة إلى الشاشة، لكنها رفضت كل العروض. وهذا الرفض أحزننى شخصيًا.

أطلق عليها الجمهور العربى ألقابًا منها «نجمة الإغراء الأولى»، ملكة الإغراء، حسب التعبير الفرنسى divine fatale، وأطلقت عليها صحيفة «هوليوود ريبورتر»: «سارة برنار مصر»، واعتبرها الكثيرون مارلين مونرو السينما العربية، ولكن هناك فارقًا كبيرًا بينها وبين مارلين مونرو وسائر نجمات الإغراء الأمريكيات والأوروبيات، هو أنهن جميعًا ظهرن عاريات أو نصف عاريات مستغلات جاذبيتهن الجنسية، وهو ما لم تفعله هند رستم التى رفضت التعرى فى أى من أفلامها. وكانت ترى أن الفن يكمن فى الأداء وليس فى استعراض البدن، وأن الموهبة يجب أن تنبع من القلب والعقل وليس من الجسم.

لا شك فى أن هند رستم كانت مغرية، حسية، كرة نار شهوانية على الشاشة الكبيرة، عيناها وتعبيرات وجهها المثيرة والطريقة التى تتحرك بها وتظهر بها تضاريس جسدها، وحتى صوتها والطريقة التى تفتح بها فمها وتثبتها أمام عينيك الجائعتين، كل شىء فيها مثير وجذاب، ولكن مع ذلك تظل غير قابلة للمس، وهذا كان جزءًا من سحرها وربما من تقنيات وفنيات أدائها.

أدت هند رستم أدوار المرأة المغرية، المثيرة والغاوية، لكنها ظلت محبوبة الجمهور، وقد حاولت الكثيرات من نجمات السينما المصرية تقليدها بلا جدوى، لأنهن افتقدن شيئًا مهمًا جدًا كانت تتمتع به، وهو «السحر»، وربما الأهم منه «الرقى» الذى كانت تتسم به.

هند رستم متواضعة صادقة ومخلصة، لم تؤثر فيها أضواء النجومية ولا السجادة الحمراء ولا المال والشهرة، حتى إنها عام ٢٠٠٠ رفضت عرضًا بمليون جنيه مقابل عمل مسلسل عن سيرتها الشخصية مع إحدى القنوات الفضائية، لأنها ببساطة رفضت بيع حياتها كنوع من الترفيه، وقالت للمنتجين إن حياتها الخاصة ملك لها وحدها. الآن كم من جميلات هوليوود يمكن أن يرفضن مثل هذا العرض؟.
هند رستم نسيج وحدها لا مثيل له فى عالم هوليوود المبتذل السطحى الجشع. وقد قيل إن هند رستم رفضت دعوة وجهتها لها الراقصة فيفى عبده لحضور حفلة تكريمًا لها.
كان نجاح هند رستم فى فيلم «بنات الليل» عام ١٩٥٥، بوابة دخولها إلى السينما وحولها إلى نجمة كبيرة فى يوم وليلة. لم يكن هناك عيب واحد فى أدائها، وحضورها على الشاشة كان طاغيًا. بالطبع كان لجمالها الأخّاذ وسلوكها الراقى دور فى فتح الأبواب أمامها، ولكن موهبتها كانت أداتها الرئيسية التى جعلت منها نجمة وأسطورة.

من بين أفلامها التى لا تنسى نذكر: «يعدد بعضًا من أفلامها المهمة».
جدير بالذكر:
- على الرغم من إجادتها وتفوقها فى رقصة التشاتشا وغيرها، فإن هند رستم لم تكن مغرمة أبدًا بالرقص الشرقى، وقالت إنه لا يناسب ذوقها وطبيعتها، مع ذلك فقد رقصت فى بعض أفلامها وكان رقصها رائعًا.
- فى حوار حديث مع هند رستم قالت إنها تستيقظ مبكرًا جدًا، وتشرب فنجانًا من الشاى مع قراءة الجرائد، وإنها تنام مبكرًا ولا تسهر لما بعد العاشرة.
- فى الخمسينيات كانت هند رستم تعتبر واحدة من أجمل عشر نساء فى العالم. وفى استطلاع فى الشرق الأوسط أجرى عام ١٩٥٩ اختيرت هند رستم كأكثر الممثلات شعبية فى العالم العربى، تلتها فاتن حمامة ثم ماجدة.
- فى استطلاع أجرى عام ١٩٧٩ اختار قراء مجلة La Femme أجمل عشر نساء جاذبية عبر التاريخ، وجاءت النتيجة كالتالى: آفا جاردنر، ريتا هيوارث، هند رستم، مارلين مونرو، جين تيرنى، بيرجيت باردو، صوفيا لورين، ساريتا مونتيل، هيدى لامار، جريتا جاربو.
- بالإضافة إلى لقبها «ملكة السينما المصرية» أطلق عليها الناس «سيدة مصر الأولى».
- هند رستم مخلصة لأصدقائها جدًا. اختيرت للعب بطولة فيلم «المرأة المجهولة» وكان المفروض أن يخرجه حسن الإمام، مكتشفها، لكنه تشاجر مع المنتج وترك الفيلم فما كان منها إلا أن تركت الفيلم أيضًا. وذهب الفيلم إلى شادية، وهى بالمناسبة كانت أعز صديقاتها، لكنها لم تندم وبعد تركها هذا الفيلم قامت ببطولة «شفيقة القبطية» الذى جعل منها نجمة عالمية. عرض الفيلم فى ٨٥ دولة، وكانت نسخ بوستر الفيلم تباع فى بيروت بـ٣٠ ليرة لبنانية، وهو مبلغ كبير جدًا وقتها، حيث كان سعر تذكرة السينما ٣ ليرات وأجر المدرس ٣٥٠ ليرة شهريًا.. وفى فرنسا بيعت نسخ من بوستر الفيلم مقابل سعر أعلى وفى عام ١٩٨٩ فى العاصمة الأمريكية واشنطن بيعت نسخة من البوستر مقابل ١٠٠٠ دولار، وكل ذلك لأن صورة هند رستم عليه.
- من بين كل الممثلات المصريات، فهند رستم أكثرهن ذكاء وثقافة، وهى تتحدث الفرنسية بلهجة أرستقراطية.
- سألوا دين مارتن عن أحب شىء فى مصر إلى قلبه، الأهرام، أم قناة السويس؟، فقال «الشيشة وهند رستم» أما سامى ديفيز الابن، فهمس فى أذنى «هند رستم أولًا ثم الشيشة».
- أرسل لها عبدالحليم سيناريو فيلم «أبى فوق الشجرة» لتمثل فيه، ولكنها رفضت فاتصل بها وطلب منها الحضور لمناقشته، فقالت له لا شىء ليناقش ليس فى الفيلم سوى قبلات وأنا لن أمثله، فقال لها ستقبلين عبدالحليم حافظ فقالت له أنا هند رستم وأنهت المناقشة.
- تعيش هند رستم فى شقة رائعة فى الزمالك مليئة بالتحف الفنية الفرنسية وتمثال لبوذا على مائدة للقهوة وسجادة يدوية رائعة على الحائط.
- تحب مشاهدة التليفزيون وخاصة أحوال السينما والفنون وكل ما هو جديد فى مصر. وقد علقت على مسلسلات وأفلام اليوم، وقالت إنها لا تعكس صورة مصر بصدق، ولكن هناك بعض البرامج التليفزيونية الجيدة، وبها مذيعون ومذيعات جيدات، ولكن هذا لا يكفى. وأننا نحتاج إلى تطوير هذه البرامج لأنها أداة تعليمية.
- تتحدث هند رستم بحرقة حول القيم العائلية واحترام الكبار. «الأب والأم مهمان جدًا فى مجتمعنا، وعلى الجيل الجديد أن يحترم والديه كما كنا نفعل فى زماننا. لقد تغيرنا ومصر لم تعد مصر زمان التى عرفتها».
- لم تعد تذهب للسينما أو المسرح على الإطلاق، وتشاهد الأفلام وبرامج التليفزيون فى البيت، أحيانًا مع الأصدقاء وغالبًا بمفردها.
- ظلت متزوجة من الدكتور فياض لحوالى ٥٠ عامًا، حتى وفاته عام ٢٠٠٩، وهى تشير إليه دائمًا بـ«البرنس»، فى المعرفة والشخصية والسلوك. ظلت مغرمة به وصوره على كل الحوائط فى غرفة معيشتها.
- من أحب أدوارها لقلبها دورها فى فيلم «امرأة على الهامش»، الذى رقصت فيه كحلم رغم أن الرقص ليس مهنتها و«ضد طبيعتى» كما تقول: «لا أحب الرقص الشرقى.. ولكن أحب موسيقاه». مع ذلك فكثير من زملائها مثل فريد الأطرش وشادية يعتقدان أنها ممثلة رائعة. وكان فريد يقف خلف الكاميرا ليشاهد رقصها، وكما تروى هى، كان يرقص ويصفق معها.
- دائما ما تبدو مذهلة فى الأحمر والأسود وتتغير هيئتها تمامًا عندما ترتدى الأبيض حيث تبدو أرستقراطية جدًا.
- كان يطلق على فاتن حمامة «سيدة الشاشة العربية»، وهى ممثلة كبيرة بالفعل، لكنها كانت تشعر بالخطر من وجود هند رستم، وفى حالات كثيرة كانت تتجنب التمثيل معها.
وقد قال حسين رياض الذى شارك الاثنتين فى أكثر من فيلم: «فاتن حمامة أفضل ممثلاتنا، وهند رستم أفضل نجماتنا العالميات».
برلنتى عبدالحميد قالت: «هند رستم ممثلة عظيمة، لكنها أوروبية الملامح ولا تصلح لدور المصرية الأصيلة، ومع ذلك فهى الممثلة المفضلة عندى»، لكن هذا الرأى يختلف معه الكثيرون، لأن هند مثلت أدوار كل الطبقات والفئات.
وقد قال فريد الأطرش إن كلًا من هند رستم وسامية جمال هما الأكثر جاذبية، ونفس الرأى قاله رشدى أباظة، وقد كان الأخير متزوجًا من سامية، أما الأول فكان على علاقة حب شديدة بها ولم يتزوجها لأنها راقصة.
شويكار اعترفت بأن هند رستم مثلها الأعلى. ولكن قالت إن أى ممثلة يتاح لها أن تلعب الأدوار التى لعبتها هند، سوف تصبح نجمة كبيرة وأن الأمر يتعلق بالحظ. وقد أخبرنى إسماعيل يس بأن الأمر به حظ بالطبع ولكن بشرط أن يكون الممثل موهوبًا.
قال الممثل الإيطالى الشهير مارشيللو ماستوريانى عن هند رستم: «ثلاث نساء فقط فى السينما يمكن أن يكنّ ممتلئات بالدراما والطزاجة مثل الحياة نفسها، ساريتا مونتيل، ريتا هيوارث وهند رستم».
فى زيارة له لباريس أخبرنى الممثل والمخرج الأسطورى أورسون ويلز بأنه يمكن أن يوجه أى ممثل أو ممثلة فى العالم ما عدا اثنين: هو نفسه وهند رستم، لأنه غير متوقع، وهند رستم لأنه يفضل أن توجهه هند رستم بدلًا من أن يوجهها، أمام الشاشة وخلفها.
- حاول ألفريد هيتشكوك الوصول إلى هند رستم مرتين، ولكن رسائله إليها صودرت. المرة الأولى كانت من خلال حبيب خورى الذى عمل مع هيتشكوك كمصمم فى فيلم «الطيور»، وحكى أن هيتشكوك أخبره بأنه حاول مرتين الوصول لهند رستم وأرسل إليها تليغرافًا أعقبه بخطاب من قبل شركة إنتاج هوليوودية كبيرة ولكن هند رستم لم ترد على هذه الرسائل أبدًا.
فيما بعد تبين أن هذه المراسلات صودرت من قبل جهات فى الدولة حاولت أن تدفع ببرلنتى عبدالحميد بدلا منها.