رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللامبالاة بالفشل قد تقودك إلى النجاح


ما إن التقطتُ نسخة الكتاب الوحيدة، الباقية لدى بائع فى حى شعبى، إلا وبادرنى شاب إلى جوارى: «كتاب محمد صلاح»، فابتسمت ودفعت قيمة ما تناولته وذهبت، وعقلى قد بدأ تساؤلاته: ما الذى حدث حول هذا الكتاب الذى ظهر فى يد محمد صلاح، لاعب ليفربول الدولى، وأشهر من أنجبت مصر الآن، والأكثر محبة من الجميع، وعلى الإطلاق، فى صورة، بدا فيها، على مواقع التواصل الاجتماعى، متكئًا على أريكته، وهو يقرؤه؟.. ومنذ متى وشبابنا يهتم بكتاب، أيًا كان نوعه، وقد آمنا بأن القراءة فى مصر صارت من سلوكيات الماضى، إلا من رحم ربى؟.. ولماذا هذا الإقبال العربى، وليس المصرى وحده، على شراء طبعة مُعربة منه، أو البحث عن نسخته الإلكترونية، عبر مواقع الإنترنت؟.
بلغت مرات البحث عنها فى محركات الشبكة العنكبوتية، ما يتجاوز نصف المليون مرة، خلال أيام قليلة، ألقت بالضوء على كتاب كان مما نجهله، حتى كتب مؤلفه، رسالة شكر لمحمد صلاح، على تويتر، قال له فيها: «شكرًا محمد صلاح، استمتع بقراءته».. بل إن دورًا للنشر سعت فى طباعة النسخة العربية من الكتاب، تلبية لطلب بات متزايدًا عليه.. حتى أنا، بحثت عنه، حتى وجدته فى ذلك الحى الشعبى، تلبية لنهم القراءة عندى، وتوقًا لمعرفة كُنه هذا الذى يقرؤه «مو صلاح».
وقبل أن نغوص فى هذا الذى يقرؤه أشهر لاعب عربى لكرة القدم، دعونى أخرج بالأهم من ذلك المضمون.. فما حدث يُبرهن أن القراءة ما زالت فعلًا تنتشر بالعدوى، فما بالنا وحامل فيروس القراءة، رجل مثل صلاح.. يتتبع الناس حركاته وسكناته، ليس فى مجال كرة القدم وحسب، أو بشأن علاقته بناديه الإنجليزى، وأخبار استمراره بين لاعبيه أو الانتقال إلى نادٍ آخر، من تلك التى باتت تخطب وده، وتبدى استعدادها إلى دفع الأموال فى سبيله، حتى صار الأغلى، بين أقرانه، من اللاعبين الدوليين.. وتلك نقطة مهمة، ليتنا نفكر فى استغلالها، والخروج منها بما قد يؤدى إلى عودة شبابنا إلى القراءة، مرة أخرى، بعد هجران قاتل، أدى بنا إلى جيل فارغ من معلومات التاريخ والجغرافيا، يجهل عن بلده وسياساته وعلاقاته، بمقدار ما يجهله من كل الكتب التى صدرت وتصدر، وهو فى غفلة عنها.. فاقتناء محمد صلاح كتابًا، دفع محبيه إلى هذا الزخم من الإقبال عليه، ولا أقول بأن كل من حصل على نسخة منه، قرأها وفهم مرادها، بقدر ما يدلنا على أننا يمكننا الإمساك بأول الخيط.. اقتناء الكتاب، ويبقى سبيلنا فى دفع هذا الشباب إلى قراءته، كإجراء تالٍ.. فهل يمكن الاستعانة بمن يُحبهم الشباب، ويثقون فى أنهم قدوة إيجابية لهم، فى دفعهم إلى الفريضة الغائبة، وهى القراءة؟، شريطة أن يكون ذلك من الذكاء بأن يأتى بشكل غير مُتعمد، لنعيد للكتاب أيام مجده، بعد أن هجره الشباب.. ثم لماذا لا تُقام مسابقات بعد ذلك، فى مضامين ما يقرؤه المشاهير الثقات، تدفع الشباب إلى القراءة الحقيقية، والفوز بجائزتها، حتى ولو كانت لقاءً مع هذا النجم أو ذاك.. وغير ذلك كثير.. المهم أن نفكر فى الأهداف المرجوة، ونسلك سبيل الصالحين فى تحقيقها.
الملاحظة الثانية، كانت تفكيرى فى أسباب ظهور صلاح، عبر صورة على مواقع التواصل الاجتماعى، برفقة هذا الكتاب بالذات «فن اللامبالاة.. لعيش حياة تُخالف المألوف» لمارك مانسون، الذى يحكى عن بطل، يكافح من أجل ما يريده، لا يستسلم أبدًا، ثم يحقق فى النهاية أكثر أحلامه جنونًا، إلا أنه وبعد أن وافته المنية، كتب على قبره «لا تحاول»، وكان من العجيب أن يكتب هكذا على قبره، بعد نجاحه الساحق الذى حققه عقب سنوات من الفشل، إلا أن البطل، هنا، لم يتنازل عن عرش فشله، ورأى نجاحه ليس فوزًا، بل إنه اعتقد أنه شخص فاشل، وهو يتقبل هذه الحقيقة بالرغم من كل شىء، ويشعر بالراحة تجاه نفسه، فهو فى النهاية لم يصبح شهيرًا عن طريق تحوله لشخص أفضل، بل نجح من شدة فشله.. فهل كانت أحداث مونديال روسيا، وما شعر به صلاح، من خيبة أمل خلالها، دافعًا لقراءته هذا الكتاب، الذى ربما تأكد من خلاله، أن الإنسان لا يمكنه أن يصنع النجاح منفردًا، بقدر ما تأتى عظمة النجاح نتيجة لتجارب فاشلة، لم تكسرنا أو تقهرنا، وبقدر الطاقة التى تدفعنا نحو صناعة الأفضل.. وقد سبق المونديال، أزمة صلاح مع اتحاد كرة بلاده، مصر، التى سببتها طائرة المنتخب إلى موسكو.
وربما لم تكن قراءة صلاح للكتاب، من بنات أفكاره، بقدر ما كانت إشارة من أحدهم إليه بقراءته، فربما ساعدت القراءة «مو» على الخروج من إحباطات المونديال، إذا أدرك ما ذهب إليه المؤلف، من أننا لا نكون راضين مهما حققنا، ولكن الغياب الدائم للرضا هو ما جعل جنسنا البشرى يقاوم وينجح فى البقاء، فألمنا ليس عيبًا، بل إنه تطور للجنس البشرى وسمة من سماته الأصيلة، فالألم هو الذى يُعلمنا الأشياء التى يجب أن ننتبه إليها، عندما نكون صغارًا أو طائشين، يساعدنا فى رؤية ما هو الجيد لنا وما هو العكس، يساعدنا فى فهم حدودنا وعدم تجاوزها، وفى النهاية تأتى السعادة من حل المشكلات، ونتخلص من مشكلة بورود مشكلة أخرى جديدة، فأنت لن تشعر بالسعادة دون سبب، بل إن حل المشكلة هو ما يخلق هذه السعادة.. وإذا توقف «مو» أمام ما جاء فى نفس الكتاب، من أنه لا يدرك الخوف من الألم عن العمل الصحيح، كثير من الأشخاص أصبحوا أفضل بتعايشهم مع الألم، ولم يكن الألم سوى تغذية روحية لخروجهم من ذلك الجحر اللعين، لا حل لديهم، هم فى موضع الخسارة، وإما أن يتقدموا مع القليل من الألم، أو يبقوا على ألمهم ذاك، مع مزيد من الشكوى التى لا تنتهى، وكانت نصيحة الكاتب لهم: «أطبق فمك وافعلها».
عبر ما جاء فى كتاب مارك مانسون، «فن اللامبالاة.. لعيش حياة تخالف المألوف»، فإن الموت يُخيفنا، ولذلك فنحن نتجنب التفكير فيه، حتى لو أصاب شخصًا قريبًا لنا، ولكن لولا وجود الموت، لبدا لنا كل شىء معدوم الأهمية، ولصارت القيم والمقاييس، هى والعدم سواء.. كما أن حياتنا ليست محض صدفة، خلقنا الله لغاية ما، غاية لم نعرفها، أو سنعرفها فى منتصف الطريق أو عند نهايته، وربما لا نعرفها أبدًا، إلا أنه، وبكل تأكيد، توجد غاية ما من وجودنا، ولكن بإمكانك أن تُعزز ذلك أكثر، بيدك تستطيع أن تخلق تلك الغاية، فمع موتك ستعتقد أن كل شىء سينتهى، ولكن بإمكانك أن تكتب قصة خلودك، وأن تجعل غيرك يتذكرك، بعمل ما، بتطوير شىء ما يُدخلك الموسوعات العالمية، بفعل إنسانى ما يجعلك فى ذاكرة الكثير من الأشخاص الذين غيرت حياتهم.. وهذا ما يفعله «مو»، حتى من قبل نصيحة مارك مانسون.. أمد الله فى عمر فتى مصر الرائع.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.