رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عثمان جحا: التاريخ يعيد نفسه ولا نتعلم من دروسه (حوار)

عثمان جحا
عثمان جحا

منع مسلسله التاريخي"هارون الرشيد" من العرض في سوريا٬ لأسباب تتعلق بالسياسة٬ كما أغضب المسلسل جانب كبير من متابعيه٬ ممن تقف الصورة الذهنية لديهم عن "هارون الرشيد"٬ علي أنه أمير المؤمنين خليفة المسلمين٬ الورع التقي من يحج عام ويغزو عام٬ للدرجة التي دفعتهم لتكفير صناع المسلسل وأنهم يزدرون أعلام المسلمين.

حول المسلسل والعلاقة بين الدراما والتاريخ٬ وأسباب منع عرضه٬ كان لــ"الدستور" هذا اللقاء مع مؤلف العمل الكاتب السوري" عثمان جحا"، والذي شارك في بدايات عمله٬ بالمعالجة الدرامية لعدد من الأعمال منها مسلسل صدق وعده عام 2009، قلبي معي٬ بقعة ضوء٬ بلا غمد٬ لكن نقطة إنطلاقه الحقيقية كانت عندما قام بكتابة مسلسل باب الحارة في جزئه السادس عام 2014.

ــ ألم تخشي من كسر الصورة المثالية للرشيد "يحج عام ويغزو عام"٬ بخوضك في المسكوت عنه من تاريخه؟

بالطبع، قبل أن أبدأ بالكتابة أخضعت العمل لدراسة تاريخية وبحثية عميقة، وأن العمل قد طرق من قبل وقدمت شخصية الرشيد في أكثر من عمل، ولكن كان ببالي دائما أن أتكلم عن المسكوت عنه تاريخيا، الصراع داخل القصر، وتجاذبات النساء، والعرب والفرس، وولاية العهد..

ـــ وجهت العديد من الإنتقادات للمسلسل٬ من ضمنها وجود أخطاء تاريخية. ما ردك عليها ؟

بالطبع هذا الكلام ليس صحيحا، فإضافة الى ما قمت به من بحث وتحقيق ونبش بالكتب، كان هناك مستشارا تاريخيا وهو أستاذ جامعي مرموق على مستوى الوطن العربي..وقد أجاز النص تاريخيا...فإذا النص على لم يخالف التاريخ..

ــ ما حقيقة أن منع عرض المسلسل في سوريا٬ كان بسبب تقرير الرقابة بأنه يثير الخلافات بين الفرس والعرب ؟

نعم منع العمل من العرض بسوريا، وكان نفيا قاطعا وجازما، وقد جاء بتقرير الرقابة أنه يثير الخلافات، ولكن هذا الكلام ليس صحيحا، ولا يثير أي خلافات، كل ما فعلته بهذا العمل أني قدمت التاريخ بدون تشذيب أو مواربة، وكتبت حقيقة ما كان يجري٬ وعلى ما يبدو أن التاريخ يخيف البعض..

ـــ قيل بأن إيران كانت وراء قرار منع عرض المسلسل في سوريا. ما ردك علي هذه الأقاويل ؟

قد سمعت بهذا الكلام، ولكن لا أظن ذلك، وأظن أن الرقيب الذي منع العمل، اعتقد أن منعه سيوافق السياسة، ولكن هذا عمل شنيع أن يخش من التاريخ، فقط لأن هناك تقاربا مع دولة ما..والمشكلة أننا كعرب، لم نتعلم بعد أن قوتنا في وحدتنا حتى لو كانت مسألة الوحدة قد عفا عليها الزمن. وأن الحضن العربي أدفأ ألف مرة من أي حضن آخر٬ وهذا الكلام موجه لكل العرب٬ فكل منهم ارتكب خطأ بحق أخيه.

ـــ كم أستغرقت كتابة المسلسل ؟ وما أعتمدت عليه من مصادر ؟

استغرق العمل مني بحدود السنة، وكان عملا مضنيا، وخصوصا أني أود أن أٌضم قراءة جديدة عن هارون الرشيد، واعتمدت في ذلك أغلب المصادر والمراجع التي تكلمت عن الرشيد، وأخضعت ذلك للتحليل النفسي وأعتمدت على سيكولوجيا البشر في كتابة المسلسل.

ـــ ألم تخشي من توقيت عرضه خاصة وأن المشاهد قد يعزف عن الأعمال التاريخية٬ في الموسم الرمضاني ؟

أنا أرى العكس، فالمشاهد ما زال يحب الأعمال التاريخية، وعنده شغف بها، ولاسيما إذا توافق مع موضوع تاريخي يسمع عنه كثيرا ويحب أن يراه مجسدا، وفي رمضان فرصة للمشاهد لمتابعة مسلسل تاريخي.

ـــ ما الجوانب التي ركزت عليها دون غيرها في شخصية الرشيد٬ وهل أكتشفت جوانب أخري غير معروفة للعامة وخشيت الخوض فيها ؟

الرشيد بالحقيقة مظلوم تاريخيا، فجل ما عرف عنه، شيئين: إما أنه يحج عاما ويغزو عاما، أو أنه مترف وقصوره تعج بالجواري. ولكن ماذا عنه كإنسان؟، له لواعجه يحب ويكره، يبكي ويضحك، وقد خضت بكل الجوانب المتعلقة بالرشيد تقريبا ولم أجد شيئا كان يجب أن أكتبه ولم أكتبه.

ـــ هل كان عرض المسلسل خارج الماراثون الرمضاني يمثل له فرصة أفضل للمشاهدة ؟

أظن أن العمل حظي بفرصة إنتاج جيدة، وكان من الجيد أن يدخل المنافسة الرمضانية، والحمدلله قد سمعت وقرأت على وسائل الاجتماعي أن العمل متابع.

ـــ لماذا وصلت ردود أفعال المشاهدين للمسلسل٬ عبر اليوتيوب للعنف والغضب تجاه المسلسل٬ وصل بعضها لتكفير صناع العمل ؟

لأننا متعودين على صنمية التاريخ، ولا نرضى أن تنكسر صورة الشخصيات الرمزية بتاريخنا، بل يجب أسطرتها، والبعض لم يرض أن يكون الرشيد إلا شخصا خشبيا. يريدون من الرشيد أن يحج عاما ويغزو عاما كما قرأوا بكتب التاريخ، وعندما وجدوا هارون الرشيد بشرا، ويتصرف كالبشر..تتضايقوا

ـــ من يكتب الآخر الدراما أو التاريخ٬ وما العلاقة بينهما ؟ وهل يمكن لها أن تتشوه ؟

الدراما التاريخية أمر جدا صعب، فكيف ستخلق من التاريخ دراما إن لم تكن موجودة، والعلاقة بين الدراما والتاريخ تقوم على استنباط الحدث بزمنه وسياقه التاريخ، وإذا لم تؤطر الدراما التاريخ في سياقه فقد يشوه التاريخ. وأنا شخصيا قد تعلمت الكثير من الكاتب العظيم "عبد السلام أمين" رحمه الله، حيث عملت على رواية له تدعى أنوار النبوة التي أنتجت نصا أسمه "صدق وعده" وتابعت كل أعماله التاريخية التي مازالت نقطة مضيئة في الدراما العربية.

ـــ هل تدخل مخرج العمل في نصك الدرامي ؟

كان لدى المخرج ملاحظات درامية، تناقشنا بها ثم نفذت ما اتفقنا عليه، ولم يتدخل بالنص بشكل مباشر٬ بل بحدود مساحته كمخرج.

ـــ كيف تم إختيار فريق العمل من الممثلين ؟

كان هذا بالتوافق بين الشركة والمخرج وأنا، وخاصة بالأدوار الرئيسية كالدور الرئيسي٬ الذي ذهب لقصي الخولي.

- هناك من يشكك في واقعة قتل الخيزران لإبنها الهادي موسي٬ أو علي الأقل في طريقة القتل وأنها قد استعانت بجواريها٬ فقعدن عليه حتي أختنق. فهل ذكرك للواقعة كان بدافع درامي أم لإثباتها كواقعة تاريخية؟

كان الهدف الرئيسي من وراء سرد هذه الحادثة، هو تأكيد الصراع على ولاية العهد، وربما أخذت الرواية الأضعف وهو قتله بالسم، لتخديم الهدف الدرامي..

ــ في رسمك لمشهد المبارزة بين ولدي الرشيد الأمين والمأمون٬ هل قصدت منه التأكيد علي أن التاريخ يعيد نفسه ؟ وأننا كشعوب عربية مازالت تكرر أخطائها ولا تتعلم منها ؟ أم ماذا ؟

فكرت بهذا المشهد طويلا قبل كتابته، ولكن كتبته بالنهاية، فالصراع على الحكم ما زال قائما وما زال الكرسي يستحوذ على عقول مريدي السلطة٬ وقد أكدت بهذا المشهد أن التاريخ يعيد نفسه ولا نتعلم من دروس التاريخ.

كيف يمكن للدراما التاريخية أن تعيد رسم تاريخنا٬ خاصة في ظل سيطرة الصورة علي ما عداها من وسائل تلقي ؟

الدراما التاريخ يمكن أن تضيء جوانب معينة من التاريخ ولكنها لا يمكن أن تكتب تاريخا مكتوبا بالأصل، ولكن من الممكن أن نستفيد من الدراما بإسقاطات على الزمن الراهن ونتعلم كيف جرى مسار التاريخ، الدراما بشكل عام تطرح مشكلة ولكنها لا تجد حلا لها٬ وهي ليست قادرة على التغيير.