نجيب محفوظ ومحجوب عبدالدايم «3-3»
اللقاء مع نجيب محفوظ كان فرصة لشاب فى بداية حياته العملية، والشهادة لله أننى خرجت من اللقاء مؤمنًا بأن نجيب محفوظ كان كبيرًا وعظيمًا فعلًا ومتواضعًا لأقصى درجة، وحكيمًا ينتقى الكلمة.. خرجت من اللقاء وأنا مقتنع أنك ستكون كبيرًا كلما احترمت نفسك وقدرت الآخرين.
كان الحوار ممتعًا حتى انفعل الأستاذ نجيب لأول مرة.
سألته عن محجوب عبدالدايم بطل روايته الشهيرة «القاهرة الجديدة» التى قدمت فى السينما تحت اسم «القاهرة ٣٠»، التى قدمها الفنان حمدى أحمد.. وما إن نطقت اسمه حتى انزعج.. نظرت إلىّ زوجته التى كانت بمثابة الترمومتر فى الحوار، فلم أفهم معنى نظرتها، فأكملت السؤال:
يا أستاذ نجيب إنت ظلمت الشخصية وإنت بتكتبها..
رد: أنا؟ بالعكس دى شخصية صعبة.
سألته: إزاى ما ظلمتهاش، حضرتك لم تضع أمامه ربع فرصة يكون فيها مواطنًا صالحًا، هو معدم لا توجد أمامه أى فرص للعمل ولا الأكل والشرب ولا حتى الحياة نفسها.. لم يجد أمامه سوى الزواج من الفتاة التى عبث بها المسئول.. تحركاته فيما بعد كانت امتدادًا لما وقع بالفعل.. الأساس كان أنك لم تضعه فى موقف يختار فيه بين الخير والشر لنحكم عليه.. أنت ظلمت الشخصية.
هنا انفعل الأستاذ وقال ما ظلمتوش ده شخص حقير.. شخص حقير يستحق ما كتب عنه.. ده شخص فاسد ومفسد.
أكلت شيكولاتة وانتقلت لمنطقة أخرى تحدث فيها عن تطور شلة الحرافيش وكيف بدأت وتجمعاتهم وفرح بوت وليالى القاهرة القديمة وشخوص رواياته.
سألته عن فترته فى الرقابة وكيف قبل أن يكون رقيبًا على المبدعين وهو الأديب، وكيف يفرق بين كونه رقيبًا موظفًا مهمته تنفيذ القوانين ومنع ما يخالفها، وبين كونه مبدعًا مهمته كسر كل القيود.
انتهى الحوار الذى لم أكن أتخيل أن يستمر كل هذه المدة ونتحدث فى كل هذه التفاصيل.
فى الطريق هاتفت صديقى العزيز الدكتور نصار عبدالله كنت أشعر بفرحة طبعًا، لكننى سألته عن حالة الغضب التى انتابته من ذكر محجوب عبدالدايم، الطبيعى أن يغضب وأنا أذكره بمن طعنه وحاول قتله.. لكن أن يغضب بشدة وأنا أحدثه عن شخصية كتبها على الورق؟!.
وقتها قال لى إن شخصية محجوب عبدالدايم شخصية حقيقية يعرفها الأستاذ نجيب محفوظ، صحيح أنه أضاف إليها تفاصيل ليبعدها عن الصورة الأولى للبطل الحقيقى، لكن فى الأساس كان صاحبها على استعداد لأن يفعل أى شىء، بما فيها أن يتزوج من فتاة عبث بها صاحب نفوذ واستمر يعبث بها خلال زواجه، وكان يوفق مواعيد دخوله وخروجه من البيت على حسب رغبة المسئول.. كانت شخصية وضيعة جدًا لذلك غضب نجيب محفوظ لمجرد سؤاله أنه ظلم الشخصية على الورق.