رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل استخدام الطائرات بدون طيار فى الساحل الأفريقى أمر قانونى؟


أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فى 22 فبراير الماضى قرارًا بنشر عدد من الطائرات بدون طيار فى القاعدة الجوية الموجودة في نيامى عاصمة النيجر؛ دعمًا للقوات الفرنسية والأفريقية فى مالى عن طريق تنفيذ طلعات استطلاعية فوق شمال مالى لتحديد القواعد الإرهابية وتدميرها.

وأوضح شارل فيليب ديفيد - أستاذ العلوم السياسية- فى مقال نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية اليوم الأربعاء على موقعها الإلكترونى، أن هذا القرار فتح مجددًا باب الجدل حول أهمية استخدام طائرات بدون طيار فى العمليات العسكرية.

وكانت الولايات المتحدة قد أتاحت للسلطات الجزائرية تزويدها بالمعلومات التى ترصدها الطائرات بدون طيار.. ويرى أستاذ العلوم السياسية أن يوم نشر هذا النوع من الطائرات فى الصحراء الجزائرية لاستخدامها فى عمليات "مكافحة الإرهاب" بات قريبًا.

وقال فيليب ديفيد: إن الطائرات بدون طيار أصبحت السلاح المفضل لدى وزارة الدفاع الأمريكية، خصوصًا فى ظل رئاسة باراك أوباما؛ إذ لجأت إلى استخدامها لأكثر من 400 مرة خلال الأربع سنوات الماضية بمعدل "نجاح عالٍ" استنادًا إلى نجاحها فى إصابة الأهداف المحددة أو الأشخاص المراد قتلهم بنسبة تتراوح بين 80 إلى 95%.

وتتميز هذه الطائرات الصغيرة بدون طيار بأن التحكم بها يكون عن بعد عن طريق قواعد بعيدة عن المناطق العسكرية.. كما يمكن لهذا النوع من الطائرات التحليق لساعات طويلة، وتستخدم على نطاق واسع منذ حوالى عقد من الزمن، فضلا عن تزايد إنجازاتها.

لكن إذا كانت هذه الطائرات تحافظ على حياة الطيارين إلا أنها قتلت حوالى 3000 شخص يشتبه فى كونهم إرهابيين مفترضين، بالإضافة إلى سقوط ضحايا من المدنيين خلال العشر سنوات الماضية.

وأكد أستاذ العلوم السياسية أن الولايات المتحدة الأمريكية نفذت 280 ضربة جوية عن طريق طائرات بدون طيار خلال عام 2009 فقط من أصل 335 هجمة شنت على باكستان منذ 2004.

كما اعتمدت واشنطن بشكل متزايد على الطائرات بدون طيار لشن هجمات على تنظيم القاعدة فى اليمن؛ إذ وصلت الضربات الجوية إلى 100 هجمة جوية خلال عامين فقط، بالإضافة إلى 25 ضربة داخل الأراضى الصومالية.

وأشار فيليب ديفيد، إلى أنه إذا كان متوسط الهجوم الجوى عن طريق الطائرات بدون طيار خلال فترة حكم الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش بلغ هجومًا واحدًا كل 40 يومًا فإن هذا النوع من الهجوم وصل إلى هجوم واحد كل أربعة أيام فى ظل إدارة باراك أوباما.

وقال ديفيد: إن القوات الجوية الأمريكية كانت تمتلك حوالى 50 طائرة بدون طيار عام 2001، أما اليوم - أى بعد 10 سنوات فقط- وصل عددهم إلى ثمانية آلاف طائرة، ومن المتوقع أن يصل عددهم خلال العشر سنوات القادمة إلى 20 ألف طائرة تقريبًا.

وأصبح سلاح الجو الأمريكى يستخدم عددًا أكبر من الطائرات بدون طيار بدلاً من تدريب طيارين على استخدام الطائرات المقاتلة؛ نظرًا لأن الطائرات بدون طيار قادرة على التحليق عدد ساعات أكبر مقارنة بالأخرى.

وعلى الرغم من أن اللجوء إلى استخدام الطائرات بدون طيار شكل نقلة حربية نوعية إلا أن استخدامها لا يزال بعيدًا عن التوافق ويثير العديد من التساؤلات.

ويرى أستاذ العلوم السياسية أن جون برينان، المرشح لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سى آي إيه" وأحد المقربين من أوباما، كان هو من يتخذ قرار اللجوء إلى استخدام الطائرات بدون طيار خلال الأربع سنوات الماضية إذ كان يشغل آنذاك منصب مستشار الرئيس المسئول عن مكافحة الإرهاب.

وكان "برينان" يدافع دائمًا عن استخدام هذا النوع من الطائرات وآخرها خلال ظهوره أمام مجلس الشيوخ الأمريكى، إذ قال: إن قرار استخدام هذه الطائرات خلال الهجوم "كان منظمًا ومدروسًا وحكيمًا" واتخذ فى إطار احترام القوانين وبشكل "أخلاقى".

بيد أن كاتب المقال يرى أن كلام "برينان" موضع شك إلى حد كبير ويحتاج إلى مناقشة.

ووفقًا لما يسمى فى الولايات المتحدة بـ "الرأى القانونى" كانت هناك مذكرة صادرة من وزارة العدل الأمريكية - تضم 50 صفحة- تبرر قرار الإدارة الأمريكية بشأن استخدام الطائرات بدون طيار فى تنفيذ الضربات الجوية إلا أنها لم تعرض علنيًا سوى على أعضاء لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكى.

وتمنح هذه المذكرة الحق للرئيس الأمريكى أوباما بأن يأمر باغتيال الآلاف من الأفراد المستهدفين على بعد أميال حتى إن كان مواطنًا أمريكيًا من خلال "قائمة اغتيالات" يوقع عليها الرئيس الأمريكى أسبوعيًا بناء على توصية من برينان.

بيد أن عمليات الاغتيال التي تنفذ من خلال ضربات بطائرات بدون طيار على بعد 30 ألف قدم تختلف عن العمليات العسكرية التقليدية، فيتساءل شارل فيليب ديفيد "أستاذ العلوم السياسية" عما إذا ما وقع خطأ فى تحديد الأهداف وفى إحداث دمار غير مبرر فالمسئولية تقع على عاتق مَن، ومَن سيحاسب عن جرائم الحرب هذه.

وبناء على ذلك يرى فيليب ديفيد، أنه على الصعيد القانونى والأخلاقى فإن متخذ قرار استخدام الطائرات بدون طيار لا يخضع نهائيًا للمحاسبة ولا يلتزم باتفاقيات أخلاقيات الحروب.

ويرجع السبب فى ذلك - بحسب الكاتب- إلى سببين، الأول: لأن نظام التتبع لتحديد الأهداف والتدمير فى الطائرات بدون طيار يشن هجماته بصورة آلية، وثانيًا: لأن القانون الدولى يلتزم الصمت أمام استخدام أمثال هذا النوع من الطائرات نظرًا للوضع المعقد بسبب قدرة هذه الطائرات على تجاوز الحدود بسهولة دون استكشاف ذلك ودون سابق إنذار.

ويطرح فيليب ديفيد، في نهاية المقال، تساؤلات كثيرة تثير جدلا واسعًا دون الإجابة عنها، أولها عن الإجراءات التى اتخذت لإقحام هذه الطائرات فى مسرح العمليات فى مالى، وعن المعايير القانونية التى تسمح للطائرات بدون طيار بشن الهجمات.

وتابع تساؤلاته عن عدد الأشخاص الذين يموتون جراء هذه الهجمات الجوية، وما هى التدابير المتخذة لحماية المدنيين، ومَن تحديدًا الذى ينفذ هذه الهجمات داخل وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سى آى إيه"، وهل يخضع هؤلاء الأشخاص فى كلتا الحالتين للقواعد والمعايير نفسها (لكنه فيما يبدو تكون الإجابة عن هذا السؤال بالنفى).

وتساءل فيليب ديفيد مجددًا، عن السبب في ارتفاع نسبة الاغتيالات فيما انخفضت عمليات اعتقال واحتجاز الإرهابيين، وذلك على العكس من الإستراتيجية المتبعة خلال الإدارة الأمريكية السابقة فى عهد جورج بوش.

وفى ظل استخدام الطائرات بدون طيار فى كل من باكستان وأفغانستان واليمن، أصبحت الإجابة عن كل هذه التساؤلات المطروحة سابقًا والتى لا تزال بلا إجابات، أكثر إلحاحًا حاليًا، خاصة بعد قرار استخدام هذه الطائرات فى العمليات العسكرية القادمة فى مالى.