رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» يخترق مافيا الاتجار في «البطاقات التموينية»

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

«يا سارق قوتى يا ناوى على موتى».. هذه هى عقيدة المصريين الغلابة فى الحياة، والحكومة تعتبر توفير قوت الغلابة على بطاقات التموين، قدر الإمكان، من أهم المهدئات الحقيقية للاستقرار الاقتصادى والأمنى والاجتماعى.

وبما أن الحكومة تعمل على حماية المواطن الغلبان إذن فعليها حمايته من تجار- حرامية- بطاقات التموين، ذلك النوع الجديد من السرقة لعصابات تخصصت فى سرقة المقررات التموينية للمواطنين عبر عمليات تلاعب فى إصدار هذه البطاقات. «الدستور» رصدت هذه الوقائع من خلال شهادات لمواطنين تعرضوا لسرقة بطاقاتهم، وبيع الحصص المقررة بها لآخرين بمقابل مادى، أو صرفها والاستفادة منها على المستوى الشخصى، ويقوم بتلك السرقة بعض بدالى التموين فى مكاتب صرف السلع، مستغلين عمليات تنقية البطاقات للتأكد من وصول الدعم لمستحقيه. الشهادات كشفت لنا أن تجارة بطاقات التموين أصبحت مهنة لبعض معدومى الضمير من بدالى التموين، وحين يلجأ الضحايا إلى وزارة التموين لتقديم شكاوى عن توقف بطاقاتهم، يكتشفون أنها لم تتوقف أصلا، ويتم صرفها شهريًا بأسماء أخرى وبعلم تجار التموين المسئولين عن عمليات الصرف.


عادل عبدالرحمن: المكتب صرف حصتى لآخرين.. والمباحث لم تنصفنى

«دى مافيا كبيرة».. هكذا اتهم الحاج «عادل عبدالحميد» أفرادًا فى مكتب التموين بالتواطؤ مع تاجر صرف الحصص، فالرجل الذى لا يمتلك سوى معاشه فقط، قال إنه وقع هو وغيره ضحية عملية سرقة للبطاقات التموينية، تورط فيها تاجر بمكتب تموين المنيرة الغربية فى منطقة إمبابة بالجيزة. «عبدالرحمن» يمتلك بطاقة ورقية منذ ثورة 25 يناير، استخرجها من مكتب تموين إمبابة، يصرف عليها لأربعة أفراد، بدأت معاناته حين ألغت وزارة التموين البطاقات الورقية واستعاضت عنها بالبطاقة الذكية، وقتها خط الرجل بيده اسم «سمير بسطا» تاجر التموين المقرر أن يصرف له حصصه الشهرية.

ظل عبدالرحمن يصرف بتلك البطاقة الذكية نحو 6 أشهر منذ اعتمادها من الوزارة، وفى إحدى المرات فوجئ بموظف الصرف يخبره بأن بطاقته متوقفة، فأجرى بحثا اجتماعيا لأسرته حتى تعود البطاقة، ومرت شهور دون جديد، حتى اتجه إلى موقع الوزارة، وأدخل رقمه القومى، ليفاجأ بأنه مسجل على بطاقة تموينية أخرى رقم «121004768240»، تم استخراجها بمعرفة البدال «سمير بسطا»، وتصرف منذ الوقت الذى توقفت فيه بطاقته من شخص آخر، واتضح أن التاجر أوقف بطاقته الأصلية، واستخرج أخرى وباعها لآخرين وأن حصته تُصرف شهريًا.

يضيف الرجل: «توجهت لمكتب التموين عشان أفهم إيه الحكاية، لقيت كل الموظفين اللى فى المكتب ضدى، وأنكروا أن فيه أصلًا بطاقة تموينية باسمى، لأن تاجر التموين غير الاسم من عليها كمان، ولما زعقت دخلونى لرئيس المكتب وقولتله إن البطاقة بتاعتى موقوفة وبتتصرف فى الوقت نفسه، قال بعد 48 ساعة هنرجعهالك».

مرت الساعات والأيام ولم تعد بطاقة «عبدالرحمن» إليه برغم وعد رئيس المكتب له، فلم يكن أمامه سوى التوجه إلى نقطة مباحث التموين للإبلاغ عن الواقعة، فلم يحرر له رئيس المباحث محضرًا، ووعده بتسوية الأمور مع التاجر والمكتب، ومرت الأيام دون فائدة.

وعقب رحلة المعاناة تلك، قام «عبدالرحمن» بتغيير محل إقامته من إمبابة إلى مركز البدارى فى أسيوط بالصعيد، واستخرج بطاقة بدل فاقد إلا أنه واجه مشكلة أخرى، وهى أن بطاقته الأصلية لاتزال تصرف فى إمبابة.

خالد.. بطاقته تعمل لمدة عام دون علمه
«البطاقة واقفة يا أستاذ وطالعة قايمة سودا يعنى مش موجودة»، كلمات سمعها المواطن خالد عبدالرحمن، بمنطقة إمبابة، من موظف التموين حينما ذهب إلى مكتب الشرقية بإمبابة رقم 1 بالبطاقة الذكية، لصرف حصته التموينية، فوجئ خالد بأن بطاقته متوقفة منذ أن تحولت من الورقية إلى الكارت الذكى. يقول «عبدالرحمن» إن بطاقته الورقية توقفت منذ إعلان الوزارة العمل بالبطاقات الذكية، وبعد إتمام كل الإجراءات، ذهب لاستلام حصته فقيل له إن البطاقة متوقفة بسبب عمليات تنقية البطاقات، حتى طلب منه موظفو المكتب استخراج بدل فاقد، وبالفعل استخرج الرجل بدل فاقد لبطاقته التموينية. عملية المتاجرة باسم بطاقته التموينية، اكتشفها حينما أراد صرف حصته من بطاقة بدل الفاقد، ليكتشف أن البطاقة الذكية ظهرت فى مارس 2016، وتصرف منذ منتصف 2015 حتى ذلك التاريخ باسم آخرين، وأخبره مكتب شكاوى الوزارة أن المسئولية تقع على بدال التموين، رافضًا ذكر اسمه.

مصطفى.. موظف حكومى ضمن الضحايا
بداية أزمة مصطفى السيد، مواطن من الفيوم، كانت مع تلف بطاقته فى أواخر عام 2015، فعمل حوالة بريدية بمبلغ 20 جنيهًا، لاستخراج بدل تالف لكن بنظام البطاقات الذكية كما قررت وزارة التموين، ومرت أشهر كثيرة ولم تصدر البطاقة. يقول «السيد» إنه ذهب إلى مكتب التموين التابع له، إلا أن المكتب أكد له أن بطاقته تظهر قائمة سوداء، ولم يكن أمامه سوى اللجوء إلى الخط الساخن التابع لوزارة التموين لتقديم شكوى، بسبب عدم صدور بطاقته بدل التالف بعد مرور أشهر عليها، فتلقى صدمة حينما علم أن بطاقته خرجت منذ 7 أشهر، فتساءل أين هى منذ صدورها؟، فأنكر مكتب التموين أن تكون وصلت له، كذلك مباحث التموين ومكتب المديرية. «السيد»، ليس سوى موظف حكومى، يعول أسرة مكونة من 7 أفراد، وليس لديه أى دخل آخر، وكان يعتمد بشكل رئيسى على البطاقة التموينية، واتهم تاجر مكتب تموين قرية اللاهون مركز ومحافظة الفيوم بسرقتها والمتاجرة بها، رافضًا ذكر اسمه حتى لا يتعنت معه بعد ذلك.


حسن.. اكتشف استغلال بطاقته لصالح 55 فردًا
أغرب عملية تلاعب فى البطاقة التموينية، كانت للمواطن «حسن محمد»، الذى قال إن بطاقته التموينية توقفت فى أواخر عام 2016، واستخرج بدل فاقد، إلا أنها ظهرت قائمة سوداء بدون سبب معلوم، سوى أن الوزارة تقوم بعمليات تنقية البطاقات. المفاجأة كانت فى مكتب التموين بمنطقة شرق القاهرة، حين عادت البطاقة للصرف من جديد، فإذا بها تحمل 55 فردًا، بواقع 1154 جنيهًا من الدعم الحكومى، بالرغم من أن البطاقة قبل وقفها كانت تحمل 4 أفراد فقط، وباستعلامه عن السبب فى ذلك لم يجد ردًا من مكتب التموين، سوى أن البطاقة توقفت مرة أخرى دون صرف حصته. يشار إلى أن أقصى عدد أفراد ممكن أن تحملهم أى بطاقة هو 17 فردًا فقط، بواقع 21 جنيهًا لكل منهم.



الأميرية وإمبابة بؤر الجريمة فى غياب حكومى
ويرى العسقلانى أن الرقابة الإدارية سمحت بتلك الأفعال، لأنها لا تقوم بأى جولات تفتيشية على مكاتب التموين، التى أصبحت مصدرًا لأوجاع المواطنين فى كل المحافظات، لافتًا إلى أن جمعيته رصدت شكاوى كثيرة حول تجارة بدالى التموين بالبطاقات، لاسيما فى مناطق الأميرية وإمبابة والجيزة.