"غنا الحزانى".. حكاية أخرى عن سيمفونيات الحزن في الجنوب
غنا الحزانى هو كتاب للشاعر والباحث عادل صابر، جمع فيه 4 آلاف عدودة لنساء الجنوب يقلنها في المأتم بحسب المتوفي إن كان شابا أو شيخا أو رجلا أو فتاة او طفل وخلافه.
وعن هذا الفن يقول عادل صابر:"فن "العِدّيد" أو "العدّودة" من ثمار أشجار الحزن الذي نما وترعرع في قلوبنا بعد أن رويناه بدموعنا على الراحلين من الأهل والخلاّن والأصدقاء.. فن العديد فن شعبي خالد خلود الموت والأحزان، وكلما أوغلت في الجنوب كلما ازدادت “العدّودة" قوةً ورصانة وكلما كثرت طقوس الحزن وطال أمدها.
فن العديد في الجنوب
وعن تكوين العدودة يضيف:"تتكوَّن العدودة الواحدة من بيتين من الشعر أو أربعة أغصان، كل غصنين منهما بحرفي روي متشابهين، حيث تبدأ النائحة بالغصن الأول وتكاد تصل إلى منتصفه حتى تكمل النساء وراءها باقي الأغصان بمصاحبتها، وتختلط الأصوات المبحوحة الحزينة معًا لتصنع سيمفونية من أروع سيمفونيات الحزن الخالدة.
ويواصل: "ينقسم فن العديد إلى أغراض متنوعة تقال وفقًا لطبيعة الراحلين من حيث السن والجنس والقيمة الاجتماعية ونوع المِيتة التى لقيها الراحل؛ فمنه ما يقال عن الشباب وكبير السن والرجل والمرأة واليتيم والغريب والغريق والقتيل وقليل الخِلفة وأحوال القبر والغاسل والفَحّار وأغراض متعددة لا يسعها المجال.
4 آلاف عدودة
ويكمل: "كتابي غنا الحزانى جمعت فيه أربعة آلاف عدودة من محافظات وأقاليم الصعيد ومنهم ألف عدودة من أمي وحدها، ويمكنني أن أزعم بكل شجاعة إنني لم أغادر عدودة واحدة لم أجمعها فى كتابي ولم أترك شيئًا لمن يأتي بعدي من جامعي العدودة.
وعن كيف يؤدى هذا الفن يقول:"يعتبر فن " العديد " هو الفقرة الترفيهية فى المأتم، فهو لايقال فى بداية سماع خبر الوفاة، بل فى البداية يبدأن النساء بالندب على خدودهن، وحل الشعور، وشق الثياب، بطريقة هستيرية ولا وقت للعديد هنا، ثم بعد مرور وقت من خبر الوفاة يبدأ العديد، حيث تجلس النساء فى حلقة أو دائرة بثيابهن السوداء فيصرن كقطع من الليل الأسود البهيم فى حلقة، تتوسطهن امرأة عجوز وتبدأ في قول الغصن الأول أو الشطرة الأولى من العدودة ثم يلحقنها الأخريات فى الشطرة الثانية، بنغم حزين جدًا وصوت مبحوح مجرور له ذيل وكأنهم يعزفون سيمفونية الحزن الخالدة، وفى هذا الوقت تسيل دموعهن ودموع الرجال الذين يكونوا على مقربة منهن، وتتخلل العدودة والأخرى صرخات مدوية من الأخريات اللائي يكملن المشهد الحزين، فكلما اشتدت مفردات العدودة كلما ارتفع صراخ النسوة: "بوووووووووو عليك ياخوى أو ياختى !! " بينما الرجال يذرفون الدموع على الجانب الأخر فى أنين ونهنهات مكتوبة تخرج من الصدر..
ومن داخل الكتاب نقرأ عدد من العدودات
من أمثلة العديد عن المريض:-
والله الوجيعة حنضلة مرة
وتخبِّل الشملول مع الحرة
والله الوجيعة حنضلة فى منديل
من داقها حِرِم عليه الليل
***
زرنا المشايخ والقِباب البيض
مالقيت لكم يا موجعين طبيب
زرنا المشايخ والقِباب سوا
مالقيت لكم يا موجوعين دوا
***
وعن القبر يقول:
راحوا يقولوا غيرتنا يارديم
كنا على الدنيا شباب عايقين
راحوا يقولوا غيرتنا ياتراب
كنا الدنيا شباب عيّاق
***
حصْو الجبل ياختي وجع راسي
كان خاطري في نومة على فراشي
حصْو الجبل ياختي وجع ضهري
كان خاطري في نومة على فرشى
***
ويقول عن اليتم..
والله اليتيم شال التراب كلّه
مين قال يابايا غاير منه
والله اليتيم شال التراب كلّيه
من قال يابايا غاير منيه
***
بكى اليتيم واتلطع فى الحيط
قال بختكم يابواتكم فى البيت
بكى اليتيم واتلطع برة
قال بختكم يابواتكم جوه
***
ويقول عن رحيل الأب..
طالع مغرِّب ياغفير هاته
احلف عليه عاوده لعويلاته
طالع مغرِّب ياغفير ردُّه
جدع صغيّر رجّعه لوِلْدُه
***
طالع مغرِّب ياغفير هاته
شاله الحرير ع المغسلة فاته
طالع مغرِّب ياغفير هاتيه
احلف عليه وعاوده لدراريه
***
ويقول عن رحيل الأم..
وانا داخلة والباب خَد راسى
فين الحبيبة اللى تقول طاطى
وانا داخلة والباب خَد وشِّى
فين الحبيبة اللى تقول خشِّى
***
ياما قعدنا على حصير اخضر
نتحدّتوا لما النجوم تظهر
ياما قعدنا على حصير وقياس
نتحدتوا لما تنام الناس
***
عن الشابة الراحلة ويقول
والله الفساقى ماتعرف الصورة
ولا تعرف القُصّة على القورة
والله الفساقى ما تعرف الواجب
ولا تعرف القُصّة على الحاجب
***
بين القبور لابير ولا ميضة
ولا ساقية تسبَّح البيضا
بين القبور لا بير ولا جنينة
ولا ساقية تسبَّح الزينة
***
ويقول عن الطفل الراحل
***
دبدب رجالاته على العتبة
يابيت ابوى ماعدت اجيك أبَدة
دبدب رجالاته على الحاصل
يابيت ابوى ماعدت اجيك واصل
***
عن قليل الخليفة ويقول
لاروح الجوامع واسألك يا خطيب
أنهى بنات تقعد بلا اخ شقيق؟!
لاروح الجوامع واسأل الخُطَبا
أنهى بنات تقعد بلا شُقَقَا؟!
***
عن الغريب الراحل:-
دا قبر مين اللى البقر داسه
قبر الغريب اللى فاتوه ناسه
دا قبر مين اللى البقر دكُّه
قبر الغريب اللى فاتوه اهله
***
بكى الغريب وقال ياقلبى
علّوا المخدة وابعتوا لأهلى
حكريلهم قارب يكون نحاس
يجيب الغرابا من بلاد الناس