رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأديب الجزائرى الفائز بجائزة جونكور للرواية متهم بالتطبيع

 كمال داود
كمال داود

أحدث فوز الكاتب الروائى الجزائرى المقيم فى فرنسا، كمال داود، بجائزة «جونكور»، أمس الأول، عن روايته «الحوريات»، جدلًا كبيرًا فى الساحة الثقافية، ليس فقط الساحة الجزائرية، بل امتد إلى المثقفين العرب، وذلك بسبب دعمه الكيان الصهيونى. 

وتعد جائزة «جونكور» من أبرز الجوائز الأدبية الفرانكفونية، والرواية الفائزة صادرة عن دار «جاليمار»، باللغة الفرنسية، وترصد ما مرت به الجزائر من حرب أهلية خلال عقدين من الزمن، تحديدًا تسعينيات القرن الماضي، أو ما اصطلح على تسميتها بـ«العشرية السوداء». 

وتباينت الآراء فى الجزائر حول فوز «داود»، فهناك من احتفى به ككاتب جزائرى، وهناك من هاجمه وحط من شأن روايته، وفسر حصوله على الجائزة بتصريحات قالها خلال حوار صحفى، دعم فيها إسرائيل. وعن الرواية، قال الناقد أنطون جوكى، فى دراسة له، إنها عبارة عن مونولوج صادم وطويل يضعه المؤلف على لسان شابة جزائرية تتوجّه فيه إلى جنين أنثى فى بطنها؛ بغية سرد قصّتها لها وتبرير قرارها بوضع حد لنموه داخل أحشائها.

 اسم هذه الشابة «فجر»، ولا مصادفة فى اختيار الكاتب هذا الاسم لها، كونها تحمله «مثل لافتة منيرة فى أكثر الليالى حلكة»، فقبل أن تبلغ سن السادسة، نجت من الذبح خلال تلك المجزرة الرهيبة التى وقعت فى شمال غرب الجزائر، فى ٣١ ديسمبر ١٩٩٩، وراح ضحيتها ١٠٠١ شخص؛ إذ جرى قطع رقبتها من الوريد إلى الوريد، ومع ذلك، أفلتت من الموت، بخلاف جميع أفراد عائلتها. ولذلك، لدى بطلة الرواية تاريخ ميلاد آخر، هو الأول من يناير ٢٠٠٠، الذى نجت فيه، لأن لا أحد يخرج سالمًا من تجربة بهذه الفظاعة. وبعد دقائق من إعلان فوز كمال داود، الذى يوصف بـ«الكاتب الفرانكفونى»، نشر الكاتب الفلسطينى الأردنى، فخرى صالح، تدوينة عبر حسابه الشخصى بموقع «فيسبوك» يتهم فيه «داود» بدعم إسرائيل: «على هذه الخلفية يمكننا تفسير فوز الكاتب الجزائرى كمال داود بجائزة جونكور الفرنسية. هذا ما كتبه بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ فى مجلة (لوبوان) فى مقالة بعنوان (رسالة لإسرائيلى مجهول): لقد استغرق الأمر منى وقتًا طويلًا حتى أتمكن من مقابلة شعبكم ومحاولة فهم تاريخكم. وأعتقد، وربما أخطئ، أنّنا لا نفهم فى بلادنا غضبك من العيش بعد قرون من محاولات الإبادة. ولا نفهم شيئًا من معاناتك القديمة أو الثقل المروع للأرض التى جرت استعادتها أخيرًا. ولا نفهم أنّك فى حربك تريد الدفاع عن نفسك ضد الموت المطلق، واختفاء أحبائك نهائيًا، سواء كانوا أحياء أو أمواتًا». واعتبر «صالح» أن مقالة كمال داود تمثل «تبريرًا للإبادة الجماعية للفلسطينيين على أيدى ضحايا الغرب»، وتساءل: «هل ثمة عمى أيديولوجى وأخلاقى أكثر من هذا؟ فلتهنأ بالجائزة، لكن كثيرين سيرون فيها مكافأة على موقف انتهازى وكراهية للذات». وحول ما أشيع بشأن منع تداول رواية «الحوريات» فى الجزائر، كشف المترجم والناقد الجزائرى بوداود عمير، فى تصريح خاص، لـ«الدستور»، عن أن قرار منع الرواية ليس قرارًا رسميًا، ولكن هناك منعًا ما.

 وأوضح «عمير»: «دار النشر الجزائرية (برزخ) التى عادة تطبع أعمال كمال داود، امتنعت عن طبع ونشر الرواية، كما أن دار النشر الفرنسية جاليمار التى أصدرت الرواية، لن تتواجد فى معرض الكتاب الدولى، الأسبوع المقبل». من جهته، وحول تقديم الصحافة الفرنسية كمال داود كفرنسى من أصل جزائرى، قال الكاتب الجزائرى أحمد طيباوى، لـ«الدستور»: «هناك من هو أقدر منى على الخوض فى الموضوع.. أنا صراحة غير مهتم، فاز أو لم يفز». وعن حقيقة منع الرواية، أكد: «لا أظن، عادة النظام عندنا أذكى من ذلك». وفى عام ٢٠١٤، حل الفائز بجائزة «جونكور»، كمال داود، ضيفًا ببرنامج «لم ننم بعد»، الذى تبثه القناة الفرنسية الثانية، وخلال اللقاء قال فى رده على سؤال الهوية العربية: «أنا لم أشعر بنفسى يومًا عربيًا.. أنا جزائرى ولست عربيًا»، معتبرًا أن العروبة تعنى الاحتلال والسيطرة، وعلاقة العرب بربهم هى من جعلتهم متخلفين. وعقب بث اللقاء، أصدر عبدالفتاح زيراوى حمداش، مسئول تنظيم جبهة الصحوة السلفية بالجزائر، فتوى بتكفير كمال داود، والمطالبة بإعدامه علنًا.

وفى حوار منشور له بجريدة «لوموند» الفرنسية فى العام ٢٠١٨، ترجمه مدنى قصرى، قال كمال داود، بصفته كاتبًا ذا ثقافة إسلامية، مجيبًا عن سؤال: «ما رؤيتك للكتاب المقدَّس للإسلام، القرآن الكريم؟»، قال: «أرفض أن يكون الكتاب محتكرًا من قبل رجال الدين والخطباء والحركات السياسية؛ أنا أرفض ألا يكون الكتابُ المقدّس كتابًا للإنسان، إذا كان القرآن الكريم قد منحه الله للإنسان، فإنّه يجب أن يكون فى مستوى مهام الإنسان وسعيه، وقدرته على فكّ شفرات هذا الكتاب وتفسيره، وهذا ليس هو حالنا اليوم، وهو يعنى أنّ هذا الكتاب المقدس ليس ملتصقًا بقلقنا، لكن بيقيننا المسبق؛ فهو لا يقترب منا من خلال شكوكنا، لكن عن طريق الحقائق المطلقة والثابتة المفروضة علينا».