بردية تورين.. أقدم توثيق لعلم الخرائط الجيولوجية
تكشف الحضارة المصرية، كل يوم عن جديد، عن جانب من جوانب خبيئتها التي لا تنضب، ومن هذه الجوانب في الحضارة المصرية القديمة، ما كشف عنه الباحث دكتور عاطف معتمد، أستاذ الجغرافيا الطبيعية بكلية الآداب، في جامعة القاهرة.
بردية تورين.. حكاية أقدم توثيق لعلم الخرائط الجيولوجية
فعبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كشف “معتمد”، عن حكاية “بردية تورين”، والتي تعد أقدم توثيق لعلم الخرائط الجيولوجية.
وتبدأ حكاية بردية “تورين” ــ بحسب معتمد ــ "في عهد محمد علي كان لدينا قنصل فرنسي يسمى بيرناردينو دروڤتي، وهو من كبار لصوص الآثار في التاريخ، يشتري لفائف البردي وقطع الآثار من الفلاحين البؤساء الذين لم تكن السلطة تعطيهم حقوقهم الاقتصادية والإنسانية، في تراث طويل من عصور المماليك السابق على محمد علي.
واشترى دروڤتي بضع لفائف بردي من فلاح فقير في البر الغربي للأقصر، بمبلغ تافه زهيد، ثم باع هذه اللفائف لملك إيطالي يحكم مملكة بيمونتي وسردينيا في مطلع القرن التاسع عشر.
الملك الإيطالي أخذ هذا البردي الغريب الغامض وأسس به مع مجموعة أخرى من الآثار المصرية ما سيصبح أهم متحف للآثار في العالم ويسمى للمفارقة "المتحف المصري Museo Egizio "، ومقره في عاصمة المملكة الإيطالية آنذاك "تورينو".
الحضارة المصرية أول من وثق للخرائط الجيولوجية
ويضيف “معتمد”: هذا العام 2024 يمر قرنان من الزمن على شراء الملك الإيطالي لبرديات الأقصر التي تحول اسمها إلى بردية تورين.
ثلاث قطع متفرقات من هذه البردي عرضت لما سيعرف بأقدم خريطة في العالم ويعود عمرها لأكثر من 3000 سنة مضت.
على مدار 200 سنة منذ وصول قطع البردي إلى تورينو وإلى تاريخ كتابة هذه السطور تعاقب على دراسة قطع البردي عشرات العلماء في العالم.
من بين أكثر من 100 عالم تناوبوا على البردية لدينا خمسة أسماء كبار يعود لهم الفضل في فك رموز البردية وتقديمها إلى المجتمع العلمي، يظهر كل واحد منهم كل خمسين سنة ليكشف فصلا جديدا من ترجمة وتفسير البردية.
كان هؤلاء العلماء يعكفون على البردية في تورينو ثم يأتون بعدها إلى مصر وإلى صحراء مصر الشرقية لمضاهاة ومقارنة ما هو مسجل في البردية مع ما هو موجود في أرض الواقع ولا سيما في طريق "قفط – القصير" الرابط بين النيل غربا والبحر الأحمر شرقا.
وأضاف: وجد العلماء في هذه البردية ما يعتبر أقدم توثيق لعلم الخرائط الجيولوجية والطبوغرافية، وهو ما لم تتوصل إليه الجغرافيا الأوروبية إلا بعد 2700 سنة من تاريخ رسم هذه الخريطة.
وأصبحت هذه الخريطة مصدرا للمعرفة للباحثين في اليابان وروسيا وأوروبا الغربية بل ودول العالم الجديد في الأمريكيتين.
وأكد أنه لا تزال أرض مصر تضم آلاف الفرص التي لم تكشف بعض لصناعة علماء وطنيين عارفين ببلادهم، عسى أن يحدث ذلك في المستقبل، لفك احتكار العلم الاستعماري، ولن يحدث ذلك بنوايا طيبة للباحثين ومشاعرهم العاطفية تجاه وطنهم، بل بمشروع علمي لمؤسسات الدولة يقوم عليه علماء بحق وحقيق وليس طالبي الشهرة أو المنظرة أو السبوبة.