بدعم مصرى.. "لجنة الإسناد المجتمعى" تجهض مخططات تصفية القضية الفلسطينية (خاص)
أكد خبراء وسياسيون فلسطينيون أهمية الاجتماعات التي تستضيفها القاهرة بين حركتي فتح وحماس، حول مستقبل قطاع غزة، والتي تضمنت مناقشة مقترح "لجنة الإسناد المجتمعي"، وذلك لإدارة غزة بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وانطلقت في مصر، أمس، اجتماعات حركتي فتح وحماس بالقاهرة، بشأن قطاع غزة، من خلال لجنة الإسناد المجتمعي، ومناقشة سبل وقف العدوان الإسرائيلي ومستقبل القطاع بعد انتهاء الحرب.
أيمن الرقب: لجنة الإسناد المجتمعي ستدير غزة تدريجيًا
قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس عضو حركة فتح، إن منتصف الشهر الماضي شهد عقد اجتماع بين وفدي حركتي فتح وحماس، تناول سبل الخروج من الأزمة الراهنة والسير نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية، وخلال هذا اللقاء طالبت حركة حماس بمخرجات قمة بكين، التي دعت إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، وإقامة إطار مؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية يتولى إدارة الشئون السياسية.
وأوضح "الرقب"، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن حركة فتح اقترحت من جانبها إنشاء هيئة إدارية لإدارة قطاع غزة تحت مظلة السلطة الفلسطينية، إلا أن حركة حماس أصرت على أن تكون هذه الهيئة مرتبطة بحكومة تكنوقراطية يتم تشكيلها حديثًا، لذا للأسف، لم تُسفر هذه الجولة من المفاوضات عن نتائج ملموسة، حيث غادرت الوفود إلى القاهرة للتشاور، على أن تُعقد جلسة أخرى لجميع الفصائل بعد أسبوعين.
وتابع "وفقًا لمصادرنا، تم تقديم اقتراح لتشكيل لجنة مساندة مجتمعية تتولى إدارة معبر رفح، مع خطط للتوسع تدريجيًا في قطاع غزة، بحيث ترتبط بالكامل بالحكومة الفلسطينية، ومن المتوقع أن يصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا رئاسيًا يخص هذه اللجنة، جلسات المفاوضات ما زالت جارية، وقد عُقدت جلسة أخرى اليوم لمناقشة هذا الأمر".
وقال "الرقب" إن حركة فتح تشدد على ضرورة عدم مشاركة حركة حماس في المشهد السياسي، بينما حماس توافق ضمنيًا على هذا المطلب، لكنها تطالب بالمشاركة في اختيار أسماء أعضاء اللجنة، مع التركيز على أسماء التكنوقراط، وبالإضافة إلى ذلك، تطالب حركة حماس بتشكيل إطار قيادة لمنظمة التحرير الفلسطينية، يتولى مسئولية المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث تتولى المنظمة بموجب الترتيبات الفلسطينية إدارة هذه المفاوضات، على الرغم من أن العمليات تتم حاليًا عبر وسطاء، مثل القاهرة وقطر، دون اتصال مباشر مع الاحتلال.
وأكد السياسي الفلسطيني أنه إذا تم الاتفاق على تشكيل هذا الإطار، فقد نشهد في المستقبل تشكيل لجنة تضم ممثلين عن جميع الفصائل، كما حدث في عام 2014، لتدير المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار "الرقب" إلى أن اللجنة ستتولى إدارة معبر رفح وتنظيم المساعدات الإنسانية للمناطق الفلسطينية المتضررة بشكل كبير، وهذه اللجنة ستبدأ عملها بعد انتهاء العمليات العسكرية، وستركز على إعادة إعمار قطاع غزة واستعادة الحياة الطبيعية فيه، ومن المهم الإشارة إلى أن هذه المناقشات لا تشمل الانتخابات أو الإشراف عليها، بل تركز بشكل أساسي على إعادة إعمار غزة وتحسين الأوضاع فيه.
وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أن هذه اللجنة ليست مجرد مجموعة صغيرة من الأشخاص، بل تتطلب قوة فعلية لدعم عملها على الأرض، خاصة مع تزايد حالات الفلتان الأمني، ووجود بعض اللصوص الذين يستولون على المساعدات الإنسانية الداخلة إلى القطاع؛ لذا، فإن وجود قوة شرطية أو أمنية مرافقة للجنة يعد أمرًا ضروريًا.
وأشار "الرقب" إلى أن هذا الأمر تتم مناقشته بجدية، ويتعلق بالخيارات المتاحة: هل يتم الاعتماد على الشرطة الفلسطينية السابقة التي مُنعت من العمل، أم يتم تدريب عناصر جديدة في دول عربية من فلسطين والضفة الغربية؟ وكل هذه الخيارات قيد النقاش. وأوضح أن العملية ستبدأ من معبر رفح، مع تنظيم الأمور للوصول إلى السيطرة التدريجية على المدن الفلسطينية.
وأوضح "الرقب" أن هناك جلسة موسعة ستعقد لجميع الفصائل بعد صدور مرسوم من الرئيس محمود عباس بشأن تشكيل اللجنة، مما يمثل خطوة مهمة في هذا الاتجاه.
وأشار "الرقب" إلى أنه حتى الآن، لا توجد أي تطمينات بشأن قبول الاحتلال الإسرائيلي لهذا الاقتراح، مما يجعل القاهرة تسعى جاهدة لكسر الصمت وإيجاد بدائل قبل القمة العربية المقبلة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، وأكد أن إنجاز هذا الأمر يعتبر مهمًا للغاية، حتى لو تولى دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية مجددًا، بحيث يكون لدى الفلسطينيين ملف جاهز للمفاوضات.
وتطرق "الرقب" إلى تجربة سابقة في عام 2016 عندما كانت هناك اجتماعات تهدف إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، معربًا عن أمله في ألا تضيع هذه الفرصة مرة أخرى، داعيًا إلى ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني بشكل فعّال.
وفيما يتعلق بالحلول المحتملة، اعتبر "الرقب" أن البديل الجوهري للخروج من الأزمة الحالية هو العودة إلى اتفاق مارس 2005، الذي تم التوصل إليه في القاهرة، والذي ينص على تشكيل إطار مؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية يشمل جميع الفصائل، بما فيها حماس والجهاد الإسلامي، هذا الإطار ينبغي أن يتولى وضع رؤية استراتيجية شاملة لجميع القضايا، بدءًا من مستقبل السلطة الفلسطينية، وسبل مواجهة الاحتلال، وصولًا إلى إدارة ملف المفاوضات وتحديد البرنامج السياسي الكامل لمنظمة التحرير.
وأكد أن تحقيق ذلك يتطلب قرارات جريئة من الرئيس محمود عباس، الذي يجب أن يعلن عن تشكيل هذا الإطار، مستندًا إلى ما تم الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة عام 2011 وأيضًا في اتفاق بكين عام 2024.
أحمد رفيق عوض: محادثات فتح وحماس ضرورة ملحة
فيما قال المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أحمد رفيق عوض، إن المحادثات الجارية بين حركتي حماس وفتح في القاهرة تمثل خطوة مهمة وضرورية للطرفين، تهدف إلى تجنب الإلغاء والشطب من الساحة السياسية وتمثيل الشعب الفلسطيني في الحاضر والمستقبل.
وشدد عوض، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، على أن هذه المباحثات تحمل أهمية بالغة للخروج من عنق الزجاجة، في ظل الضغوط السياسية والأمنية والعسكرية التي يعاني منها كل من غزة والضفة الغربية.
وأشار السياسي الفلسطيني إلى أن هذه الضغوط تشمل أيضًا التحديات الدبلوماسية من الأصدقاء والحلفاء، مما يجعل هذه المحادثات ضرورة ملحة، مؤكدًا أن التغلب على الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على قطاع غزة ومستقبل الفلسطينيين يتطلب تحقيق توافق شامل.
وأوضح "عوض" أن اللجنة التي قد تُشكل يمكن أن تقود وتمثل غزة، شريطة أن يتوافر أولًا اتفاق وطني بين الفصائل، بالإضافة إلى الدعم العربي والمجتمع الدولي، فضلًا عن موافقة إسرائيلية ووقف إطلاق نار، معتبرًا أن هذه الشروط أساسية لتمكين اللجنة من العمل بفاعلية في القطاع، كما حذر من أنه في حال عدم توافر هذه الظروف، فلن تتمكن اللجنة من تحقيق أي تقدم.
وفيما يتعلق بمهام اللجنة، أوضح "عوض" أن هذه المهام لا تقتصر على الجوانب الإدارية فقط، بل تشمل أيضًا الأبعاد التمثيلية، حيث ستعمل اللجنة تحت توقيع الرئيس محمود عباس، مما يضفي عليها صبغة سياسية. وبيّن أن من مسئولياتها أيضًا إعادة إعمار غزة، إدارة شئون السكان، توفير الأمن والأمان، واستقبال المساعدات.
وأشار إلى أن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذه اللجنة، خاصة في ظل الظروف الحالية التي تعيشها غزة، حيث يعاني السكان من دمار شامل، مؤكدا أن هذه اللجنة يجب أن تبذل جهودًا حثيثة لترميم حياة الفلسطينيين في القطاع وتحسين أوضاعهم.
وأوضح المحلل السياسي الفلسطيني أن التساؤل الجوهري يتعلق بموقف الاحتلال الإسرائيلي من تشكيل اللجنة المقترحة، مشيرًا إلى أن إسرائيل، في وضعها الحالي، من غير المرجح أن تقبل بوقف إطلاق النار، وهذا يعد أحد التحديات الرئيسية، ولعمل اللجنة بكفاءة، يتعين على إسرائيل الاعتراف بوجود فلسطيني ممثل من قبل السلطة الوطنية، وهو أمر لن يتحقق إلا تحت ضغط عربي وأمريكي ودولي.
وأشار عوض إلى أنه في غياب هذا الضغط، ستكون اللجنة عديمة الجدوى، حيث يمكن لإسرائيل أن تعمل على عرقلتها ومنعها من أداء مهامها.
وتابع أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي، سواء بشكل كامل أو جزئي، سيكون له تأثير كبير على فاعلية اللجنة. ومن هنا، فإنه من الضروري الحصول على موافقة إسرائيلية لتشكيل هذه اللجنة، معربًا عن اعتقاده أن الدور المصري كوسيط بين الفصائل الفلسطينية يمكن أن يكون مفيدًا، ولكن ذلك يجب أن يتم بالتنسيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبشأن الأسماء المقترحة لتشكيل اللجنة، أكد الدكتور "عوض" أنها مسألة بالغة الأهمية، حيث يتعين مراعاة توازن المصالح بين جميع الأطراف، فمن الضروري أن تشمل اللجنة ممثلين عن السلطة الفلسطينية وحركة حماس، بالإضافة إلى فصائل أخرى من الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات.
وأوضح السياسي الفلسطيني أن التركيبة التمثيلية للجنة يجب أن تعكس التنوع الوطني والاجتماعي، بما في ذلك التمثيل النسائي والجغرافي، حتى يشعر الجميع بأنهم جزء من هذا الجهد.
وشدد "عوض" على أن وجود "بنك أسماء" واسع ومتنوع هو أمر ضروري، لضمان مشاركة جميع الأطراف وعدم استبعاد أي جهة. لذا، فإن عملية اختيار الأسماء تمثل نقطة محورية في تعزيز التوافق الوطني والمجتمعي.
عبد المهدي مطاوع: مقترح تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي طرحته مصر
من جهته، قال المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور عبد المهدي مطاوع، إن مقترح تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي قد نشأ في الأصل كفكرة من جانب مصر، تهدف إلى إحباط المخططات الإسرائيلية التي يقودها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأشار مطاوع في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن نتنياهو يسعى، في مرحلة ما بعد الحرب، إلى عدم السماح لأي جهة فلسطينية، سواء كانت حماس أو السلطة الوطنية، بالتحكم في إدارة غزة. بل يفضل نتنياهو أن يدير غزة من خلال إنشاء هيئة مدنية تفتقر إلى أي مرجعية سياسية، مما يفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها ويدفع بغزة خارج معادلة التمثيل الفلسطيني، وهذا ما يهدف إليه نتنياهو لتفادي وجود أي أفق لدولة فلسطينية في المستقبل.
وأكد مطاوع أن الإدارة المستقبلية لغزة، إذا تمت من خلال هذه اللجنة، ستكون مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، مما يسهم في توحيد الإدارة بين غزة والضفة الغربية، مشددا على أهمية وجود شخصيات مستقلة ضمن هذه اللجنة، كي لا تكون هناك ذرائع لإسرائيل في تقديم اتهامات ضد وجود حماس أو أي شخصية قد تكون محل تساؤل على المستوى الدولي.
وعن مسألة إعادة الإعمار في غزة، أشار مطاوع إلى أنه يتطلب توافر عدة شروط، من أبرزها وجود سلطة وطنية موحدة بين غزة والضفة، تضمن الإشراف على عملية الإعمار وتمثيل الفلسطينيين بشكل مقبول دوليًا. ولفت إلى أن هذه الشروط ليست متاحة في حماس أو في أي من الفصائل المرتبطة بإيران.
واعتبر المحلل السياسي الفلسطيني أن إسرائيل تستغل الوضع الراهن لتأسيس كيان فلسطيني مستقل بعيد عن الضفة الغربية، لأن توحيد الحكومة الإدارية بين غزة والضفة من شأنه إحباط الخطط التي عمل عليها نتنياهو على مدى سبعة عشر عامًا، والتي تهدف إلى تمويل الانقسام وتعزيزه، مؤكدًا أن هذا الوضع ساهم في تهرب الاحتلال من أي استحقاقات سياسية تتعلق بدولة فلسطين، مما يعكس التحديات الكبيرة التي تواجه الفلسطينيين في سبيل تحقيق وحدتهم الوطنية.
وأكد عبد المهدي مطاوع أن المهام الأساسية الموكلة للجنة الإسناد المجتمعي في قطاع غزة تتمثل في السيطرة على دخول المساعدات وإعادة تنظيمها، فضلًا عن استعادة الأمن المجتمعي، مشيرًا إلى أهمية توحيد عمليات الإغاثة بدلًا من أن تتم بشكل فردي من خلال مؤسسات متعددة، مما يؤدي إلى هدر الموارد المالية في مجالات ليست ضمن الأولويات.
واعتبر مطاوع أن هذه العملية ستساهم في ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني وتوفير استعداد ملائم لمواجهة التحديات في اليوم التالي للحرب، من أجل بناء موقف فلسطيني موحد.
وأضاف أن من الضروري عدم المبالغة في حجم هذه اللجنة، مشيرًا إلى أنها لن تستطيع تحقيق أي إنجازات بدون دعم السلطة الفلسطينية، التي تمتلك الجهاز الإداري القادر على تقديم الخدمات، بما في ذلك دفع الرواتب للعاملين في غزة على المستويين المدني والأمني. واعتبر أن هذا الجهاز الإداري يمكنه الاندماج مباشرة في العمل عند الحاجة.
وأكد مطاوع أن اللجنة تمثل الشكل السياسي الذي قد يكون أقل إشكالية بالنسبة لنتنياهو واليمين الإسرائيلي، الذي يعارض أي تمثيل فلسطيني. ولفت إلى أن الحل الفلسطيني يجب أن يكون بعيدًا عن أي حلول بديلة، سواء كانت مقترحات إماراتية أو غيرها، مشددًا على أن أي مساعٍ للتسوية يجب أن تُحترم وتُقبل من قبل الفلسطينيين كجزء من مسار تحقيق الحقوق الفلسطينية.