رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسرائيل تدخل على خط الصراع فى أرض الصومال


تجذب أرض الصومال انتباه العديد من الدول بسبب موقعها الجيوسياسى.. بعد أن كانت مستعمرة بريطانية سابقة، تحدها إثيوبيا وجيبوتى والصومال، كمنطقة تتمتع بالحكم الذاتى فى الصومال، قبل أن تُعلن انفصالها عن الصومال بعد عام 1991.. تتمتع بموقع مهيمن على خليج عدن، وهى قريبة من مدخل مضيق باب المندب، الذى يمر عبره ما يقرب من ثلث الشحنات البحرية فى العالم.. وقد جعل خطها الساحلى، أرض الصومال وجارتيها إريتريا وجيبوتى، شركاء جاذبين لمختلف الدول التى تسعى إلى الوصول البحرى والتواجد فى المنطقة، إذ تمتلك أرض الصومال ساحلًا يبلغ طوله أربعمائة وستين ميلًا على خليج عدن، بما يعنى أنها تحتل موقعًا مهمًا للتحكم فى مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وفى مكافحة القرصنة والإرهاب والتهريب.. ولذا، تسعى إسرائيل إلى إقامة علاقات طيبة معها، على وعد بالاعتراف بأرض الصومال، دولة مستقلة، لمصالحها الخاصة.. إذ، ونظرًا لافتقارها إلى العمق الاستراتيجى الجيوسياسى، تشعر إسرائيل بالحاجة إلى التمركز فى أرض الصومال، من أجل تفعيل أمنها القومى من على بعد أميال، وتحدى الوجود الحوثى فى اليمن.. وهناك أيضًا فرص اقتصادية، بطبيعة الحال، وبعض الفوائد المترتبة على زيادة العلاقات الدبلوماسية.
وباعتبارها دولة صغيرة فى وسط العالم العربى، الذى تعتبره تهديدًا محتملًا، فقد شعرت إسرائيل تاريخيًا بالحاجة إلى توفير عمق استراتيجى لنفسها.. وكما رأينا فى السابع من أكتوبر 2023، فإن دولة الاحتلال معرضة للغزو المسلح.. ومنذ ذلك الحين، رأينا إسرائيل ترتكب إبادة جماعية مستمرة فى غزة، ومؤخرًا تحول قوتها النارية إلى لبنان فى الشمال.. وكان المدنيون الضحايا الرئيسيين فى كليهما.. لذلك، سعت دولة الاحتلال إلى إنشاء منطقة آمنة لأمنها، بعمق استراتيجى فى مناطق مختلفة.. ففى شرق البحر الأبيض المتوسط، على سبيل المثال، تتصدر قبرص هذا الدور، لقربها الشديد من لبنان وتهديد حزب الله، وفى القرن الإفريقى، تريد إسرائيل تحقيق أهداف مماثلة فى أرض الصومال، التى تعتبر الحلقة الأخيرة فى سلسلة مكافحة وكلاء إيران، وخصوصًا الحوثيين فى اليمن.. وتستثمر الصين فى موانئ المنطقة، فى حين تحاول تركيا إنشاء قاعدة فى الصومال.. وتحاول الإمارات العربية المتحدة أيضًا تطوير وجودها فى عدد من البلدان، وخصوصًا أرض الصومال.. وبالإضافة إلى هذه الدول، تتمتع المنطقة بأهمية استراتيجية كبيرة للمصالح الإسرائيلية.
لكن، لا ينبغى لنا أن ننظر إلى اهتمام إسرائيل بأرض الصومال من منظور أمنى فحسب.. ذلك أن أرض الصومال تتمتع باقتصاد متنامٍ، يوفر فرص الاستثمار فى الزراعة والطاقة والبنية الأساسية، من بين قطاعات أخرى.. والحقيقة، أن الزراعة فى أرض الصومال تتميز بأنها زراعة كفاف، وأن الدولة مستوردة للغذاء، وهو ما يمنح إسرائيل فرصة لزيادة نفوذها فى المنطقة.. ومن الممكن أن تخدم تعبئة إسرائيل الزراعية فى المناطق غير المناسبة للزراعة وجهودها الرامى إلى إنشاء مجتمعات زراعية، على غرار نموذج الكيبوتس الخاص بها، كوسيلة ضغط فى الحصول على قاعدة عسكرية فى أرض الصومال.. ومن الممكن أن تؤدى استثمارات إسرائيل فى أرض الصومال ومشاريع التنمية المحتملة، إلى تعزيز تواجدها فى منطقة القرن الإفريقى، وتوسيع هيمنتها على بلدان أخرى فى المنطقة.
وتتمتع الإمارات العربية المتحدة بعلاقات وثيقة مع البلدين، إذ لديها قاعدة عسكرية فى أرض الصومال، فى علاقة تعود إلى عام 2017.. وكانت أبو ظبى من أوائل العواصم التى تعاملت مع أرض الصومال، ولديها استثمارات هناك.. علاوة على ذلك، تقوم الإمارات العربية المتحدة بتدريب قوات الأمن فى أرض الصومال.. ويشكل هذا التعاون أساس الشراكة الاستراتيجية بينهما.. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت شركة موانئ دبى العالمية، مشروعًا بقيمة 101 مليون دولار لتوسيع ميناء بربرة، الذى تعتبره بديلًا للميناء فى جيبوتى.
لقد قامت الإمارات العربية المتحدة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، من خلال «اتفاقيات إبراهام»، التى روج لها دونالد ترامب، الرئيس الأمريكى السابق، عام 2020، وحافظت على تلك العلاقات.. وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن الإمارات تتوسط نيابة عن إسرائيل لإقامة قاعدة عسكرية فى أرض الصومال.. وتشير المصادر إلى أن الإمارات لم تقنع حكومة أرض الصومال بإقامة القاعدة فحسب، بل وافقت أيضًا على تمويلها.. وفى المقابل، تم تقديم ضمانات بأن إسرائيل ستعترف بأرض الصومال وتستثمر فى المنطقة.. وهناك منفعة متبادلة من وساطة الإمارات العربية المتحدة، حيث ترى كل من أبو ظبى وتل أبيب الحوثيين كعدو مشترك، وتعتقدان أنهما قادرتان على كسر دائرة نفوذ إيران من خلال هذا التعاون.
بالإضافة إلى أرض الصومال، قد تكون جزيرة سوقطرة اليمنية أيضًا ضمن الأهداف التى تسعى إسرائيل والإمارات إلى تحقيق عمق استراتيجى أكبر فى منطقة القرن الإفريقى.. وفى حين كانت الإمارات تخطط للسيطرة على الجزيرة قبل بدء الحرب الأهلية اليمنية، فقد تم الكشف فى الأشهر الأخيرة، عن أنها تخطط لإنشاء قاعدة هناك مع إسرائيل.. وبحسب صحيفة معاريف العبرية، اتفقت الإمارات مع إسرائيل على إنشاء مُنشأة عسكرية واستخباراتية مشتركة فى سوقطرة.. وأشارت الصحيفة إلى أن مثل هذا التعاون يتجلى فى القاعدة العسكرية الإماراتية-الإسرائيلية قيد الإنشاء فى جزيرة عبد الكورى، وهى جزء من سلسلة جزر سوقطرة.
●●●
فى 2020، نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية مقالًا، حول سبب اهتمام إسرائيل بأرض الصومال، تقول فيه، إن أرض الصومال منطقة صغيرة على الساحل الجنوبى لخليج عدن، أعلنت عن انفصالها عن دولة الصومال فى تسعينيات القرن الماضى، ويُنظر إليها عمومًا على أنها جزء من الصومال.. إنها مثال لمنطقة ناشئة ومستقرة، ذات إمكانيات اقتصادية وأهمية استراتيجية فى القرن الإفريقى.. وبناءً على المحادثات الأخيرة مع أولئك المطلعين على المنطقة، فإن التطورات الأخيرة فى العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، تُقدّم فرصة للنظر إلى أرض الصومال ومنطقتها، كمكان يجب أن تنتبه إليه تل أبيب والشرق الأوسط أكثر، وهى التى استقلت لفترة وجيزة فى عام 1960 بعد أن كانت فى السابق تحت الحماية البريطانية، قبل أن تنضم إلى الصومال الكبرى.. واليوم، أصبحت المنطقة منفصلة مرة أخرى، ولكن غير معترف بها إلى حد كبير من المجتمع الدولى. 
أرض الصومال، التى تشكل الثلث الشمالى من الصومال، تتمتع بعلاقات مهمة بشكل متزايد مع الإمارات العربية المتحدة.. وتتمتع المنطقة بواحد من أطول مدارج الطائرات فى إفريقيا، وهو إرث من الحقبة السوفيتية.. ميناء بربرة استراتيجى وله استثمارات من الإمارات، لكن «الشىء الوحيد الذى نفتقده هو الاعتراف الدولى بنا»، كما يقول أحد مسئوليها.. وتتمتع أرض الصومال بعلاقات جيدة مع جيبوتى المجاورة، التى تعد مركز قاعدة بحرية فرنسية، وأصولًا عسكرية أمريكية، ولديها ممثلون فى عدد من البلدان.. تم تدريب خفر سواحلها من قِبل المملكة المتحدة، بسبب القرصنة فى المياه المجاورة.. والآن، تشهد دول القرن الإفريقى منافسة متزايدة من قبل القوى العالمية على النفوذ.. تبنى تركيا قاعدة كبيرة فى الصومال، وتستثمر الصين فى الموانئ.. وعلى هذا النحو، فإن أرض الصومال لها أهمية استراتيجية.. يقول السكان المحليون إنها منطقة واجهت المتطرفين الذين يسيطرون على الصومال المجاور، وكانت مستقرة منذ عقود.
وهنا، ينشأ السؤال: هل إسرائيل مكان يمكن لأرض الصومال أن تتطلع إليه الآن؟
التقى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الزعيم السودانى، وتواصل مع تشاد.. وبعد الإمارات العربية المتحدة، يمكن أن تكون أماكن مثل أرض الصومال ذات أهمية لإسرائيل ولها مصالح فيها.. إذ يقول أحد سكان أرض الصومال، «ليست لدينا مشكلة مع إسرائيل».. ولأرض الصومال دور تلعبه فى استقرار القرن الإفريقى.. فعبر البحر يقع اليمن فى الجانب الآخر، حيث تدور رحى حرب أهلية طاحنة.. دول مثل الإمارات العربية المتحدة لديها مصالح فى جزيرة سوقطرة، التى تقع قبالة سواحل الصومال واليمن.. وهناك مخاوف من تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين فى اليمن، وقد أوقفت البحرية الأمريكية ثلاث شحنات إلى اليمن فى العام الماضى وحده.. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج القيادة الأمريكية فى إفريقيا إلى أماكن مستقرة مثل أرض الصومال، لأن أمريكا تحاول بشكل متزايد، استخدام الطائرات بدون طيار ضد المتطرفين فى الصومال المجاور وعبر منطقة الساحل.. وتحارب فرنسا التطرف المتزايد الذى ابتليت به مالى والدول الأخرى.. نيجيريا والنيجر تعانيان من نفس البلاء.. ومع ذلك، تبدو أرض الصومال بمثابة مرساة للاستقرار فى أحد طرفى منطقة الساحل، مع السنغال على الطرف الآخر فى غرب إفريقيا.
يشكل المسلمون 99٪ من سكان أرض الصومال.. ويقول السكان المحليون، إن معظمهم معتدلون ويتبعون المذهب الشافعى للشريعة الإسلامية.. لقد تم تهديدهم منذ سبعينيات القرن الماضى بالتطرف المتزايد فى البلدان المجاورة.. ومع ذلك، يزعمون أنهم أبعدوا المتطرفين.. ومع التغييرات فى السياق الجيوسياسى للمنطقة، التى تربط بين إسرائيل والإمارات واليونان وقبرص ومصر، فى شبكة أوثق من المصالح المشتركة، يمكن أن تكون أرض الصومال منطقة مهمة لهذه المجموعة من البلدان.. ونظرًا لأنها أبقت التطرف بعيدًا، وتلعب دورًا مهمًا فى القرن الإفريقى عبر اليمن، فهى ذات أهمية متزايدة بالنسبة للبلدان الواقعة على المحيط الهندى وعبر الشرق الأوسط. 
■■ والخلاصة..
فإن هناك العديد من المزايا التى تعود على إسرائيل من الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة.. وتشمل هذه المزايا تعزيز أمنها، ومواجهة التهديدات الإقليمية، وخلق فرص اقتصادية جديدة، وتحسين العلاقات الدبلوماسية، ودعم الحكم فى المنطقة.. وفى منطقة تتنافس فيها العديد من القوى على حصة، بسبب موقعها الاستراتيجى ومواردها، من المتوقع أن تدخل إسرائيل السباق، من خلال شريك محلى هو أرض الصومال، الذى يستبعده العديد من البلدان.. فهل تُكمل إسرائيل دائرة الصراع على أرض الصومال؟.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.