رؤية ثاقبة.. قصة القرار الشجاع لتنفيذ "الأجندة الحضرية الجديدة"
أقرت الأمم المتحدة ما أصطلح على تسميته " الأجندة الحضرية الجديدة" والتى تهدف إلى إدارة ومراقبة التحضر في جميع أنحاء العالم من خلال رسم إطار شامل لتسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
جاء ذلك على طريق صياغة رؤية مشتركة لمستقبل أفضل وأكثر استدامة للبشرية في عالمنا المعاصر
وبرؤية مُتبصِرة ثاقبة اتخذت القيادة المصرية منذ توليها زمام السلطة في 2014، القرار الشجاع، قرار العبور واجتياز الجسور نحو تنفيذ "الأجندة الحضرية الجديدة" ايمانًا منها بأن شعبنا العظيم الذى أرسى للبشرية منذ فجر التاريخ قواعد العمران فى الأرض يستحق حياة أفضل، وأن مصر الحضارة والتحضر يجب ان تتناغم وتتسق مجتمعاتها العمرانية مع المعايير ذات الصلة بالأجندة الحضرية الجديدة التى تعدو كونها معايير بناء فقط لترقى مع انطلاق قطار جمهوريتنا الجديدة الى كونها فلسفة حياة كريمة ومتكاملة للسكن والعمران بأبعاده المتنوعة.
وبفضل السياسة الحكيمة التى تتبعها مصر والرؤية الثاقبة لقيادتها منذ عشر سنوات والطفرة التنموية والاجتماعية غير المسبوقة فى تاريخ البلاد، قطعت مصر على مدى عشر سنوات أشواطًا كبيرة على الطريق نحو إنفاذ "الأجندة الحضرية الجديدة" من خلال إنشاء مدن جديدة بالتوازى مع ( القضاء على العشوائيات ) وتعزيز الاستدامة.
تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة منذ اعتمادها في عام 2016
واتخذت مصر على هذا النهج خطوات وقفزات مهمة ومشهودة على طريق تنفيذ "الأجندة الحضرية الجديدة" منذ اعتمادها في عام 2016، على الرغم من التحديات الكبيرة التى عكسها الواقع العمرانى قبل تولى القيادة السياسية مقاليد السلطة وعلى رأسها النمو السكاني السريع، والتوسع الحضري العشوائي، ونقص البنية التحتية في العديد من المناطق.
وبذلت الحكومة جهودًا كبيرة فى فترة وجيزة لتحقيق أهداف الأجندة الحضرية الجديدة، ورتبت الدولة أولوياتها فتبنت فى هذا الاطار خطة طموحة لإنشاء مدن جديدة تهدف إلى تخفيف الضغط عن المناطق الحضرية الحالية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، العلمين الجديدة، والمنصورة الجديدة وغيرها.. وجميعها مدن تسعى لتوفير بنية تحتية حديثة، مساحات خضراء، وإسكان ميسر.
وتشير التقارير الدولية إلى أن المدن الجديدة تعد جزءًا من استراتيجية أوسع لإعادة توزيع السكان وتقليل الكثافة السكانية العالية في القاهرة الكبرى، وتعزيز التنمية المتوازنة بين المناطق الحضرية والريفية.
كما أطلقت الحكومة المصرية بالتوازى برنامجًا ضخمًا لتطوير العشوائيات وتحسين الظروف المعيشية لسكان المناطق غير الرسمية، ويشمل البرنامج إزالة المناطق غير الآمنة وبناء وحدات سكنية جديدة مزودة بالخدمات الأساسية، من بينها مشروع "الأسمرات" الذي يعد واحدًا من أبرز المشاريع لتحسين الإسكان الاجتماعي، كما تم تخصيص موارد مالية كبيرة لتطوير هذه المناطق من خلال تحسين البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية كالمياه، والكهرباء، والصرف الصحي.
وفيما يتعلق بالتنمية المستدامة والبنية التحتية.. عززت مصر استخدامات الطاقة المتجددة في تطوير البنية التحتية للمدن. أحد أبرز الأمثلة هو مشروع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان، الذي يعد من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم، فضلا عن الاهتمام المتزايد بتحسين شبكات النقل العامة لتقليل التلوث وتعزيز الاستدامة، مثل مشروعات تطوير مترو الأنفاق، وتوسيع شبكات النقل السريع (المونوريل) والقطار الكهربائي.
أما فيما يخص الاندماج الاجتماعي فقد نجحت الحكومة فى توفير الإسكان الميسر لذوي الدخل المحدود من خلال مشروعات مثل “سكن مصر” و”الإسكان الاجتماعي”، التي تهدف إلى توفير وحدات سكنية ميسرة في جميع أنحاء البلاد.
كما اعتمدت مصر إستراتيجيات للتخطيط العمراني تستند إلى مبادئ الاستدامة، بما في ذلك تحسين استخدام الأراضي بشكل أكثر كفاءة، وتقليل التوسع الحضري غير المخطط، وأطلقت الحكومة “رؤية مصر 2030”، التي تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة وتعتمد على مبدأ التنمية المتوازنة بين مختلف المناطق؛ كما تعمل مصر على تعزيز المرونة الحضرية لمواجهة التحديات المرتبطة بالتغير المناخي، خاصة في المناطق الساحلية مثل الإسكندرية التي تتعرض لتهديد ارتفاع مستوى سطح البحر.
وبالإضافة إلى مشروعات حماية الشواطئ، تسعى مصر إلى تحسين كفاءة استخدام الموارد المائية لمواجهة مشكلة ندرة المياه وزيادة التحديات البيئية.
وعلى المستوى العالمى ونظرًا لأهمية " الأجندة الحضرية الجديدة " فقد خصص "المنتدى الحضرى العالمى" فى نسخته الثانية عشرة التى تستضيفها القاهرة فى الفترة من ٤ إلى ٨ نوفمبر المقبل جلسة لمناقشة التقدم المحرز فى تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة التى تمثل رؤية مشتركة لمستقبل أفضل وأكثر استدامة.
وخلال الجلسة التى تحمل عنوان "الأجندة الحضرية الجديدة.. أين نحن؟" والتى تعقد فى ثالث أيام المنتدى سيقوم المشاركون بتسليط الضوء على أهمية أجندة حضرية جديدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وأجندات عالمية أخرى، وإلقاء الضوء على الدروس المستفادة، بما في ذلك التحديات والفرص، بشأن تنفيذ أجندة حضرية جديدة، مع النظر في الإجراءات الجماعية لتسريع تنفيذ أجندة حضرية جديدة على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية.
ويؤكد الخبراء أن الأجندة الحضرية الجديدة تعمل كمسرع لأهداف التنمية المستدامة، وخاصة الهدف 11 ( جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة وآمنة ومرنة ومستدامة - لتوفير إطار شامل لتوجيه وتتبع التحضر في جميع أنحاء العالم).
وكجزء من متابعة ومراجعة الأجندة الحضرية الجديدة، تطلب الجمعية العامة من الأمين العام تقديم تقرير عن تقدم تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة كل أربع سنوات.
ويمثل التقرير الرباعي 2026 الذي يغطي الفترة 2022-2026 لحظة فريدة لتقييم التقدم المحرز والتحديات التي تواجهها وتحديد خطوات أخرى لمعالجتها، حيث أن عام 2026 هو نقطة منتصف الطريق للأجندة الحضرية الجديدة التي تصادف مرور 10 سنوات منذ اعتمادها.
وتعد "الأجندة الحضرية الجديدة" وثيقة وضعتها الأمم المتحدة لتعزيز التنمية الحضرية المستدامة، قبل إعتمادها في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للإسكان والتنمية الحضرية المستدامة الذي عقد في كيتو، الإكوادور في أكتوبر 2016.
وتركز الأجندة الحضرية الجديدة على تحسين نوعية الحياة في المدن، وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية.
وتشمل المبادئ الرئيسية للأجندة على الاندماج الاجتماعي والمساواة حيث تهدف إلى تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء وضمان مشاركة جميع السكان في التخطيط والتنمية الحضرية؛ والاستدامة البيئية حيث تدعو الأجندة الحضرية إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، تحسين إدارة الموارد الطبيعية، وتشجيع الممارسات التي تحافظ على البيئة؛ والتخطيط الحضري المستدام من خلال تعزيز التخطيط العمراني المتكامل الذي يشمل النقل المستدام، الإسكان الميسر، والأماكن العامة التي تعزز التفاعل المجتمعي؛ والمرونة الاقتصادية عبر تشجيع الاقتصاد المحلي وتوفير فرص العمل من خلال الابتكار وريادة الأعمال؛ والحوكمة التشاركية من خلال دعم الشفافية والمشاركة المجتمعية في صنع القرار المتعلق بالتنمية الحضرية.
وتسعى الأجندة الحضرية الجديدة من خلال هذه الأهداف، إلى جعل المدن أكثر استدامة، مرونة، وإنتاجية، مع تحسين جودة الحياة للجميع، خصوصًا في ظل التحديات التي تفرضها التغيرات السكانية والبيئية.
ونجحت الأجندة الحضرية الجديدة منذ إعتمادها فى تحقيق تقدم، في العديد من المجالات على مستوى السياسات الحضرية والتنمية المستدامة؛ وذلك على الرغم من اختلاف النتائج بشكل كبير بين البلدان والمدن، بناءً على السياقات المحلية والإمكانات المتاحة.
ويشير المراقبون الى أن تنفيذ الأجندة الحضرية على مستوى العالم شهد تطورات رئيسية أبرزها دمج مبادئ الأجندة في السياسات الوطنية حيث أن العديد من البلدان بدأت في دمج مبادئ الأجندة الحضرية الجديدة في خططها الوطنية والإقليمية للتنمية الحضرية، وقامت بعض الدول بإعادة صياغة سياساتها المتعلقة بالإسكان والتنقل المستدام والبنية التحتية الحضرية وفقًا لهذه الأجندة.
كما تشمل التطورات التخطيط الحضري المستدام إذ جرى تعزيز نهج التخطيط الحضري الشامل في العديد من المدن، حيث تم التركيز على تحسين النقل العام، وتعزيز البنية التحتية الخضراء، والحد من انتشار المدن غير المخطط لها، وشهدت ممارسات التصميم العمراني تحسنًا في بعض المدن بما يتماشى مع فكرة “المدينة الذكية” و”المدينة المرنة”، مما يسهم في تحسين جودة الحياة وتقليل التأثيرات البيئية.
ونجحت الأجندة الحضرية فى تعزيز الاندماج الاجتماعي والمساواة، فالعديد من المدن تبنت مبادرات لتعزيز المساواة الاجتماعية وتقليص الفجوات الاقتصادية، وتم تنفيذ برامج للإسكان الميسر في عدة أماكن لتعزيز الوصول إلى السكن لذوي الدخل المحدود، كما قدمت بعض الدول سياسات تهدف إلى دمج المهاجرين واللاجئين في المجتمع الحضري وتوفير فرص عمل لهم.
تخصيص موارد مالية من مؤسسات دولية
وفيما يتعلق بالتمويل والشراكات، نجحت الأجندة الحضرية فى تحفيز عدد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشروعات حضرية مستدامة مما ساهم في تحسين البنية التحتية الحضرية والنقل والطاقة المتجددة، كما تم تخصيص موارد مالية من قبل مؤسسات دولية مثل البنك الدولي لدعم المشاريع الحضرية المستدامة في البلدان النامية.
ومن خلال تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة، بدأت المدن فى الاعتماد على الابتكارات التكنولوجية والرقمنة لتحسين إدارة المدن، بما في ذلك إدارة الموارد، والنقل، والحوكمة، وباتت المدن الذكية مثالًا شائعًا لتنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة باستخدام تقنيات المعلومات والاتصال لتعزيز الكفاءة والاستدامة.
وفيما يخص تحديات التغير المناخي، تم تعزيز المرونة الحضرية في مواجهة التغيرات المناخية، فالعديد من المدن قامت بتطوير خطط مرونة حضرية لمواجهة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات وارتفاع درجات الحرارة؛ مع زيادة التركيز على الاستدامة البيئية بشكل ملحوظ، حيث تم إطلاق مشاريع لتقليل انبعاثات الكربون وتحسين كفاءة الطاقة.
ويؤكد المتخصصون انه وعلى الرغم من الإنجازات المحققة على طريق تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تعوق التنفيذ الكامل للأجندة وعلى رأسها التمويل إذ أنه لا تزال العديد من الدول تعاني من نقص الموارد المالية لتنفيذ خطط التنمية الحضرية المستدامة؛ فضلا عن التفاوتات الاجتماعية إذ انه في بعض المدن، لم يحدث تحسن كبير في تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء؛ بإلإضافة إلى التوسع العمراني غير المخطط ففى بعض المناطق الحضرية ما زالت تعاني من التوسع العشوائي وعدم القدرة على توفير بنية تحتية مناسبة.