رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضربة إسرائيل والرد على إيران

لست من دعاة الحرب، ولكن من سمع تهديدات إسرائيل لإيران، كان يعتقد أن ردها العسكرى هناك سوف يكون ساحقًا، تصريحات جنرالات إسرائيل قبل ردها جاءت ملغزة ومكتوبة بصيغة تحمل من الأدب والفن أكثر ما تحمل من البارود والرصاص، عندما استمعنا إلى جالانت وزير الدفاع الإسرائيلى وهو يقول إن ردنا على إيران سوف يتم بطريقة لن تفهمها إيران ولن تتوقعها، كنا وقتها ما زلنا نتأمل موقعة تفجير البيجر فى لبنان، وربطنا مسألة عدم فهم إيران للضربة بأن رد إسرائيل سوف يكون تكنولوجيًا ورفيع المستوى.
وبعد منتصف الليل جاء الرد الإسرائيلى الذى احتفلت به كل الأطراف حتى إيران نفسها ابتسمت، وقالت فيما معناه إن الضربة لم تؤلمها، أما أمريكا فقد احتفلت لأنها نجحت فى إقناع نتنياهو بالابتعاد فى ضربته عن منشآت إيران النووية وكذلك مصافى النفط، وربما كان هناك أمر خفى لفرحة أمريكا لم تعلن عنه، وهو من وجهة نظرنا أن هذه هى المرة الأولى التى ينفذ فيها نتنياهو تعليمات أمريكا، ولم يتمرد عليها كما هو حاله منذ السابع من أكتوبر 2023.
الضربة التى قالت إيران عنها فى تسريب لجهات محايدة إنها لن ترد عليها، وبذلك يتوقف التراشق الصاروخى بين إسرائيل وإيران، هذه الضربة وتداعياتها تجعلنا نتساءل: لماذا لم تستخدم أمريكا هذا النفوذ للضغط على إسرائيل لوقف الحرب فى غزة ولبنان؟، هذا النفوذ الذى استخدمته لتحجيم ضربة إسرائيل ضد إيران غائب تمامًا فى الملف العربى، وهو ما يجعلنا نتأكد من هشاشة موقفنا العسكرى، لذلك لم تقم أمريكا اعتبارًا لنا، على عكس إيران التى من الممكن لها فى حالة التصعيد أن ترد بقسوة، وهو ما يعكر صفو الانتخابات الأمريكية التى ستنعقد مطلع الشهر القادم.
ومن ملامح تعكير الصفو الذى تجنبته إسرائيل وأمريكا هو أن أمريكا تعهدت مرارًا بدخول الحرب إذا أصرت إيران على التصعيد وتهديد أمن إسرائيل، ودخول أمريكا الحرب المباشرة فى هذه اللحظة السائبة لا يتفق مع تنظيم انتخابات ينتظرها الناخب الأمريكى منذ سنوات.
ونحن كعرب إلى جانب ضعفنا الواضح الذى أكدته الدماء التى سالت دخلنا معركتنا ضد إسرائيل باعتبارنا تنظيمات - حماس وحزب الله - وقرار الحرب لم تتخذه الدولة فى فلسطين ولبنان، هنا موقف إيران يصبح أقوى باعتبارها دولة تناطح دولة أخرى، وهذا ما جعل الضربة الإسرائيلية أشبه بمسرحية لحفظ ماء الوجه.
وإذا أضفنا إلى ذلك حاجة أمريكا للدولة الإيرانية فى مسألتين الأولى: هى ضمان تدفق النفط واستقرار أسعاره عالميًا والثانية: هى أن إيران قادرة على الحد من نشاط أذرعها العسكرية فى الدول الأربع التى تنطلق منها عمليات ضد إسرائيل والدول الأربع هى: لبنان واليمن وفلسطين والعراق، حيث تسيطر إيران فى كل دولة منها على رافعة عسكرية قادرة على إيلام إسرائيل.
إلى هنا يمكننا القول إن الاتصالات الأمريكية الإيرانية من خلال وسطاء لم تتوقف، وإنه من الممكن أن تسير تلك الاتصالات إلى موقف قد يساعد على وقف الحرب فى غزة ولبنان وعودة ما تبقى من المخطوفين الإسرائيليين، ويعزز هذا التخمين أنه بدأت بالفعل فى القاهرة والدوحة تفاهمات حمساوية إسرائيلية، لم يكن رحيل يحيى السنوار سببًا مباشرًا لهذه التفاهمات، ولكنها حزمة أسباب اقتنعت بها إيران مؤخرًا خاصة بعد القضاء على قادة الصف الأول فى حزب الله، وتخريب الضاحية الجنوبية فى لبنان، ما يعنى أن الحرب صارت عبئًا ثقيلًا، وأن الأثمان المدفوعة فيها باهظة، لذلك يضع كل طرف تصوراته لسيناريو مقبول شعبيًًا كى تنتهى هذه اللعبة الدموية التى نشهدها منذ أكثر من عام.