رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سعد القرش: خيرى عبدالجواد أبدع عالمًا موازيًا مستوحى من بيئته

جانب من اللقاء
جانب من اللقاء

بدأت، منذ قليل، فعاليات الدورة الثالثة لملتقى موقع صدى ذاكرة القصة المصرية، الذي يأتي بعنوان "التراث في القصة القصيرة"، دورة الكاتب الكبير خيري عبدالجواد، برعاية مركز سيا الثقافي؛ برئاسة الكاتبة والإعلامية الدكتور صفاء النجار ومؤسسة المحكى؛ برئاسة  الدكتورة أسماء عواد، وجاءت المملكة الأردنية الهاشمية ضيف شرف الملتقى.

جاءت الجلسة الأولى تحت عنوان "توظيف التراث الشعبي في قصص خيري عبدالجواد" بحضور الناقد شوقي عبدالحميد، والكاتب الصحفي والروائي سعد القرش، وأدارها الناقد والروائي سيد الوكيل.

ترويض الموت في حدائق التراث
 

وجاءت الورقة البحثية للكاتب الروائي سعد القرش تحت عنوان "ترويض الموت في حدائق التراث" من الشائع أن الأسد ما هو مجموعة من الغزلان والخراف، وغيرها من آكلات العشب، يهضمها ويتمثّلها، فيقوى على افتراس المزيد من الطرائد، ولا يمكن الاستدلال على أي منها في أعضاء الأسد التي لا تنتمي إلا إليه. 

وفي الكتابة الضحلة، تسهل معرفة المصادر المهيمنة على الكاتب. ويستطيع القارئ الذكي استدعاء آخر نصوص قرأها الكاتب الكسول، قبل الشروع في الكتابة. أما الكتابة المبدعة فهي ثمرة كاتب يترك بصمته، بعد أن يتمثّل تراث النوع، وإلى هؤلاء ينتمي خيري عبدالجواد، في فتنته بالتراث الشعبي، قراءة وجمعا وتحقيقا، ثم يضع هذا التراث العظيم أمامه، تحديًّا جماليًّا؛ ليشيد بنيانا يخص عالم خيري عبدالجواد.

وأضاف: أتصور، بشيء من التبسيط، أن محاورة خيري عبدالجواد مع التراث استمرت على مستويين، أولهما إبداعه عالما موازيا، من بيئته القروية المصرية، وكان هذا مصدر فرحي بقصصه الأولى، منحتني الثقة بأن رُعب طفولتي من السحر والعفاريت وكائنات الظلام، في قرية اختفت الآن ملامحها تماما، قابلة للتحول إلى فن. في قصة «حكاية البنت زقلوطة»، يعرف الفتى أن الحمار الذي قابله هو عفريت مسحور، «عفريت حمار»، وبالحيلة يغمد مسمارا في مؤخرته، «فنهق وشهق ورفس الأرض بقدمه ومرغ جسده في التراب»، والفتى يفرح بالسيطرة عليه، فلن يستطيع التحول إلى عفريت. ثم يركبه، ولا يبالي بتوسله: «ارحمني يا سيدي وانزع المسمار وأنا أفعل ما تطلب». 

يذكر جابرييل جارسيا ماركيز في مذكرته «عشت لأروي» أن قصص ألف ليلة وليلة، بهَرته عوالمُها في الصغر، «حتى إنني تجرأت على التفكير في أن العجائب التي ترويها شهرزاد، كانت تحدث فعلا، في الحياة اليومية، في عصرها». أنا والله عشتُ تلك العجائب، عشتُها كحقائق مرعبة، وظننتها اختفت منذ ذاكرة القرى، حتى كبرتُ وفاجأني خيري عبد الجواد بأنه وثّقها بالإبداع.

وتابع: المستوى الثاني هو استعاراته اللفظية الصريحة من التراث الشفاهي، ومن ألف ليلة وليلة، في مفتتح القصص، وفي نسيج السرد، وفي الخواتيم أيضا، لا يُخفي تناصًّا يستهدف به إلقاء التحية على هذا التراث العظيم، والإشادة به: «أول ما نبدي القول نصلي على النبي ونعيد»، «أقص عليكم حكاية موت أمي»، وانتهاء بأن هذه القصة أو تلك «لو كتبت بالإبر على آماق البشر لكانت عبرة لمن اعتبر».